مصادر فرنسية: اتفاق بين الرياض وباريس على إنجاح مهمة مفتشي الأسلحة وتطوير التعاون الدفاعي

وزيرة الدفاع نقلت رؤية فرنسا بأن امكانية اندلاع حرب 50% وأبريل سيكون الشهر الحاسم

TT

علمت «الشرق الأوسط» من مصادر واسعة الاطلاع في الرياض ان المملكة العربية السعودية وفرنسا اتفقتا على تقديم ما يلزم وما تستطيعانه من أجل المساعدة على انجاح مهمة المفتشين الدوليين على الأسلحة عند عودتهم الى العراق. وعملياً، اتفق الطرفان على ان تضع فرنسا، في خدمة المفتشين الدوليين، طائرتي استطلاع وتصوير فوتوغرافي من طراز ميراج ـ 4 لجمع المعلومات عن العراق، سترابطان في احدى قواعد المملكة، كذلك اتفق الطرفان، من باب حرصهما على توفير ظروف النجاح للمفتشين الدوليين، على النظر في الحاجات التي ستستجد بعد ان تبدأ عمليات التفتيش الدولية.

وجاء هذا ااتفاق خلال الزيارة التي قامت بها امس وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال أليو ـ ماري الى الرياض.

وخلال هذه الزيارة، نقلت الوزيرة الفرنسية رسالة من الرئيس جاك شيراك الى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز «تعبر عن صداقة فرنسا للمملكة»، كما تشدد على حرص باريس على تطوير العلاقات الثنائية في كل الميادين. وتناولت الرسالة، الى ذلك، ثلاثة مواضيع رئيسية هي الحرب على الارهاب والمسألة العراقية والنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.

وكان الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني قد أشاد بقوة بالمواقف الفرنسية خصوصاً بالنسبة للعراق ووصفها بأنها «مشرفة».

وأفادت مصادر مرافقة للوزير الفرنسية بأن الزيارة كانت «سياسية ودبلوماسية الطابع، من غير ان تغيب عنها مسألة تعميق التعاون بين البلدين في المجالين الدفاعي والعسكري».

ولم يتم خلال الزيارة الاعلان عن أية عقود جديدة في الميدان العسكري، لا في ما خص شراء السعودية 10 طوافات من طراز كوغر للبحث والمساعدة والانقاذ، ولا في ما خص شراء السعودية 150 دبابة من طراز لوكلير والتي تصنعها شركة جيات الفرنسية للصناعات الحربية الأرضية.

وترافق وجود وزيرة الدفاع الفرنسية في العاصمة السعودية مع حضور عدد من مسؤولي صناعة الدفاع الفنرسية والشركات المتخصصة في الرياض وبعضهم شارك في محادثات امس التي جرت بين الأمير سلطان بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، والوزيرة الفرنسية. ووفق ما علمته «الشرق الأوسط»، فان الوزيرة الفرنسية أبلغت المسؤولين السعوديين ان الارتقاء بالعلاقة الثنائية بين الطرفين سيكون اكثر دينامية اذا ما توصل الطرفان الى تفاهم حول عدد من المسائل الخاصة بالتعاون العسكري.

وامس صباحاً، زارت الوزيرة الفرنسية قاعدة الأمير سلطان الجوية الموجودة في الخرج، على بعد حوالي مائة كيلومتر من الرياض حيث التقت البعثة الفرنسية العسكرية المرابطة فيها، في اطار عملية «ساوثرن واتش» لمراقبة منطقة الحظر الجوي جنوب العراق. ومنذ ديسمبر (كانون الأول) عام 1998، امتنعت فرنسا عن المشاركة في الطلعات الجوية فوق العراق. وألقت الوزيرة الفرنسية في القاعدة كلمة أشادت فيها بالتعاون القائم مع القوات السعودية المسلحة.

وقالت المصادر الفرنسية ان «الرسالة» الفرنسية تقوم على ابلاغ المملكة السعودية ان باريس «متنبهة» لاهتمامات وهموم الرياض، حول كافة المسائل مثل الارهاب والعراق والوضع المتدهور في الأراضي الفلسطينية، ناهيك من التوتر في العلاقات الدولية.

ونقلت الوزيرة الفرنسية تحليل ومعلومات باريس عما يجري في مجلس الأمن الدولي حول العراق، مركزة على مواقف فرنسا الداعية الى الحفاظ على وحدة مجلس الأمن والشرعية الدولية وعودة المفتشين التي هي الطريق الوحيد للتأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل. كذلك أكدت اليو ـ ماري ان الحرب «يجب ان تكون الخيار الأخير».

وشرحت الوزيرة الفرنسية آخر التطورات في ما خص عمل اللجنة الرباعية (الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، روسيا والأمم المتحدة) في ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، مجددة دعم فرنسا لمشروع الأمير عبد الله.

وبموازاة ذلك، أعربت الوزيرة الفرنسية عن اعجاب فرنسا بما فعلته السعودية على طريق محاربة الارهاب، فيما دعا الأمير عبد الله الى «معالجة جماعية» لهذه المسألة، والى الاهتمام بمحاربة المخدرات لما لها من علاقة بالارهاب.

ونقلت مصادر فرنسية عن مسؤولين اميركيين قولهم، خلال زيارة وزيرة الدفاع الى واشنطن الأسبوع الماضي، «نريد حرباً على العراق حتى تكون هذه الحرب بمثابة امثولة لدول اخرى في المنطقة»، امتنع المسؤولون الأميركيون عن تسميتها بالاسم.

وأعربت الوزيرة الفرنسية عن مخاوفها الكبيرة لما سيترتب على مثل هذه الحرب من نتائج خطيرة على استقرار المنطقة، مضيفة ان من شأنها «اعادة اطلاق العمليات الارهابية بشكل قد يكون من الصعب السيطرة عليها».

وشددت ميشال أليو ـ ماري على ضرورة «نزع كل الذرائع والأسباب» التي يتم اللجوء اليها من أجل تبرير الأعمال الارهابية، التي أكدت اكثر من مرة على ادانة باريس لها بقوة وعلى اصرارها على محاربتها.

ووفق تقديرات الوزيرة الفرنسية، فان امكانية اندلاع الحرب في العراق على المدى القصير، بموجب المعطى الراهن، هي بنسبة خمسين في المائة، مقابل خمسين في المائة لعدم اندلاعها. وأضافت ميشال أليو ـ ماري انه «اذا تم اجتياز شهر ابريل (نيسان) المقبل من غير اندلاع أعمال عسكرية ضد العراق، فان هذا يعني ان المنطقة اجتازت وقوع الحرب».

وقالت الوزيرة الفرنسية ان الادارة الأميركية تعمل، في الوقت عينه، على «عدة سيناريوهات».

وكانت الوزيرة الفرنسية قد قامت بزيارة مطولة الى واشنطن التقت خلالها بكبار المسؤولين الأميركيين باستثناء الرئيس جورج بوش.

وكانت مصادر فرنسية قد قالت لـ«الشرق الأوسط» تعليقاً على جولات النقاش والمساومات الدائرة في مجلس الأمن الدولي حول استصدار قرار جديد من مجلس الأمن، ان باريس «لن تستخدم حق النقض (الفيتو) لاجهاض مشروع القرار الأميركي المعدل، الذي سيطرحه الأميركيون على التصويت بحر الأسبوع المقبل.

وأفادت هذه المصادر الوثيقة الاطلاع بأن باريس لا تعتقد أن روسيا يمكن من جانبها ان تلجأ الى حق النقض لعدة اعتبارات لها علاقة بالمشاغل الروسية ومصالح موسكو في العراق وبحاجتها الى الدعم الأميركي في المؤسسات المالية الدولية، بحيث من المستبعد جداً ان تخاطر موسكو بكل هذه المصالح من أجل العراق. أما الصين، فان مسألتها محسومة سلفاً.

وبحسب المصادر الفرنسية، فان باريس وموسكو ستعربان عن عدم موافقتهما على القرار الأميركي، من خلال الامتناع عن التصويت، مما سيضعف القرار الجديد كثيراً، اذا ما استطاعت واشنطن، بدعم من الحكومة البريطانية، ان تصل الى جمع سبعة أصوات، هي الأصوات الضرورية الواجب ضمها الى صوتي واشنطن ولندن حتى تبلغ الأصوات التسعة اللازمة في مجلس الأمن.

وتعتقد باريس ان صدور قرار كهذا من مجلس الأمن سيكون ضعيفاً، ومن شأن العراق ان يتلطى وراء هذا الانقسام لرفض القرار الجديد. وأكدت المصادر الفرنسية ان من الضروري للغاية ازالة اي فقرة من نص القرار الجديد يمكن أن تحتمل عدة تفسيرات منها ما يجيز اللجوء التلقائي الى استخدام القوة والقيام بعمليات عسكرية فورية ضد العراق. واذا ما نجحت باريس وموسكو في ذلك، ومن غير فرض انتظار قرار جديد في مجلس الأمن على الأميركيين، من شأنه السماح بالعمليات العسكرية، فان المصادر الفرنسية تعتقد ان ذلك سيكون بمثابة نجاح حقيقي لعملها الدبلوماسي في الأمم المتحدة.

وترى هذه المصادر انه سيكون من الصعب على واشنطن تبرير الضربة العسكرية اذا ما كان مجلس الأمن في صدد مناقشة الموضوع العراقي وتقرير هانز بليكس. فضلاً عن ذلك، سيكرس العمل الأميركي انقسام مجلس الأمن ويظهر أحادية واشنطن وانعزالها على المسرح الدولي في ما خص الملف العراقي.