القضاء اللبناني: إبقاء تلفزيون «إم. تي. في» مقفلاً كي لا تتجاوز الحريات حدودها وتفقد حصانتها

TT

أبقت محكمة المطبوعات في لبنان محطة تلفزيون «ام. تي. في» واذاعة «جبل لبنان» مقفلتين. وكرست بذلك قرار الهيئة السابقة القاضي باقفالهما بشكل تام ونهائي واصدرت محكمة المطبوعات برئاسة القاضي سمير عالية قراراً امس ردت فيه الاعتراضات المقدمة من وكلاء «ام. تي. في» واذاعة «جبل لبنان» والمساهمين والموظفين على القرار الصادر في 4 سبتمبر (ايلول) الماضي، في الشكل، وذلك لعدم جواز سماع هذه الاعتراضات قانوناً. وقررت المحكمة ابقاء التدبير المتخذ في القرار المطعون فيه مع اعتماد الوصف الصحيح الذي توصل اليه هذا القرار. كما ردت المحكمة سائر الاسباب والاقوال والمطالب الزائدة او المخالفة او المتعارضة مع هذا القرار، وتدريك المعترضين الرسوم والمصاريف والنفقات القانونية.

لكن المستشارة في هيئة المحكمة القاضية تيريز علاوي خالفت رأي الاكثرية. ودونت مخالفتها الواقعة في ثلاث صفحات. اذ اعتبرت ان التدبير المتخذ بحق المؤسستين المذكورتين هو تدبير احتزازي وليس عقوبة، مشيرة الى انه «لا يوجد ما يحول دون امكانية حق المحكمة في اعادة البحث بأساس التدبير المتخذ في ضوء الملاحظات التي ابداها الفرقاء في مراجعتهم ومذكراتهم وليس ردها شكلاً كما قررت الاكثرية».

الا ان هذا القرار قابل للمراجعة والطعن فيه امام محكمة التمييز الناظرة في قضايا المطبوعات برئاسة القاضي عفيف شمس الدين. وهذه المحكمة سيكون حكمها مبرماً وغير قابل لأي طريق من طرق المراجعة.

وأجابت المحكمة، في نص قرارها، على المسائل التي اثارها المعترضون ـ اي المساهمين والموظفين في شركتي «ام. تي. في» واذاعة «جبل لبنان» ـ لا سيما حول دور القضاء ازاء الحقوق والحريات العامة، فأشارت الى «ان المحكمة عندما تطبق نصوص القانون على وقائع القضية، انما تنصاع لمبدأ سيادة القانون ووجوب خضوع جميع المخالفين لأحكامه. وهي لا تحيد عن هذا المبدأ والا اعتبرت ممتنعة عن احقاق الحق».

واضافت المحكمة في قرارها: «صحيح ان القضاء العدلي، ومنه محكمة المطبوعات، حامي الحقوق والحريات العامة، ولكن حمايته هذه تكون عندما تمارس هذه الحريات والحقوق في اطارها المشروع والمباح والتي يتعين ان تقف هذه الممارسة عند حدود المصلحة الخاصة او العامة. اما اذا تجاوزت هذه الممارسة للحريات الحدود والضوابط التي وضعها المشترع وحددها القانون فإنها تفقد حصانتها لخروجها من نطاق حقها المشروع الى ما يشكل اعتداء على حرمة نصوص القانون ومما يقع تحت طائلة احكامه».

وردت المحكمة على الصرخة التي اطلقها وكلاء المؤسستين في جلسة المحاكمة التي انعقدت قبل عشرة ايام وناشدوا فيها هيئة المحكمة احقاق الحق وحماية الحريات، فاشارت الى انها «تستشعر دائماً القسم القضائي وواجب القضاة في احترام القوانين وحسن تطبيقها على ما يطرح امامها من قضايا. وان المحكمة كسائر القضاة تنطلق من الضمير والقناعة القضائية الوجدانية. وانها بالتالي ليست في حاجة الى من يخاطب ضمائر القضاة من وقت الى آخر لأن الاحساس بالضمير والمسؤولية القضائية هما قضية وجدانية داخلية توجبها قدسية رسالة القضاء ووطأة الامانة الوطنية اللتان نذر القضاة انفسهم للاضطلاع بهما في محراب العدالة حيث لا مكافأة سوى راحة الضمير والاحساس بحسن القيام بالواجب».

وابدت المحكمة في قرارها «حرصها على احترام حرية الاعلام والصحافة طالما مورست في اطارها المشروع، بل انها تعتبر الاعلاميين والصحافيين وكل من يعمل في وسائل التعبير عن الرأي بمثابة سلطة رابعة الى جانب السلطات الاخرى، كون الذي يمارسون هذه الحريات المسؤولة يشكلون منارة حضارية تشع في لبنان والعالم».

واشارت المحكمة الى ان المساهمين في تلفزيون «ام. تي. في» وهم النائب غبريال المر وولداه كارول وكارل المر والمساهم في اذاعة «جبل لبنان» جان سعد، والموظفين ليس لهم صفة ولا اهلية لتمثيل هذه الشركة امام القضاء ولا للطعن في القرارات الصادرة ضدها، كون الشركة ذات شخصية معنوية مستقلة عن اشخاص المساهمين فيها. وهي تتقاضى وتقاضي وتطعن بواسطة المدير العام او رئيس مجلس الادارة.

وفي تفسيرها للتدبير المطعون فيه لفتت المحكمة الى انه «تدبير احترازي وقائي لمواجهة حالة معينة تتوافر فيها الخطورة الجرمية او تنبئ بحصولها مستقبلاً او استمرار تماديها. ويكتفى لاتخاذ هذا التدبير احالة الاوراق الى المحكمة من دون ان يرفق النص بأي ادعاء او طلب. وتثبت المحكمة هذه الحالة بسلطتها الولائية من دون اجراء محاكمة. ويصدر القرار في غرفة المذاكرة. وهذا ما يؤكد الطابع الاداري للقرار المتخذ من محكمة المطبوعات بهذا الخصوص».

ولفتت المحكمة الى ان عدم جواز سماع الاعتراضات في الشكل يمنع على المحكمة قانوناً ان تنتقل لبحث الاسباب في الاساس، مهما كانت هذه الاسباب، ومهما اثير فيها من ظروف واوضاع، سواء اعطيت الطابع القانوني او الاجتماعي او الانساني.

وخلصت المحكمة بأكثريتها الى ما يأتي:

1 ـ رد الاعتراضات في الشكل لعدم جواز سماع الاعتراضات قانوناً وابقاء التدبير المتخذ في القرار المطعون فيه مع اعتماد الوصف الصحيح الذي توصل اليه هذا القرار.

2 ـ عدم جواز الانتقال للبحث في اسباب الاساس لعدم قانونية ذلك عندما تقرر رد الاعتراضات في الشكل.

3 ـ رد سائر الاسباب والاقوال والمطالب الزائدة او المخالفة او المتعارضة مع هذا القرار.

4 ـ تدريك المعترضين الرسوم والنفقات القضائية.