باريس تلوح بطرح مشروع قرار عن العراق في مجلس الأمن مقابل المشروع الأميركي ـ البريطاني

TT

اعلن وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان امس ان بلاده قد تعرض مشروع قرار خاص بها حول العراق على مجلس الامن الدولي في حال عدم التوصل الى اتفاق مع الاميركيين.

وردا على سؤال حول مشروع القرار الاميركي الذي نشر نصه اول من امس قال دو فيلبان «لا يزال امامنا الكثير من العمل وعلينا احراز تقدم. لقد قلنا ذلك لاصدقائنا الاميركيين قبل اسابيع عدة».

واوضح الوزير الفرنسي «سنحاول العمل مع الاميركيين على اساس النص الذي اقترحوه. في حال فشلنا في ذلك سنقترح بالطبع رسميا مشروعا خاصا بنا. هدفنا هو التوصل الى نتيجة». واضاف ان فرنسا ترغب في التوصل الى تصويت بالاجماع في مجلس الامن «لتوجيه رسالة واضحة وحازمة» الى العراق، موضحا «لكننا نرفض تلقائية استخدام القوة» التي يجب ان تشكل «الخيار الاخير».

وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا قد فاجأتا الدول الأعضاء في مجلس الأمن بطلبهما من الأمانة العامة للأمم المتحدة تقديم نص مشروع قرار اقترحه الوفد الاميركي لتعزيز عمل مفتشي الأمم المتحدة وتحذير العراق من العواقب الوخيمة لعدم انصياعه للقرار الجديد. والإجراء الذي لجأت إليه الولايات المتحدة يتبع عادة حين يكون المجلس مستعدا للتصويت واعتماد القرار وعادة ما يقدم نص مشروع القرار قبل 24 ساعة من التصويت مطبوعا بالحبر الأزرق. وأوضح متحدث باسم البعثة البريطانية أن الهدف من هذه الخطوة التأكيد على أن نص مشروع القرار الأميركي ـ البريطاني هو المرشح للبحث بين أعضاء المجلس. وقد لجأ الوفدان الأميركي والبريطاني الى هذه الخطوة التكتيكية بعد أن تقدمت روسيا بمشروع قرارها الذي يعارض المشروع الأميركي وفي الوقت الذي سربت فيه فرنسا مشروع قرارها بصورة غير رسمية على الدول الأعضاء في مجلس الأمن. وكان السفير الفرنسي جان ديفيد لفييت قد أكد أن المشروع الفرنسي لم يقدم الى أعضاء المجلس كبديل للمشروع الاميركي وانما يقترح تعديلات على النص الأميركي ـ البريطاني. وأبلغ القائم بأعمال البعثة الأميركية السفير جيمس كينغهايم أعضاء المجلس قائلا «ان طلبنا وضع النص بالأزرق لا يعني أن المشروع غير قابل للمشاورات ولا يعني التصويت عليه سيكون في أقرب وقت». وقد سجلت مشاورات المجلس في جلسته المغلقة التي استمرت طوال اول من امس ثلاث قضايا برزت بوضوح في مداولات الدول الأعضاء حسب قول مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، وتمثلت القضية الأولى بمعارضة أغلبية الدول الأعضاء للفقرات التي تشير إلى الاستخدام التلقائي للقوة العسكرية في حالة عدم وفاء العراق بالتزاماته. وأما القضية التي ألح على التأكيد عليها أغلبية الدول الأعضاء هي رؤيتها بأن مفتشي الأمم المتحدة يتمتعون بصلاحيات واسعة وغير مقيدة كما عبرت عن ذلك رسالة رئيس لجنة «انموفيك» هانز بليكس ومدير «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» محمد البرادعي الى مستشار الرئيس العراقي الفريق عامر السعدي. وأخيرا طالبت أغلبية الدول الأعضاء بربط مدى امتثال العراق لعملية نزع السلاح بمكافأة بغداد عن طريق تعليق العقوبات ومن ثم رفعها. ووجد السفير جيمس كينغهايم نفسه في موقف الدفاع عن نص المشروع وجادل بأن التأكيد في مشروع القرار الاميركية على «الانتهاك المادي» لقرارات مجلس الأمن، خصوصا قرار وقف اطلاق النار عام 1991 قد وردت تكرارا في مشاريع قرارات مجلس الأمن السابقة.

وقال «ان النص لا يستخدم كأنه تحريك لضرب العراق وقد استخدم تعبير الانتهاك المادي سابقا في قرارات المجلس». وجدد التأكيد على أن هدف المشروع هو توجيه رسالة حازمة وقوية من مجلس الأمن الى العراق. وسجلت فرنسا ملاحظات على ثلاث فقرات فاعلة في مشروع القرار الأميركي خصوصا الفقرة الأولى التي تتحدث عن الانتهاك المادي، ورأى السفير الفرنسي أن هذا التعبير قد استخدم في بيان رئاسي عام 1993 مما أدى الى استخدام القوة العسكرية ضد العراق. ولاحظ ليفيت أن الفقرات الأولى والثانية والرابعة من المشروع تتضمن إمكان عمل عسكري تلقائي وقال إن «نصها الحالي يأذن لمن يريد الشروع في عمليات عسكرية في الوقت الذي يختاره وحتى قبل عودة المفتشين». ومضى في القول «إنه بموجب النص الحالي فإذا لم يقبل العراق في عودة المفتشين يمكن أن يكون خرقا ماديا وان الإعلانات المزيفة قد تكون إذنا بشن الحرب». واقترح لفييت حذف الفقرة الأولى والرابعة من النص وتعديل الفقرة الثالثة التي تطالب العراق بتقديم كشف شامل عن كل برامجه العسكرية خلال فترة لا تتجاوز 30 يوما. وطالب أيضا بإلغاء المهلة الزمنية التي حددها المشروع الأميركي لكي يوافق على القرار الجديد. ورأى لفييت أن كل القرارات التي تتصرف وفق الفصل السابع من الميثاق هي قرارات ملزمة ولا داعي للمهلة الزمنية، واقترح أيضا إدراج الفقرة الخاصة بالعواقب الوخيمة في نهاية النص في محاولة فرنسية للشروع في المرحلة الثانية في حالة حصول أي انتهاك من قبل العراق وعدم الوفاء بالتزاماته. أما السفير الروسي سيرغي لافروف فلم يغير موقف بلاده من نص مشروع القرار الاميركي، فيما أعربت الصين عن تأييدها للموقف الفرنسي في التعامل مع الأزمة العراقية على مرحلتين. وكشفت مداولات المجلس خلافات متباينة حول جوهر نص المشروع الأميركي ـ البريطاني. وكانت جلسة يوم الجمعة استطلاعية لمعرفة آراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن خصوصا العشرة غير الدائمين حول نص المشروع. وسجلت سورية العضو العربي في المجلس نقدا واضحا للفقرات غير العاملة من ديباجة مشروع القرار واعتبرتها أكثر خطورة من الفقرات العاملة ووجدت أن فقرات أساسية توفر الغطاء لاستخدام القوة العسكرية تلقائيا ضد العراق. وجددت سورية التأكيد على عدم الحاجة لإصدار قرار جديد من مجلس الأمن، وقال السفير السوري ميخائيل وهبة «إن سورية بوصفها ممثلا للمجموعة العربية ولمنظمة المؤتمر الإسلامي فان عليها الالتزام بما جاء بقرارات القمة العربية والإسلامية التي اعتبرت العدوان على العراق عدوانا عليها». وأكد على أن سورية لا تريد أن تكون طرفا في هذا التوجه الذي يناقض ميثاق الأمم المتحدة. وقال «ان سورية تؤكد على ضرورة إيلاء هذا المجلس أهمية للعودة السريعة للمفتشين في ضوء ما تم عليه في فيينا». وكشفت مشاورات مجلس الأمن المغلقة عن تأييد أربع من الدول الأعضاء غير الدائمة لمشروع القرار الأميركي، وهي بلغاريا وكولومبيا والنرويج وسنغافورة. أما المكسيك وغانا وموريشيوس والكاميرون اتخذت مواقف ميالة أكثر الى الموقف الفرنسي مع تأييد بعضها الضمني لمشروع القرار الأميركي في حين أيدت سورية الموقف الروسي ويعض المقترحات الفرنسية. وتحتاج الولايات المتحدة الى تسعة أصوات لاعتماد المشروع في حالة عدم لجوء فرنسا أو روسيا الى استخدام حق النقض «الفيتو». وتقوم الولايات المتحدة وبريطانيا بحملة دبلوماسية مكثفة مع الدول الأعضاء غير الدائمين من أجل تأييد مشروعها التي تامل أن يتم التصويت عليه في نهاية الأسبوع المقبل وقد أوضح السفير الأميركي جيمس كينغهايم قائلا «إننا لا نريد عد الأصوات ونحن نتطلع الى اتفاق واسع من الممكن أن نحصل عليه في المجلس وليس من البساطة معرفة طبيعة التصويت حتى يحين وقته».