وزير الدفاع البوسني الأسبق تشنجيتش: الذين قادوا حرب الاستقلال يتعرضون لحملة محاكمات منظمة

TT

يكتسب الحوار مع حسن تشنجيتش اهمية بالغة ليس فقط لانه كان وزير دفاع سابقا في البوسنة يعرف الكثير عن الحرب التي شهدتها البوسنة والهرسك وانما ايضا لكونه من اكثر الشخصيات المثيرة للجدل في البوسنة، وأحد المستهدفين في الصراع الحزبي المرير هذه الايام، حيث يتوقع ان يقدم للمحاكمة بسبب اتهامات له من قبل السلطة القائمة، ويقول هو عنها انها ذات طابع سياسي وتهدف للتأثير على سير الانتخابات القادمة.

اضافة الى ذلك، فهو من المهتمين بالاقتصاد والتنمية، وهو من الاعضاء المؤسسين لبنك البوسنة الدولي الذي يملك البنك الاسلامي للتنمية بجدة %60 من رأس ماله.

«الشرق الأوسط» التقته في مكتبه، وأجرت معه الحوار التالي.

* في اطار الحملة التي تخوضها السلطة القائمة في سراييفو ضد كوادر الحكومة السابقة التي خاضت الحرب ووقعت اتفاقية السلام، أين موقعكم من هذه الحملة كوزير دفاع جمهورية البوسنة والهرسك سابقا؟

ـ ليس واضحا تماما ما يجري الآن، هل هو حملة فقط، أم استراتيجية بعيدة المدى؟ هل هي مرتبطة بالانتخابات العامة ام انها مجرد خيط في نسيج كامل يستهدف القضاء على الخصوم السياسيين. هذه الحملة سلطت على كبار المسؤولين المدنيين منهم والعسكريين، وهم ابرز شخصيات السلطة السابقة التي قادت الشعب البوسني في الحرب الدفاعية في البوسنة والتي ناضلت من أجل بقاء الشعب واقامة الدولة. وهذه الحملة تقودها عناصر شيوعية وعنصريون كروات كانوا اعداء للدولة البوسنية اثناء الحرب، وهم حاليا في السلطة من أجل تدمير الدولة من الداخل. وأدواتهم في ذلك توجيه الاتهامات لكبار المسؤولين في الحكومة السابقة، ومن تلك الاتهامات تهريب الاسلحة الى كوسوفو ومقدونيا ورعاية الارهاب والتجسس التي اتهم فيها وزير الداخلية ورئيس الاستخبارات البوسنية السابق باكر علي سباهيتش وعدد آخر من مساعديه. وحتى الاتهامات بارتكاب جرائم حرب لم تسلم منها كوادر السلطة السابقة مثل اتهام الجنرال محمد ألاغيتش وعسكريين آخرين. للأسف فان «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» الذي يقود الائتلاف الحاكم الآن هو الذي يقف وراء الحملة بشكل مباشر، وهو الذي جمد نشاطه السياسي اثناء الحرب وسحب وزراءه من مناصبهم في الحكومة السابقة لكي يسلم البوسنة والهرسك لاعدائها. هذه السلطة تريد تغيير القيم الاجتماعية ولو بشكل اجباري. وبدلا من قيم الحرية والتسامح وحقوق الانسان، تريد ارساء أجواء الكبت والحصار والتضييق وهي اساليب الشيوعية الغابر ة التي كانت مهيمنة في البوسنة قبل الاستقلال والتي كادت ان تقضي على الهوية البوشناقية المسلمة.

* هل تتوقعون توجيه اتهامات لكم على غرار رئيس وزراء الفيدرالية أدهم بيتشاكيتش، ووزير الداخلية والاستخبارات البوسنية سابقا باكر علي سباهيتش وآخرين؟

ـ لقد اتهم باكر علي سباهيتش بالارهاب والتجسس ومحاولة القتل. وهذه التهم معروفة في النظم الشيوعية الغابرة والتي تحاول السلطة القائمة احياءها، من خلال المحاكمات السياسية الجاهزة والمعلبة. ومن المفارقات ان الذين يقودون هذه الحملات والبحث والتحقيق ضد كوادر السلطة السابقة، لا يتورعون عن التعاون مع جهاز المخابرات الاسرائيلية (الموساد)، وهو ما اكدته الصحف الاسرائيلية، وتوجيه تهم الارهاب والتجسس للذين وقفوا في وجه المجازر والتطهير العرقي الذي عرفته البوسنة والهرسك في حين ان الحقيقة التي يعرفها الجميع هي ان سراييفو وبقية المدن البوسنية التي كانت تحت سيطرة البوشناق، لم تشهد حينما كانت محاصرة اعمالا ارهابية ضد الاقليات التي كانت تعيش فيها من الصرب والكروات واليهود، ولم يقم احد منا بتهجيرهم او الاعتداء عليهم، فكيف توجه بعد نهاية الحرب وتوقيع اتفاقية دايتون تهم بالارهاب ضد من ناضل ضد الارهاب، وانا مستعد لدفع الثمن اذا كان جرمي هو الدفاع عن البوسنة.

