ليبيا تطلب رسميا الانسحاب من الجامعة العربية

ماهر يؤكد إخطاره بالقرار الليبي وموسى يحاول في طرابلس تطويق الأزمة

TT

فاجأت ليبيا أمس أمانة الجامعة العربية بتقديمها طلباً رسمياً للانسحاب من الجامعة العربية وتجميد عضويتها فيها احتجاجا على ما تقول مصادر ليبية أنه ترد في أداء الجامعة العربية تجاه القضايا العربية الرئيسية وفي المقدمة منها دعم كفاح الشعب الفلسطيني في مواجهة سياسات البطش والقمع التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من دون وجود تحرك عربي رادع، بالإضافة إلى المسألة العراقية.

ونقلت وكالة الجماهيرية «الليبية» للأنباء في نبأ مقتضب عن مصدر مسؤول باللجنة الشعبية العامة للوحدة الافريقية تأكيده أن ليبيا تقدمت رسمياً أمس بطلب الى الجامعة العربية للانسحاب من عضويتها ووقف مشاركة ليبيا في اجتماعاتها الدورية. ولم يفصح المصدر المزيد من التفاصيل.

وقام عبد الرحمن أبو القاسم، نائب مندوب ليبيا الدائم لدى الجامعة العربية، صباح أمس بزيارة مثيرة للجدل إلى مقر الجامعة العربية، في ظل غياب عبد لمنعم الهوني مندوب ليبيا الدائم لدى الجامعة العربية الموجود حاليا خارج مصر.

وعلى الرغم من تسريبات ليبية غير رسمية بأن ليبيا طلبت رسميا الانسحاب من الجامعة العربية، الا أن المستشار هشام يوسف، الناطق الرسمي باسم الجامعة العربية، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الأمانة العامة للجامعة العربية لم تتلق أي طلب ولم يصلها أي شيء في هذا الشأن من ليبيا.

ووصفت مصادر عربية لـ«الشرق الأوسط» هذا الموقف الليبي بأنه احتجاج من ليبيا لاستفزاز العرب لاتخاذ موقف أكثر جدية تجاه ما يحدث على الساحة الفلسطينية وفي ضوء الضربة الأميركية المحتملة للعراق.

وأوضحت المصادر أنه حدثت طلبات كثيرة لاجتماعات عربية لمناقشة تلك القضايا، الا أنها لم تنفذ. مشيراً إلى أن ليبيا ستظل تقوم بدورها كاملاً تجاه القضايا العربية سواء كانت داخل الجامعة أو خارجها.

وأكدت المصادر أن الموقف الليبي هو احتجاجي لاستفزاز العرب وأنه ليس موجهاً ضد عمرو موسى أو الجامعة العربية كمؤسسة.

وفي الخارجية المصرية قال الوزير احمد ماهر انه تلقى اتصالا هاتفياً من وزير شؤون الوحدة الافريقية في ليبيا الدكتور علي عبد السلام التريكي أبلغه خلاله بأن ليبيا قررت الانسحاب من الجامعة العربية، وقال ماهر للصحافيين ان التريكي أوضح ان الجماهيرية اتخذت هذا الموقف لضيقها من الموقف العربي العام.

وعلق ماهر على الموقف الليبي قائلا إن طلب طرابلس الانسحاب من الجامعة العربية لن يكون سارياً قبل مرور عام على تقديمه وفقاً لميثاق الجامعة العربية. غير انه أعرب عن اعتقاده بأن ليبيا بما لها من دور عربي مهم، وبعد أن عبرت عن موقفها، سوف تسهم في العمل على تجاوز الموقف العربي الراهن، وان جهودها ستستمر حتى يتخطى العرب هذا المأزق.

وفي رده على سؤال عما اذا كانت مصر ستحاول إثناء ليبيا عن موقفها، لم يعط ماهر الأمر أبعاداً أخرى وقال ان العقيد معمر القذافي بحسه العربي والتزامه القومي أراد فقط أن يعبر عن رأيه.

إلى ذلك علمت «الشرق الأوسط» أن عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية قد أجرى أمس عدة اتصالات تليفونية مكثفة من البرتغال التي يزورها حاليا مع مقر الجامعة العربية والدكتور عبد السلام التريكي أمين اللجنة الشعبية العامة للشؤون الأفريقية للوقوف على حقيقة ما تداولته وكالات الأنباء العربية والأجنبية في هذا الصدد.

وقال موسى انه سيتوجه خلال اليومين القادمين إلى ليبيا في محاولة لتطويق الازمة في أعقاب عودته من جولته الخارجية التي من المفترض أن تكون البرتغال محطتها الأخيرة مساء أمس.

وأغلق معظم الدبلوماسيين العاملين ضمن مكتب المتابعة (السفارة) الليبية والمندوبية الدائمة لدى الجامعة العربية هواتفهم النقالة أمس، تفاديا للرد على تساؤلات الصحافيين التي انهالت عليهم بحثا عن إجابة أو توضيح للموقف الليبي الرسمي.

وكانت ليبيا قد لوحت أكثر من مرة باعتزامها الانسحاب من عضوية الجامعة العربية أو تجميد مشاركتها في بعض الأنشطة السياسية الدورية التي يعقدها مجلس الجامعة العربية بشكل دوري سواء على مستوى وزراء الخارجية العرب أو المندوبين الدائمين، وخفضت عام 1999 مستوى مندوبيتها لدى الجامعة العربية من دائمة إلى مؤقتة في إطار إظهار استيائها المتكرر من دور الجامعة العربية حيال قضايا العمل العربي المشترك.

لكن مصادر في الجامعة العربية أعربت في المقابل عن دهشتها من توقيت إعادة طرح ليبيا هذا الملف مجددا، بينما تقوم الجامعة العربية بأقصى جهد ممكن لتنقية الأجواء العربية وتهيئة الأجواء نحو دور متعاظم للجامعة العربية في مختلف الشؤون والقضايا العربية المصيرية.

ولفتت المصادر الانتباه إلى الدور الذي لعبته الجامعة العربية في عهد أمينها العام السابق الدكتور عصمت عبد المجيد لتقديم جميع أشكال الدعم القانوني والدبلوماسي للسلطات الليبية في ما يتعلق بقضية لوكربي التي اتهمت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولين ليبيين بالتورط في تفجيرها عام .1988 وكان الزعيم الليبي معمر القذافي قد شن في الآونة الأخيرة هجوما حاد على الجامعة العربية ووصفها بالعجز والسلبية. علما بأن القذافى طلب مطلع العام الجاري من المؤتمرات الشعبية الأساسية الليبية دراسة مشروع بالانسحاب من الجامعة العربية، لكن آخر جدول للموضوعات التي سيناقشها مؤتمر الشعب الليبي العام (البرلمان) هذا العام قد خلا من أي إشارة إلى احتمال مناقشة هذا الملف في الاجتماعات التي سيعقدها قبيل نهاية العام الجاري.

ويقضي ميثاق عمل الجامعة العربية، الموضوع عام 1945، بأنه لا يحق لأية دولة الانسحاب قبل مرور عام كامل على تقديمها طلباً في هذا الشأن. ومنذ تأسيسها قبل نحو 57 عاماً لم تشهد الجامعة العربية حالة انسحاب واحدة، علماً بأن المرة الوحيدة التي تم فيها تعليق عضوية إحدى دولها تمت عام 1979 عندما اتخذت قمة بغداد قراراً بتعليق عضوية مصر إثر زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس وتوقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية.