الرئيس الصومالي يتهم الإيقاد بالانحياز وسط مخاوف من انهيار مؤتمر المصالحـة الصومالية في كينيا

TT

في تطور غير متوقع شن الرئيس الصومالي الانتقالي عبد القاسم صلاد حسن أمس هجوما مفاجئا وحادا ضد مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية الذي تستضيفه مدينة الديروت الكينية منذ الأسبوع الماضي، وأعلن أن المؤتمر لن يؤدى إلى إنهاء الحرب الأهلية في الصومال.

وقال الرئيس صلاد في تصريحات صحافية في العاصمة الصومالية مقديشيو «إنني متشائم بشأن إمكانية أن يساعد المؤتمر عملية السلام الصومالية وينتهي إلى تحقيق المصالحة الوطنية المنتظرة». واتهم صلاد دول الجوار الجغرافي للصومال بالعمل على تقسيم الصومال، مشيرا إلى أن منظمة دول الإيقاد (السلطة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا) الراعية للمؤتمر والحكومة الكينية التي تستضيف المؤتمر على أراضيها لم تمارسا أية ضغوط على طاهر ريال كاهين رئيس ما يسمى بجمهورية أرض الصومال الانفصالية لإجباره على المشاركة في المؤتمر أسوة بغيره من أمراء الحرب وقادة الفصائل الصومالية المناوئة للحكومة الانتقالية.

وأكد صلاد أن بعض الدول المجاورة للصومال (في إشارة واضحة إلى أثيوبيا) حولت مجرى المؤتمر من إحلال السلام والاستقرار في الصومال إلى تقسيمه وتجزئته نهائيا، موضحا أن هناك قوى أجنبية ودولا خارج منطقة القرن الأفريقي انضمت لهذه المساعي بهدف تخريب عملية السلام وعدم تمكين الصوماليين من الوصول إلى أي اتفاق لإنهاء الحرب الأهلية والنزاعات المسلحة التي تشهدها البلاد منذ سقوط نظام حكم الرئيس الصومالي الراحل محمد سياد بري عام 1991، وطالب منظمة دول الإيقاد بلعب دور أكثر حيادية في سبيل تسهيل عملية المصالحة الوطنية الصومالية، مشيرا إلى أن الوفد الرسمي الذي يترأسه حسن أبشر فارح رئيس الحكومة الانتقالية يراقب عن كثب أجواء المؤتمر وطبيعة أعماله.

وتأتي هذه التصريحات المتشائمة والمفاجئة للرئيس الصومالي كأول رد فعل رسمي له حيال مؤتمر المصالحة الوطنية الذي تستضيفه مدينة الديروت الكينية، علما بأنه تغيب عن المشاركة شخصيا في أعمال المؤتمر على الرغم من أنه تلقى دعوة رسمية من منظمة دول الإيقاد في إطار الدعوات التي وجهتها لرؤساء دول منطقة القرن الأفريقي وعوضا عن اجواء التفاؤل التي سادت مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية الذي بدأ أعماله 15 أكتوبر (تشرين الاول) الجاري في مدينة الديروت الكينية في إمكانية نجاحه في تحقيق السلام والاستقرار المفقودين منذ عام 1991، الا ان المعلومات الخاصة التي تلقتها «الشرق الأوسط» أمس من أروقة المؤتمر كشفت النقاب عن احتمال حدوث انهيار مفاجئ للمحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية في الصومال وتشكيل حكومة موسعة تضم كافة فصائل المعارضة الصومالية.

وهدد ممثلو مجلس الإحياء والمصالحة الذي يضم أمراء الحرب المتحالفين مع اثيوبيا بمقاطعة المؤتمر ومغادرة كينيا على الفور إذا لم تتم دعوة الرئيس الانتقالي عبد القاسم صلاد حسن إلى الحضور شخصيا للمشاركة في المؤتمر وترؤس وفد الحكومة الانتقالية بدلا من رئيس وزرائه حسن أبشر فارح، وأبلغ خمسة من أبرز أمراء الحرب الصوماليين السلطات الكينية ومنظمة الإيقاد المشرفة على المؤتمر باعتزامهم العودة إلى مواقعهم ومغادرة كينيا إذا لم يحضر الرئيس صلاد إلى المؤتمر بوصفه رئيسا لما يسمى بمجموعة عرتا في إشارة إلى السلطة الانتقالية الصومالية التي تولت السلطة في أعقاب مؤتمر عرتا للمصالحة الوطنية الذي استضافته جيبوتي عام .1999 ووقع محمد حسين عيديد وموسى سودي يالاهو والجنرال سعيد مورجان وعدن جابيو على مذكرة رسمية مع آخرين من أمراء الحرب الصوماليين لحث الحكومة الكينية ومنظمة الإيقاد على إجراء اتصالات فورية مع الرئيس الانتقالي الصومالي عبد القاسم صلاد لإقناعه بضرورة الحضور إلى كينيا لتفادي انهيار المؤتمر.