* هل تعتقدون ان السلطة القائمة حققت وعودها الانتخابية الماضية والتي على أساسها وصلت للحكم، وما تأثير ذلك على الانتخابات القادمة؟

ـ وعدت السلطة الحاكمة وعودا كثيرة خدرت بها المواطنين في الانتخابات الماضية، لا سيما تحسين ظروف المعيشة، وايجاد فرص عمل للعاطلين، ولكن أداء السلطة القائمة كان عكس ما وعدت به وسارت الامور في الاتجاه المعاكس، حتى التفاهم مع الصرب والكروات والذي كان غيابه من وجهة نظرهم سابقا عائداً لسياسة السلطة السابقة، لم يتم بشكل مرض فحسب بل زاد تدهورا فانكفأ الصرب اكثر على انفسهم وطالب الكروات بكيان ثالث خاص بهم، ولذلك تغطي السلطة القائمة فشلها على جميع الاصعدة بلفت نظر الرأي العام عن فشلها بتوجيه الاتهامات جزافا للسلطة السابقة وكوادرها للتأثير على نتائج الانتخابات المقبلة.

* في المدة الاخيرة حصلت تصدعات في الائتلاف الحاكم، وظهر الصراع الخفي بين لوجومجيا وزير الخارجية البوسني الحالي وحارث سيلاجيتش وزير خارجية البوسنة سابقا، وهما عماد الائتلاف الحاكم حاليا، لا سيما بعد انتقال كوادر من حزب الاول الى فريق الثاني، كما ظهرت اتهامات بالفساد لوزير المالية غرابوفاتس الذي أقيل من منصبه، كيف تفسرون ذلك؟

ـ الحكومة الحالية فشلت في كل شيء، ومن الطبيعي ان تأكل نفسها بنفسها، فهم الى حد الآن ليسوا متفقين على مستقبل ائتلافهم والبعض اعلن تخليه عن خوض الانتخابات القادمة باسم الائتلاف. هناك بوادر انهيار وليس مجرد تصدع.

* تقولون ان هناك معايير مزدوجة عند الحكم في قضايا متطابقة بين الصرب والكروات والبوشناق.. ماذا تقصدون بذلك؟

ـ بالنسبة للمعايير المزدوجة يمكن الاستدلال عليها كالتالي: الجنرال الوحيد الذي وجهت له تهمة تهريب السلاح لكوسوفو بوشناقي. مدير المخابرات الوحيد الذي اتهم بالتجسس هو ايضا بوشناقي. ورئيس الوزراء الوحيد الذي اتهم بالفساد بوشناقي هو الآخر. الجهة الوحيدة التي اتهمت باخفاء السلاح هي الجهة البوشناقية. هؤلاء جميعا احيلوا للقضاء، اما الذين خططوا لحرب الابادة الجماعية ضد البوشناق والذين ارتكبوا الجرائم ضد المواطنين بقوا خارج المساءلة القانونية. تحصل اقالات، ولكن لا تحصل محاكمات الا للبوشناق. هل تصدقون بأن الاسلحة التي بيعت لاسرائيل ذهبت للكاميرون؟ وهل تصدقون بأنه يمكن في البوسنة بيع الاسلحة من دون موافقة مسبقة من السلطات الدولية؟ حسب القوانين السائدة حاليا في البوسنة فان ذلك غير مسموح به، حيث ان نقل اي نوع من الاسلحة من مكان لآخر داخل البوسنة يجب ان يكون بموافقة مسبقة من السلطات الدولية فيها، ولأجل هذا كان تساؤل البعض في محله عندما قال ماذا لو كانت الاسلحة التي بيعت لاسرائيل بيعت لدولة عربية؟

* رغم تصريحاتكم المتعددة كحزب كان في السلطة قبل سنتين تقريبا فان الاتهامات لا تزال توجه لكم بالارهاب وايواء الارهاب...

ـ السياسة التي كنا ننتهجها هي عدم تأييد أي نوع من الارهاب، وقد اعترفت العناصر الدولية الهامة بذلك، واعربت عن تقديرها لسياستنا. ومنح الرئيس البوسني السابق علي عزت بيجوفيتش عدة جوائز واوسمة من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات والولايات المتحدة ومن ابرز مراكز القوى الساسية وغيرها بلغت 14 جائزة كما تعلمون، لاننا كنا نتبع الاساليب الحضارية والقرارات الدولية بخصوص الحرب اثناء دفاعنا لرد العدوان. وبالتالي فان الاتهامات التي وجهت لنا بعد توقيع اتفاقية السلام باطلة تاريخيا، وباطلة منطقيا لاننا كنا نواجه اسوأ انواع الارهاب بأرواحنا، وهو ابشع ما حصل في اوروبا من مجازر بعد الحرب العالمية الثانية.

