وزير جزائري سابق: دافعت عن شرف الجيش عندما شهدت في محكمة باريس لصالح سوايدية

غازي حيدوسي لـ«الشرق الأوسط»: أشجع جمعية «ضحايا أكتوبر» على متابعتي أمام القضاء

TT

أكد وزير الاقتصاد الجزائري الأسبق غازي حيدوسي أن الاتهامات التي أطلقها ضده وضد رئيس الحكومة مولود حمروش، اللواء المتقاعد خالد نزار، غداة محاكمة صاحب كتاب «الحرب القذرة» بباريس، لا تعني لديه شيئا. واتهم نزار المسؤولين السابقين في الدولة بتدبير أحداث أكتوبر (تشرين الأول) عام 1988، مشيرا الى أن تيار الإصلاحات استغل تلك الأحداث لمحاولة اقناع الرئيس الاسبق الشاذلي بن جديد بضرورة الانفتاح تفاديا لمزيد من الضحايا.

وشدد حيدوسي في حديث لـ«الشرق الأوسط» على ان التأخير في التحقيق في تلك الاحداث التي راح ضحيتها 200 قتيل، تؤثر اليوم على استمرار المغالطات والالتباسات. ولدى سؤال حيدوسي، المقيم حاليا في فرنسا، اذا كان ينوي الدفاع عن نفسه بعد أن قررت جمعية «ضحايا أكتوبر» رفع دعوى قضائية ضده وضد حمروش قال: ان الجنرال نزار، مثله مثل أي متغطرس، لا يمكنه أن يتحدث من غير أن يقع في تناقضات وأكاذيب، لكنه لا يعير اهتماما لذلك أبدا. وأتساءل كيف يصبر على نفسه إذا قرر، ولو لدقيقة، أن يفكّر أو يتبصّر في ما يقول. لذا ما يقوله لا يعني شيئا ولا يهم الا اولئك الذين يريدون حقائق جاهزة.

عكس ذلك فإنني أحيي بحرارة مبادرة جمعية «ضحايا أكتوبر» عام 1988، فمن حق كل ضحية أن تعرف الحقيقة، ولو بدأت بتعيين متهمين مزيفين. ومن أجل هذا أنا مستعد لألعب دور المتهم. أكثر من ذلك، أنا أشجع الجمعية على متابعتي أمام القضاء أيضا باسم ضحايا ما بعد أكتوبـر، لأنني كنت وقتها أمارس مسؤوليات وأعمل في اتجاه يعتبره الجنرال نزار أصل كل المآسي التي تعرفها البلاد إلى اليوم. يبقى فقط أن أتساءل حول اختيار المحكمة التي أقف أمامها، لأنني حريص على أن تكون محكمة عادية وليست خاضعة لقانون الطوارئ.

* ضمن أية خانة تصنّف خطاب الرئيس الشاذلي بن جديد يوم 19 سبتمبر (أيلول) عام 1988، خصوصا انه يقال انك حررته مع حمروش؟

ـ فعلنا كما كان يقتضي عملنا، فقد حضرنا للرئيس خطابا راديكاليا في جوهره وليس في شكله. واقترحنا، ونحن في ظل أزمة اقتصادية وتعفن داخل الأجهزة السياسية والإدارية في ذلك الوقت، أن يبين الرئيس للهائجين من أجل اقتسام السلطة، بعد مؤتمر «جبهة التحرير الوطني» الجديد، داخل الحكومة والجيش، أنه يرفض أن يتفاوض معهم من أجل إقامة توازنات جديدة داخل السلطة. وبما أننا كنا واعين بالعراقيل التي تواجه مختلف عُصب الإصلاحات الاقتصادية منذ عام 1986 فقد اقترحنا عليه أن يعلن عن عقد اجتماعي وسياسي جديد أكثر انفتاحا على المجتمع وعلى العالم. إلا أن الرئيس ألقى خطابا راديكاليا في الشكل لا في الجوهر. إنه فضل أن يهدد الجميع من دون أن يقترح أي تغيير، وهو ما لم تكن له سياسيا أية جدوى، بل أدى ذلك إلى حصول حركة تمرد. ولا أخفي أن أملنا خاب في ذلك الخطاب. وقد فهمت شخصيا أن الشاذلي كان يريد، ربما، التغيير، لكنه كان يعتقد أنه عليه أن يحدثه مع مقربيه.

* من في رأيك الطرف الذي أصدر أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين؟

ـ اود قبل كل شيء أشير إلى أنني لم أكن أتوقع أن تأخذ أحداث أكتوبـر ذلك المجرى، كما أعتقد أن الكثير استغلوا هذه المظاهرات لغايات سياسية. وإذا سلمنا أن هناك تحريكا للأحداث ومفاوضات مع منظميها، فإن الوحيدين الذين بإمكانهم أن يتحدثوا عن ذلك هم الذين كانوا على رأس المتظاهرين أو مصالح الشرطة وأيضا الذين كانوا مكلفين بتأدية دور الوسيط. أضيف بعد ذلك أن العمل السياسي النزيه يقتضي استغلال أحداث مثل تلك التي وقعت للتقدم نحو تحقيق الأهداف المرجوة. لذلك فإن فريق الإصلاحيين في الرئاسة، كما كان يطلق علينا، عمل منذ اليوم الأول للأحداث على عرض أفكاره كبديل. ولمدة يومين قامت خلية مكلفة بتسيير حالة الطوارئ (مشكلة من ديوان الرئيس ومسؤولين مدنيين وعسكريين ومجموعة من الوزراء) بغلق المجال في وجه الإصلاحيين مثل ما فعلت مع الوزير الأول عبد الحميد إبراهيمي ومسؤول جبهة التحرير الوطني محمد الشريف مساعدية اللذين قُدما كقربان للعملية. وفُتح المجال للقمع. وفي اليوم الثالث أجرى الرئيس مشاورات مع مولود حمروش قبل أن يتخذ قرارا في خطابه إلى الأمة. وهنا فقط، وليس في خطاب سبتمبـر، نجحنا في فرض خطابنا من أجل القطيعة مع النظام وجاء الإعلان عن التعددية الحزبية والتخلص من دستور عام 1976. لذلك أقول إنه إذا كان هناك استعمال وتوجيه لأحداث أكتوبـر فإن الذين كانوا وراءها دفعوا الثمن.

