القوات الروسية الخاصة تحرر رهائن مسرح موسكو باستخدام غاز منوم يشل الخاطفين ومعركة دموية استغرقت 30 دقيقة

مقتل 90 رهينة و50 خاطفا وخاطفة وإنقاذ حياة 750 من الرهائن * أنباء عن وجود «مقاتلين عرب» أحدهم يدعى أبو بكر بين الخاطفين وأجهزة الأمن تتحدث عن اعتقال «30 متواطئا» اندسوا بين الفضوليين والصحافيين

TT

داهمت مجموعة مشتركة من القوات الخاصة وفرقة مكافحة الارهاب الروسيتين، في عملية خاطفة بدأت في الخامسة وعشرين دقيقة من صباح امس المسرح الموسكوفي الذي كان يحتجز فيه المختطفون الشيشان قرابة ثمانمائة من الرهائن. وقال فلاديمير فاسيليف نائب وزير الداخلية الروسية، ان العملية جرت وفق مقتضيات الظروف وليس حسب الخطة الموضوعة سلفا. واضاف ان 90 رهينة قتلوا خلال العملية لانقاذ المحتجزين في المسرح، وانه تم انقاذ اكثر من 750 آخرين. وبدأت عملية اقتحام المسرح بعد ان بدأ الخاطفون في قتل الرهائن.

لكنه قال في تقرير آخر، ان القوات الخاصة انقذت حياة ما يقرب من 550 رهينة فضلا عن نجاة كل الاطفال المحتجزين وكان عددهم يزيد عن عشرين طفلا. وكشف ايضا عن اصابة 104 رهائن، مشيرا الى صحة ما قيل حول استخدام ما سماه بالمواد الخاصة (الغاز)، وان سارع ليؤكد عدم وفاة، اي من الرهائن بسبب استخدام هذه المواد. وعزا المسؤول الامني الروسي ذلك الى الحاجة الماسة التي كانت تقتضي تحييد الانتحاريات اللاتي كن على وشك تفجير العبوات الناسفة التي كانت تحيط بخواصرهن، الى جانب المتفجرات التي تهدد بتفجير مبنى المسرح وقتل كل من فيه. اما عدد القتلى بين الخاطفين فقد بلغ 50 شخصا بعد اعتقال 3 منهم ونجاح آخرين فى الهروب ومنهم من تسلل الى صفوف المحتجزين. وأضاف ان 18 منهم كانوا نساء و32 من الرجال. وكشفت المصادر الرسمية ايضا عن مقتل عدد من أفراد القوات الخاصة التي شاركت فى العملية لكنها لم تحدد عددهم. وحذر فاسيليف من مغبة ايواء او تقديم اي خدمات الى الهاربين من المختطفين، مؤكدا ان اجهزة الامن بدأت بتعقبهم.

واوضح أن عملية الاقتحام استخدمت فيها «مواد خاصة» لشل حركة النساء المشاركات في عملية الخطف اللواتي كن يحملن أحزمة من المتفجرات. وذكر التلفزيون الحكومي الروسي أن القوات الخاصة التي نفذت عملية الاقتحام أطلقت «غازا منوما» داخل المسرح. وقالت مصادر طبية إن الكثيرين من الرهائن غابوا عن الوعي. وقال نيكولاي باتروشيف رئيس جهاز الامن الفيدرالي الروسي إن خطة التعامل مع أزمة المسرح نفذت بـ«طريقة صحيحة ووفق قرارات مهنية». ونفى ما تردد عن مقتل «بعض العناصر» التي نفذتها. ووصف وزراء روس عملية اقتحام المسرح بأنها كانت ناجحة. واكد مسؤول روسي «أن الخاطفين كانوا قد بدأوا في تنفيذ تهديدهم بقتل الرهائن، وعندئذ تقرر بدء عملية اقتحام مبنى المسرح». وذكرت تقارير أن معركة نشبت بعد دخول القوات. وكان الخاطفون قد هددوا بالبدء في قتل رهائنهم، وقتلوا بالفعل ما لا يقل عن ثلاثة رهائن قبل بدء عملية الاقتحام. وعرضت السلطات الروسية أمس الاول على الخاطفين ضمان سلامتهم مقابل الإفراج عن جميع الرهائن الذين يتجاوز عددهم 600 شخص. وأطلق الخاطفون مساء الجمعة الماضي سراح أربعة رهائن جميعهم من جمهورية أذربيجان، كما أطلق في وقت سابق سراح ثمانية أطفال وسبعة بالغين. وكانت الأوضاع داخل المسرح قد تدهورت، حيث عانى الرهائن من نقص الغذاء والمياه، لكن الخاطفين سمحوا لفريق طبي بفحص بعض الرهائن المرضى.

* عناصر عربية

* وكشف وزير الداخلية الروسية عن وجود عناصر عربية بين المشاركين في عملية الاختطاف ومنهم شخص يسمى «ابو بكر»، الى جانب اعلانه عن اعتقال عدد من «العملاء المندسين بين صفوف الفضوليين والصحافيين، الذين كانوا يحيطون بمبنى المسرح لمتابعة الموقف». واشار الى اتصال الارهابيين بعدد من شركائهم في داخل روسيا وخارجها. وأكدت المصادر الرسمية تسجيل اتصالات المختطفين مع «سفارات اجنبية» في موسكو، ثمة من قال ان بينها سفارات عربية، وهو ما يظل موضع تحقيق. وقالت ان اسرائيلية كانت بين الرهائن الاجانب الذين كانو يمثلون 15 بلدا ولم يجر الكشف عن ذلك في حينه لاسباب أمنية. اما عن توقيت بداية العملية فقال فاسيليف: «انه تحدد فور تنفيذ الخاطفين لتهديدهم بقتل اثنين من الرهائن، وهو ما دفع الاجهزة الامنية الى اتخاذ قرار الاقتحام في محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه، لا سيما ان الثمن المتوقع كان باهظا». واضاف: «انه تم انقاذ حياة 750 رهينة». وقالت مصادر امنية ان عملية الافراج عن الرهائن لم تستغرق اكثر من ثلاثين دقيقة، سمحت السلطات بعدها بتصوير المبنى من الداخل، مما كشف عن «تسمر» الانتحاريات مكانهن في ارجاء متفرقة من قاعة المسرح التي لم تصب بخسائر تذكر، في الوقت الذي انتشرت فيه جثث المختطفين في ارجاء متفرقة من المبنى وبجوارها «حقن» و «زجاجات كحولية»، بما فيها جثة موفسار باراييف قائد عملية الاختطاف.

وافاد وزير الداخلية بوريس جريزلوف بأن اكثر من «30 شخصا» متواطئا مع افراد المجموعة الخاطفة اوقفوا في موسكو. وقال مساعد رئيس بلدية موسكو فاليري شانتسيف انه شاهد جثة باراييف فضلا عن جثث «افغان وعرب» وعدة نساء. وجاء في الرواية الرسمية للاحداث التي اعطاها الناطق باسم خلية الازمة سيرجي اينياتشينكو ان محتجزي الرهائن بدأوا بقتل الرهائن عبر تصفية اثنين منهم. عندها حوالت مجموعة من الرهائن الفرار ففتح عناصر من المجموعة الخاطفة النار فهبت القوات الخاصة الروسية لنجدتهم. واوضحت خلية الازمة ان القوات الخاصة لم تتكبد اي خسارة بشرية، الامر الذي يظهر ان عملية الاقتحام خطط لها بعناية.

وقال شهود ان القوات الخاصة استخدمت غازا مشلا. وتفيد معلومات اولية بأن لا قتلى بين الرهائن الاجانب. وعرضت محطات التلفزة الروسية مشاهد لمبنى المسرح الذي ازيلت منه المتفجرات، واظهرت وجود جثث عائدة الى محتجزي الرهائن من رجال ونساء قتلوا بالرصاص.

وقالت ناتاشا سكوبتسيفا الصحافية من اذاعة «صدى موسكو» التي كانت في عداد الرهائن: «لقد تم رش الغاز داخل المسرح. في حين قال رهينة اخرى، وهو ممثل، ان القوات الروسية الخاصة اقامت فتحة في احد جدران المبنى ودخلت الى المسرح. وهددت المجموعة امس الاول ببدء قتل الرهائن عند الساعة الثانية بتوقيت جرينتش من صباح امس، مطالبة موسكو بسحب قواتها من الشيشان. لكن شهادات متفرقة ومجتزأة، بينها شهادة صحافية كانت بين الرهائن، قالت ان عملية الاقتحام بدأت قبل ان تباشر المجموعة قتل الرهائن. وقالت ان اطلاق النار سمع «في الخارج في البداية».

وذكرت «وكالة انترفاكس» الروسية للانباء، ان عددا كبيرا من الاشخاص الذين ادخلوا المستشفى بعد الافراج عن الرهائن في حالة خطرة، على ما افاد مسؤول في مستشفى محلي في موسكو استقبل 349 شخصا. كما ادخل المستشفى مئات من الرهائن الذين يعانون من الصدمة.

وقالت مصادر روسية، ان الكرملين اقدم على الكثير من التنازلات من اجل انقاذ حياة الرهائن، بل واستجاب لطلب المختطفين حول التفاوض مع ممثل الرئيس الروسي. وكان الجنرال فيكتور كازانتسيف ممثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شمال القوقاز قد اتصل بالمختطفين بعد ان وصل الى العاصمة فجر امس، بغية بدء العملية التفاوضية. اما بوتين الذي لم يغادر مكتبه منذ الاعلان عن اختطاف الرهائن والغى برنامج زياراته الخارجية، فقد التقى صباح امس مع كل من رئيسي جهاز المخابرات والامن ووزير الداخلية والنائب العام لروسيا الاتحادية، وقام بزيارة احد مستشفيات العاصمة حيث فوجئ بسيدة بين الجرحى من الرهائن تعرب عن دهشتها (ساخرة ) من وجوده فى موسكو، وليس فى منتجع الراحة. وقالت ان المختطفين قالوا لهم ان الرئيس لا يهتم بمصيركم ولا بشؤون البلاد، وهو ما دحضه بوتين في احاديثه مع الجرحى والناجين.

ولم يعلق بوتين الذي تعرض خلال ازمة الرهائن، لانتقادات بسبب موقفه الحازم من الانفصاليين الشيشان، لكنه اكد ان همه الاول هو انقاذ الرهائن. ولم يقم بوتين بأي تنازل حيال المجموعة الخاطفة التي كانت تطالب بوقف الحرب في الشيشان والانسحاب السريع للقوات الروسية في هذه الجمهورية الانفصالية. وبدوره عاد الرئيس الروسي بوريس يلتسين الجرحى في مستشفى سكليفاسكوفسكي في موسكو.

وقال مسؤولون روس، ان المقاتلين الشيشان فقدوا فرصة ذهبية فى الاستجابة لبعض مطالبهم، وهو ما كشف عنه فلاديمير فاسيليف نائب وزير الداخلية، الذي قال ان الكرملين كان على استعداد لبدء مفاوضات، وهو ما تمثل فى وصول ممثل الرئيس في شمال القوقاز الى موسكو، لكن ذلك لم يكن يعني ان الكرملين يمكن ان يقدم على سحب قواته من الشيشان. ووصفت مصادر رسمية روسية المظاهرات التي قام بها ذوو المختطفين للمطالبة بوقف الحرب في الشيشان، وسحب القوات الروسية منها بأنها «ترديد لمطالب المختطفين، وبايعاز منهم، واستجابوا له في محاولة لانقاذ ذويهم».

وعلى الصعيد العالمي توالت ردود الفعل على انتهاء عملية احتجاز 700 من الرهائن، اذ علق المؤرخ الشيشاني مايربيك فاتشاجاييف الناطق السابق باسم مسعدوف امس بقوله: «على روسيا توقع عشرات العمليات الاخرى» المماثلة لها بسبب تشدد قسم من «الانفصاليين الشيشان». واضاف: «ان فئة جديدة من المقاتلين ظهرت في الشيشان تعارض نهج الرئيس مسعدوف في قيادة المقاومة ضد الروس، هؤلاء المقاتلون يدعون الى التصرف حيال الروس تماما مثلما يتصرف الروس في الشيشان».

واشار الى ان عملية احتجاز الرهائن «تمثل صفعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يؤكد ان الحرب انتهت في الشيشان». وفي باريس اعرب رئيس الوزراء الفرنسي جان بيار رافاران امس عن «ارتياح» بلاده لانتهاء العملية. وقال: «انها مأساة، لكننا تجنبنا عمل عنف حربي كبيراً». واضاف «نذكر دوما ان الحوار السياسي وحده يشكل مخرجا انسانيا» من هذا العنف. وأبدت الصين، بدورها، «ارتياحها» في بيان صادر عن الناطقة باسم وزارة الخارجية ليو جيانشاو، مشيرة الى «ثقتها» بالرئيس الروسي، قائلة انها تعتبره قادرا على «الحفاظ على التآلف الاجتماعي والنظام» في روسيا. وابدى امين عام مجلس اوروبا فالتر شفيمر «ارتياحه» في بيان صدر امس لانتهاء عملية احتجاز الرهائن، معبرا في الوقت نفسه عن «اسفه لسقوط ضحايا مدنيين». وجاء في البيان ان «هذه المأساة تبرز ضرورة التوصل بشكل عاجل الى حل سياسي للنزاع في الشيشان». واعربت تركيا في بيان صادر عن وزارة الخارجية عن «اسفها العميق» لمقتل رهائن «ابرياء» خلال العملية التي شنتها القوات الروسية، مبدية في الوقت نفسه «ارتياحها» لانتهاء ازمة الرهائن. وعبرت عن «تعاطفها الكبير وتعازيها» لعائلات ضحايا «الحادث الارهابي».