وقال هؤلاء في تصريحات متزامنة إنهم «لن يتفاوضوا مع الوفد الحكومي ما لم يحضر الرئيس صلاد بنفسه ويجلس على طاولة المفاوضات كرئيس لفصيل صومالي فقط وليس كرئيس للدولة الصومالية كلها».

وثار جدل أمس حول منع السلطات الكينية وفدا من أنصار جامع علي جامع الذي يخوض نزاعا مريرا على السلطة في جمهورية البونت لاند الانفصالية مع غريمه العقيد عبد الله يوسف من الانضمام إليه في المؤتمر، وهدد العقيد يوسف الملقب بين أتباعه بالدرويش بمغادرة المؤتمر إذا تمت معاملة غريمه جامع كزعيم للمعارضة، معتبرا أنه بإمكانه المشاركة في المؤتمر فقط كعضو في الوفد الرسمي لحكومة البونت لاند الذي يترأسه عبد الله يوسف.

في هذه الأثناء شن عمر محمد فينيش أحد أمراء الحرب الصوماليين البارزين هجوما حادا ضد اثيوبيا واتهمها بالتدخل في المؤتمر بهدف محاولة عرقلة وتدمير الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية في الصومال، وقال فينيش في بيان مقتضب إن اثيوبيا لا تريد نجاح المؤتمر وأن لديها تأثيرا سلبيا متعاظما على كافة الفصائل المتحالفة معها، وأضاف «يبدو أن الحكومة الكينية فقدت سيطرتها على المؤتمر بسبب تدخلات اثيوبيا في شؤون تسييره على نحو مكشوف». وكانت مصادر صومالية مسؤولة قد كشفت لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن أن الرئيس الصومالي الانتقالي عبد القاسم صلاد حسن قرر في آخر لحظة عدم المشاركة شخصيا في مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية الذي ترعاه الحكومة الكينية في مدينة الديروت احتجاجا على ضغوط غير معلنة مارستها الحكومة الاثيوبية على كينيا ومنظمة دول الإيقاد لعدم معاملته معاملة رؤساء الدول، حرصا على إرضاء الفصائل الصومالية المدعومة من أديس أبابا.

وتلقى الرئيس الصومالي مؤخرا دعوة رسمية من كينيا لحضور المؤتمر على غرار الدعوات التي تلقاها معظم رؤساء دول منطقة القرن الأفريقي الأعضاء في منظمة الإيقاد، وقالت مصادر مقربة من الرئيس الصومالي لـ«الشرق الأوسط» إنه كان مقررا أن يترأس بنفسه الوفد الرسمي المشارك في المؤتمر غير أنه عدل عن ذلك قبل أربع وعشرين ساعة فقط من موعد سفره بعدما تلقى إشارة من الحكومة الكينية المنظمة للمؤتمر بأنه سيعامل بنفس الطريقة البروتوكولية التي سيخضع لها أمراء الحرب وقادة الفصائل الصوماليين.

وطبقا لمعلومات خاصة لـ«الشرق الأوسط» فقد أجرى الرئيس صلاد اتصالا عاجلا مع نظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة لاطلاعه على هذه التطورات قبل أن يعدل جيلة هو الآخر عن قرار توجهه شخصيا إلى مدينة الديروت للمشاركة في المؤتمر احتجاجا على الضغوط التي مارستها الحكومة الاثيوبية من وراء الكواليس في هذا الصدد. ورعت جيبوتي عام 1999 أول مؤتمر مصالحة موسع استغرق خمسة أشهر مما أسفر عن تشكيل حكومة انتقالية لم تحظ حتى الآن باعتراف اثيوبيا.