* وماذا عن الذين آخذوك على أنك أنت الذي فتحت قنوات الاتصال بين «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» والرئيس بن جديد؟ ـ بل آخذني على ذلك الجنرال نزار في المحكمة بباريس على أنني شاركت في مساعدة الحزب المحظور على الفوز في الانتخابات المحلية عام 1990. لم يقل الجنرال كيف تمكنت من ذلك. أما أنا فقد قلت لهيئة المحكمة إن الانتخابات البلدية كانت حرة ولا يقتضي الأمر أن يكون الواحد عالما حتى يتوقع فوزه وانهزام أصحاب الريع السياسي. أنا لم أملأ صناديق الاقتراع. من أجل هذا أخلص إلى أن الانتخابات الحرة هي تشويه للمفهوم الذي يحمله نزار للديمقراطية ومساعدة للاسلاميين.

* هل أنت نادم على ظهورك في الواجهة مجددا خلال محاكمة سوايدية في باريس والانتقادات التي لحقت بك لاحقا؟

ـ لا يهمني هذا، لأنني دائما أعبر عن أفكاري في الداخل وفي الخارج. وأنا لا أرى نفسي مغمورا ولا فاقدا لفضاءات الحديث. كما انني أرى مشاركتي في محاكمة سوايدية وقوف إلى جانب العدل، اذ انني دافعت عن شرف الجيش عندما دافعت عن سوايدية. هذا الجندي الذي كانت له الشجاعة لتحمل مسؤولياته أمام شعبه.

* لا تزال الإصلاحات التي أطلقها فريقكم، قبل حوالي 14 سنة، محل جدل في البلاد، ما هو تقييمك لمسار الإصلاحات التي تبنتها الحكومات المتعاقبة؟

ـ أعتقد أن الحكومات المتعاقبة منذ عام 1994 بالغت كثيرا في تطبيق برنامج أملاه عليها صندوق النقد الدولي، وأبدى السياسيون ارتياحا، لان ذلك سمح لهم بالتهرب من مسؤولياتهم والظهور كتلاميذ نجباء لهذه الهيئة المالية الدولية. حتى وهم ينامون على 20 مليار دولار مجمدة بكل سخافة في الخزينة منذ ثلاث سنوات، لم تكن لهم القدرة على اتخاذ أية مبادرة جادة. والجميع يعلم أنه بدون تغيير جذري ستبقى البلاد دائما واقعة في فخ النظام المعادي للاصلاحات، والرئيس بوتفليقة ليس إلا حلقة هامشية في تلك الحركية. فالأمر يتعلق بطبقة اجتماعية كاملة تتحكم في دواليب السلطة وتسيرها من فوق إلى تحت وهدفها الوحيد هو الاستحواذ على ثروات المجموعة.

* كيف ترى مستقبل شركة «سوناطراك» للمحروقات، بعد ان اصبح الحديث يدور حول تخصيصها، ربما تحت الضغوط الاميركية؟

ـ ليس هناك مبرر لدى الشركات المتعددة الجنسيات البترولية لرفض فرصة بسط رقابتها على قطاع هام كقطاع المحروقات في الجزائر. وهذه الشركات، في علمي، لم تفرض أية ضغوط ظاهرة، كما لم نسمع أي مسؤول جزائري يصرح بهذا. ثم إن الجهات الرسمية عبرت عن ارتياحها الكامل لصيغة «تقاسم الإنتاج» التي أدت إلى التوقيع على أزيد من 20 اتفاقية خلال عامين، من دون إلزامية التمويل. لذا التخلي عن هذه الصيغة وتعويضها بنمط امتياز جديد لا مبرر له. كما أن التحجج بضغوط المؤسسات الدولية من أجل التخصيص لا معنى له، لأن الاحتياطات المالية لا تجبر الجزائر أبدا على الالتزام.

* لم تعد إلى الجزائر منذ توقيف المسار الانتخابي مطلع التسعينات، هل تخشى شيئا؟

ـ من منا ليس مستهدفا من قبل جماعات العنف، لقد غادرت بلدي لأنني لم أعد قادرا على التعبير بحرية، وأنا محتاج إلى هذا لكي امارس واجبي كوطني ومواطن. وعندما يُكتب أن تجتمع كل الضمانات من أجل ممارسة هذا الحق سأعود.

* هل ما زلت على اتصال برئيس الحكومة الاسبق حمروش والرئيس بن جديد؟

ـ نعم، أنا على اتصال دائم بحمروش، أما الشاذلي فلم تعد لي معه أية علاقة منذ أن غادرت الحكومة.