* كيف تنظرون الى حظوظكم في الانتخابات المقبلة، بعد التصدع الحاصل في صفوف الائتلاف الحاكم حاليا، وما هو برنامجكم؟

ـ الأوضاع اليوم اصعب بكثير مما كانت عليه قبل سنتين. البطالة تفاقمت وهناك عملية انتقال الى اقتصاد السوق، والخصخصة تأخرت، ومستوى المعيشة انخفض بشكل درامي، وهذا امر يجب معالجته وواقع يجب تغييره. ومن المتوقع ان يقوم حزب العمل الديمقراطي بتشكيل الحكومة الائتلافية القادمة، وهو الآن اقوى حزب سياسي موجود في البوسنة، اذ استقطب في مؤتمره الاخير عددا اكبر من الشباب وقام بتغييرات هيكلية في بنيته. ومن المنتظر ان يتحول الحزب الاشتراكي الذي يقود الائتلاف الحاكم حاليا الى صفوف المعارضة بعد ظهور نتائج الانتخابات القادمة. ولدى حزب العمل اولويات لتنفيذها بعد عودته للسلطة وهي الاسراع في عمليات الاصلاح السياسي والاقتصادي والقضائي وتنشيط الاستثمارات الخارجية واستخدام المعايير الحديثة في الاقتصاد.

* هل ستحاكمون كوادر السلطة القائمة بعد عودتكم للسلطة بمن في ذلك وزير المالية المقال؟

ـ اصبح من العادي أن السلطة الجديدة تبدأ بمحاسبة السلطة التي سبقتها، وربما يحصل ذلك بماشرة بعد الانتخابات. وبالنسبة لوزير المالية غرابوفاتس فهو ليس الوحيد الذي مارس الفساد، اذ هناك آخرون، منهم وزير مالية كيان صرب البوسنة براتشار. ولا يمكن السكوت عن نقل اموال الشعب عن طريق مؤسسات الدولة الى الجيوب الخاصة. غرابوفاتس تمت اقالته، ومسألة تقديمه للمحاكمة امر مفروغ منه، والقضاء سيقول كلمته بكل استقلالية ما لم يتعرض لضغوط سياسية.

* كنت وزيرا للدفاع عندما تبرعت دولة الامارات العربية المتحدة بمبلغ 50 مليون دولار لشراء الاسلحة من الولايات المتحدة، هل يمكن ان تحدثونا عن هذه الصفقة؟

ـ لقد أنشئ جيشنا اثناء فترة العدوان على البوسنة وكان ذلك في اسوأ الظروف، حيث فرض علينا من قبل الامم المتحدة حظر استيراد الاسلحة. وكانت أولوياتنا العسكرية بعد توقيع اتفاقية دايتون هي تنظيم الجيش وتحويله الى جيش نظامي في ظروف السلام، وكان ذلك يحتاج لأموال لم تكن متوفرة في ذلك الوقت، وحسب اتفاقية دايتون كانت الولايات المتحدة قد تعهدت بالمساعدة في تطوير المؤسسة العسكرية لدينا كما قامت دول اسلامية في مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والكويت وقطر وماليزيا بتكوين صندوق لدعم عملية تسليح الجيش البوسني بمبلغ قدره 120 مليون دولار. وقد كان ذلك الدعم المالي من الدول المذكورة حجر الزاوية في عملية تحديث الجيش، وللأسف فان السلطة الحالية ردت على ذلك الدعم السخي بأسوأ طريقة عندما باعت تلك الاسلحة لاسرائيل او غيرها من الدول.

* كيف كان دعم الدول الاسلامية للبوسنة قبل الحرب وبعدها؟

ـ دور الدول الاسلامية في الدفاع عن البوسنة كان مهما جدا، اذ اعترفت الدول الاسلامية باستقلال البوسنة والهرسك بعد اعلان الاستقلال مباشرة سنة 1992، واستثمرت علاقاتها الدولية لخدمة القضية البوسنية. وهنا أشيد بدور المملكة العربية السعودية، ففي سنة واحدة اعترفت اكثر من مائة دولة بالبوسنة والهرسك، وقد ادانت جميع هذه الدول العدوان على بلادنا والابادة الجماعية التي تعرض لها شعبنا وذلك بشكل فردي وجماعي. المملكة العربية السعودية والدول الاسلامية كانت اولى الدول التي طالبت برفع حظر السلاح عن البوسنة، وطالبت الدول الاسلامية بالاشتراك في القوات الدولية. كما قدمت جيوش من مصر وماليزيا والمغرب وباكستان، وقامت الدول الاسلامية بالحث على اجراء مفاوضات. كان لذلك تأثير مادي ومعنوي كبير على شعبنا اذ شجع ذلك الدعم قيادتنا السياسية وشعبنا على الاستمرار في الدفاع، وقد أدى ذلك في ما بعد الى إحداث توازن في موازين القوى لا سيما في الشهور الثلاثة الاخيرة من الحرب، وهو ما ادى في ما بعد الى توقيع اتفاقية السلام.