أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتبر اكتشاف الخلية البدوية أكبر قضية تجسس في تاريخها

TT

اعتبرت اجهزة الامن الاسرائيلية على اختلافها ان خلية الضباط العرب في الجيش المتهمة بالتعامل مع حزب الله في لبنان كانت اكبر عملية تجسس في التاريخ الاسرائيلي. وقال مسؤول امني انه ليس صدفة قيام حزب الله بدفع مئات الوف الدولارات، اضافة الى مخدرات قيمتها حوالي مليون دولار، على حد زعمه، لهذه المجموعة، «فقد ادرك جيدا ان لديه مصدر معلومات تعجز عن الحصول عليه دول عظمى».

وكشفت النيابة العامة، امس عن تفاصيل قضية التجسس هذه وذلك عندما قدمت لائحة اتهام ضد اربعة من اعضاء الخلية التي يبلغ عدد اعضائها 11 جنديا وشرطيا وضابطا، في المحكمة المركزية في الناصرة، علما بأن قائد الخلية وهو ضابط برتبة عقيد سيحاكم امام محكمة عسكرية.

ويتضح ان الخلية بدأت تعمل مع حزب الله منذ عشرة اشهر. وقام بتجنيدها شخص يدعى ابو السعيد (كميل نهارا)، الذي تزعم اسرائيل بأنه تاجر مخدرات يقيم علاقات مع حزب الله وانه في مرحلة متقدمة من العلاقات قام بجمع العقيد الاسرائيلي مع مسؤول بارز في حزب الله في الجنوب اللبناني.

كما يتضح مما كشف عنه ان الاتصال بين الطرفين تم بواسطة اوراق صغيرة، يطلب فيها حزب الله معلومات ما. فيأخذها اعضاء الخلية، ويحفظونها عن ظهر قلب، ثم يمزقون الاوراق قطعا صغيرة وينشرونها وهم عائدون من الحدود اللبنانية بسياراتهم، ورقة ورقة. وعندما يعدون الاجابات، يسلمونها على الحدود بالطريقة نفسها، ويتقاضون ثمنها اما نقودا بالدولار الاميركي او قيمتها مخدرات.

ومن بين المعلومات والمطالب التي تزعم اسرائيل بأن حزب الله تقدم بها وتجاوب معها افراد الخلية، حسبما جاء في لوائح الاتهام، ذكر التالي:

* معلومات دقيقة عن نائب رئيس اركان الجيش الاسرائيلي منذ ان كان قائدا للواء الشمالي، الجنرال جابي اشكنازي وجدول عمله اليومي وتحركاته ومكان سكنه واطباعه.

* معلومات دقيقة عن مجموعة من كبار ضباط الجيش الاسرائيلي في منطقة الشمال، واماكن سكنهم وأوقات دوامهم وطرق عملهم.

* معلومات عن معسكرات الجيش والقواعد العسكرية في منطقة الشمال.

* خرائط تبين مسار الدوريات العسكرية على الحدود مع لبنان واوقات تحركها وخرائط عن مسار الدبابات، وزيارات القادة الكبار لها.

* معلومات عن آلات التصوير التي تنشرها اسرائيل على طول الحدود مع لبنان.

* معلومات تفصيلية عن المنطاد ذي المحرك، الذي ينشره سلاح الجو الاسرائيلي فوق سماء لبنان الجنوبي لرصد تحركات عناصر حزب الله وغيرهم من حركات المقاومة في لبنان.

* 12 هاتفا خليويا تابعة لمختلف شركات الهواتف الاسرائيلية، حتى يستفاد منها للرصد والكلام بين الطرفين.

* معلومات عن المواقع الاسرائيلية فوق جبل الشيخ.

* جهاز لاسلكي اسرائيلي عسكري.

وحسب لوائح الاتهام فان خلية العسكريين الاسرائيليين تلقت اموالا طائلة لقاء هذه الخدمة تقدر بمئات الوف الدولارات اضافة الى كمية كبيرة من عشرات الكيلوغرامات من المخدرات على اختلاف انواعها: حشيش، هيروين وغيرهما.

وقررت المحكمة ان تدير جلساتها من الآن فصاعدا بسرية تامة، حتى لا تكشف مصادر المعلومات ونوعية المعلومات التي نقلت الى حزب الله وظروف حصول الخلية على المعلومات، كي لا تكشف اسرار اخرى.

وتبين ان المخابرات كشفت امر هذه الخلية عندما عثرت على هاتف خليوي اسرائيلي قرب جثة احد الفدائيين اللذين قاما بعملية عسكرية في الشمال في مارس (آذار) الماضي والتي قتل فيها الفدائيان وستة اسرائيليين. وعند الفحص تبين ان الهاتف الخليوي مسجل في شركة الهواتف على اسم شاب من قرية بيت زرزير البدوية قرب الناصرة. فاعتقل، ولكن فقط بعد عدة أشهر، وفي البداية حافظ على حقه في الصمت امام المحققين. ولكنه في مطلع سبتمبر (ايلول) الماضي بدأ يعترف وبناء على اعترافاته اعتقل جميع افراد الخلية، بينهم الضابط الكبير. وتؤكد النيابة ان اربعة من المتهمين ثبت انهم لم يكونوا على اطلاع على الجانب التجسسي في العلاقة واقتصرت الاتهامات الموجهة اليهم على موضوع تجارة المخدرات. لكن الباقين اعترفوا بالتهم، باستثناء الضابط الكبير، الذي تمكن امس من قول جملة واحدة للصحافيين الذين احتشدوا امام المحكمة لمقابلته، هي: «سأخرج من هذه المحكمة بريئا. وسيعتذرون لي. وسيمنحونني رتبة عميد في الجيش».

وأثارت هذه القضية ردود فعل ما بين الصدمة والذهول في اسرائيل. واحتلت كل عناوين وسائل الاعلام. ودعا الرئيس الاسرائيلي، موشيه قصاب، الجمهور الى ان لا يتخذ موقفا عاما ضد البدو في اسرائيل بجريرة هؤلاء الشاذين. وقال: «خلال اكثر من خمسين سنة اثبت البدو ولاءهم واخلاصهم للدولة. ومع انهم غير ملزمين بالخدمة العسكرية، رأيناهم يتجندون تطوعا بحماس منقطع النظير. وبفضلهم تمكنت اسرائيل من افشال مئات العمليات الارهابية وانقاذ الوف الارواح. وما حدث الآن خطير جدا، ولكنه يقتصر على بضعة افراد فحسب».

ونشرت الصحف الاسرائيلية، امس مجموعة من الصور المحرجة التي ظهر فيها الضابط الكبير في جلسات بيتية حميمة مع كل من رئيسي اركان الجيش السابقين، امنون شاحاك وشاؤول موفاز، ومع وزراء وقادة عديدين في الجيش من دون توضيح صورته (حتى كتابة هذا السطور يحظر نشر اسمه وصوره). والهدف من ذلك التأكيد على ان المتهم كان معروفا جدا لدى كل القيادات السياسية.

يذكر ان المتهم هو من عائلة خدم جميع افرادها في الجيش وحصلوا على درجات عليا. واحد اقربائه من الدرجة الاولى يترأس مجلسا بلديا ويحتل مكانة مرموقة في اتحاد البلديات البدوية وهو برتبة رائد في الجيش. وهو نفسه كان من المقاتلين المعروفين بجرأتهم. وحصل على عدة اوسمة بسبب العمليات التي قام بها ضد فلسطينيين ولبنانيين. وكان قد التحق بالجيش قبل 20 سنة، في الوحدة العسكرية التي قادها في حينه الجنرال موشيه يعلون، رئيس اركان الجيش الحالي. وقبل ست سنوات، عندما كان برتبة رائد، اصيب بجراح قاسية خلال معركة ضارية مع مقاتلي حزب الله. وفقد احدى عينيه. واصيب بشلل جزئي بيده وساقه. وعندما جاء رئيس الحكومة، شيمعون بيريس، في حينه لزيارته في المستشفى لم يكن هذا الضابط قادرا على النطق. فكتب على ورقة قدمها له بيريس: «سنظل نقاتل حتى الموت كي نحفظ امن اسرائيل في الحدود الشمالية».

ويقول افراد عائلته، الذين لا يصدقون ابدا انه متورط فعلا في مشكلة كهذه، انه كان رائدا في اقناع شبان العائلة في التجنيد للجيش الاسرائيلي «نحن عائلة عسكرية مخلصة لاسرائيل أبا عن جد». قال شقيقه موسى امس. واضاف «انا وجميع اشقائي خدمنا في الجيش. واثنان منا حاربا الى جانب اسرائيل في سنة 1948. فهل يعقل ان يخون احد منا».

ولكن آخرين يشيرون الى ان هذا الضابط بدأ التورط في موضوع تجارة المخدرات قبل 11 سنة. وحوكم بتهمة تهريب 100 كيلوغرام من الحشيش في حينه واجهزة كهربائية مختلفة من لبنان الى اسرائيل. ومع ان المحكمة برأت ساحته، ظلت الشرطة تشكك في مصداقيته. لكن الجيش رفض الاتهامات وواصل منحه الاوسمة والدرجات حتى نال اعلى درجة بين الضباط البدو.

يذكر ان نبأ نشر امس في اسرائيل قال ان وفودا كبيرة من الحركة الاسلامية في البلاد زارت العائلة خلال الاسابيع الاخيرة حالما علمت بالقضية. وان احد قادتها عرض على العائلة مليوني شيكل (410 آلاف دولار) لتمويل المرافعة عن الضابط الكبير. وقال لهم: «لا تكترثوا للاتهامات الموجهة لكم بالخيانة. فنحن معكم». ولكن العائلة رفضت العرض. وابلغت المخابرات. ونفى الناطق بلسان الحركة الاسلامية، الشيخ هاشم عبد الرحمن، هذا الاتهام وقال امس ان حركته «لا علاقة لها بهذه القضية لا من قريب ولا من بعيد وكل ما يشاع حولها افتراء له اهداف سامة».