المحور الفرنسي الألماني يقود أوروبا من جديد على حساب المحور البريطاني الإسباني

TT

بروكسل ـ رويترز: يشهد محور فرنسي الماني عودة قوية، لقيادة اوروبا على الاقل الآن. ويلاحظ دبلوماسيون ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الالماني جيرهارد شرودر تمكنا، بعدما تحررا من الضغوط الانتخابية، من احياء القيادة الفرنسية الالمانية للاتحاد الاوروبي التي غابت عن الانظار لفترة طويلة. وقالوا ان من شأن هذه القيادة المشتركة ان تهمش بريطانيا وحلفاء مثل اسبانيا داخل الاتحاد.

وكان توصل شيراك وشرودر الى اتفاق على الانفاق الزراعي، وعلى تمويل توسع الاتحاد الاوروبي شرقا قبل ساعات من قمة رئيسية تعقد الخميس المقبل في كوبنهاجن، يمثل عودة لنمط ساد في السبعينات والثمانينات، عندما كان الشركاء الاوروبيون يجدون انفسهم امام امر واقع يصدقون عليه.

وقال بات كوكس رئيس البرلمان الاوروبي: «هناك عودة للمبادرات الفرنسية ـ الالمانية المشتركة، واعتقد ان هذه العودة محل ترحيب». لكنه قال انه لم يعرف بعد ان كانت الدول الاخرى الاعضاء ستتبع هذه المبادرات.

وكما كان الحال غالبا في الماضي فان المانيا هي التي قدمت على ما يبدو قدرا من التنازلات اكبر مما قدمت فرنسا، للتوصل الى حل وسط ولمنع ازمة في المرحلة الاخيرة من المفاوضات لتوسع الاتحاد الذي يضم 15 دولة في شرق اوروبا. وقال دبلوماسي بالاتحاد الاوروبي: «شيراك هو الرابح الحقيقي.. ربح استدامة للقدر الهائل من الانفاق في اطار السياسة الزراعية المشتركة لعشر سنوات على الاقل متحديا جهود بريطانيا والمانيا لاصلاح الدعم الزراعي وتقليصه».

ولم يتضح بعد ان كان في استطاعة باريس وبرلين تسوية خلافاتهما الشديدة حول التطور الدستوري للاتحاد الاوروبي في المستقبل، وهو الموضوع الكبير التالي المدرج على جدول اعمال الاتحاد الاوروبي الذي يتمحور حول السلطة لا الاموال. وفي هذه الموضوعات فان فرنسا اقرب بكثير الى بريطانيا التي تسعى لتعزيز سلطة الدول الاعضاء في شؤون الاتحاد، منها الى المانيا التي تريد تقوية المفوضية الاوروبية وشرعيتها الديمقراطية.

وتريد كل من باريس ولندن ان يكون رئيس المجلس الاوروبي الذي يضم قادة دول الاتحاد الاوروبي، والذي يعين لفترة طويلة، هو الوجه والصوت المسيطر الذي يعبر عن اوروبا في الشؤون العالمية، بينما تضغط المانيا لتعزيز سلطة رئيس المفوضية، وهو منصب يشغله حاليا الايطالي رومانو برودي. وترى تحقيق ذلك من خلال انتخاب رئيس المفوضية عن طريق البرلمان الاوروبي.

وواجهت بريطانيا، التي حاربت للتخلص من الدعم الزراعي المباشر هزيمتها بشجاعة، وتعهدت بمواصلة الحرب لاصلاح السياسة الزراعية المشتركة التي تبتلع نصف الميزانية السنوية للاتحاد تقريبا، والتي تقدر بنحو 95 مليار يورو (92 مليار دولار). وقال مسؤول بريطاني: «هل هذا كل ما نريد؟.. لا. لكننا نستطيع ان نتعايش معه». وقال مسؤول بريطاني آخر ردا على سؤال عما اذا كانت لندن تخشى عودة السيطرة الفرنسية الالمانية على الاتحاد الاوروبي: «اوروبا لا تعمل بهذه الكيفية الان، نحن نشكل تحالفات مختلفة مع اناس مختلفين حول قضايا مختلفة».

لكن دبلوماسيين في الاتحاد الاوروبي يقولون ان الايام التي كان فيها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قادرا من خلال دبلوماسيته الثنائية النشطة على ان يشغل قدرا من فراغ القيادة الناتج عن النفور الفرنسي الالماني، قد ولت. ويقول دبلوماسيون ان طموح بريطانيا لقيادة اوروبا القائم على علاقتها الوثيقة مع واشنطن، وحماستها الشديدة للاصلاح الاقتصادي الليبرالي، سيتقلص، طالما بقيت خارج اليورو المشروع الاقتصادي الرئيسي للاتحاد الاوروبي.

ويشير الاتفاق الفرنسي الالماني الذي ابرم يوم الخميس الماضي الى ان شيراك وليس بلير هو الشخصية المحورية في الاتحاد الاوروبي. واحبط الزعيم الفرنسي الذي اعيد انتخابه في يونيو (حزيران) الماضي محاولة لبلير ورئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا ازنار، للتهديد بفرض عقوبات على الدول التي ترفض استرداد المهاجرين بطريقة غير قانونية.

غير انه كان لا بد من انتظار نتائج الانتخابات العامة التي اجريت في المانيا في 22 الشهر الماضي، والتي اعرب شيراك عن تفضيله الواضح لليميني ادموند شتويبر رئيس وزراء ولاية بافاريا، ومنافس شرودر الذي لم يكتب له الفوز قبل احياء التعاون مع برلين. واعترف مسؤول فرنسي كبير بان «التعاون الفرنسي الالماني اكثر سهولة في الفترات التي لا تشهد انتخابات». ووحدت باريس وبرلين قواهما في مجال الاقتصاد ايضا، لابطاء سرعة تحرير الاقتصاد في الاتحاد الاوروبي، وينظمان الان جهودا جماعية لتخفيف قواعد اتفاق التثبيت والنمو ،بينما شكلت بريطانيا تحالفات مؤقتة مع اسبانيا وايطاليا والسويد للضغط من اجل دفاعها عن تحرير اسواق العمل والطاقة والاتصالات.

وقبل عامين ادعت بريطانيا انها وضعت جدول اعمال الاتحاد الاوروبي، عندما تبنت قمة لشبونة اهدافا طموحة للاصلاح الاقتصادي، استهدفت ان تجعل من اوروبا الاقتصاد القائم على المعرفة الاكثر قدرة على المنافسة بحلول عام 2010. لكن النتائج كانت ضئيلة حيث تفرض فرنسا معدلا بطيئا للتقدم في فتح اسواق رئيسية امام قدر اكبر من المنافسة.