عرفات يدعو حكومته لوقف الأعمال ضد المدنيين والمعارضة ترفض التشكيلة الجديدة

TT

دعا الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حكومته الجديدة في اول اجتماع لها بعد نيل ثقة المجلس التشريعي اول من امس، في رام الله، الى ضرورة تفعيل جميع المؤسسات والوزارات لمتابعة دورها في وضع خططها التفصيلية ودعم خطط الإصلاح الفلسطيني، وضرورة التزام الجميع بالتوجهات التي تضمنها البيان أمام المجلس التشريعي وخاصة وقف أية أعمال تستهدف المدنيين واحترام سيادة القانون.

كذلك دعا الرئيس عرفات الى بذل أقصى الجهود من أجل مواصلة مواجهة المخطط التآمري ومتابعة مسيرة الإصلاح المالي والأمني والاقتصادي والقضائي والتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المحدد في يناير (كانون الثاني) المقبل وضرورة إيلاء أعلى درجات الاهتمام لأوضاع المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي وأكد عرفات أن السلطة الوطنية هي المركز الوحيد الذي يقوم بدوره المسؤول والشامل وبدون ازدواجية أو خروج على هذا الدور من قبل أي طرف.

وأعطى الاجتماع كما قال عزام الاحمد وزير الاشغال والاسكان لـ«الشرق الأوسط» قسطا كبيرا من مناقشاته الى خطة «خريطة الطريق» الاميركية الهادفة الى تطبيق ما جاء في خطاب الرئيس الاميركي جورج بوش في 24 يونيو (حزيران) الماضي لإعادة الفلسطينيين والاسرائيليين الى طاولة المفاوضات واقامة دولة فلسطينية انتقالية. وتقرر في الاجتماع الابقاء على اللجنة التي شكلها الرئيس عرفات واستمرارها في التشاور مع الدول العربية المعنية لوضعها في صورة الملاحظات الفلسطينية على مسودة الخطة الأميركية.

وكانت الحكومة الجديد التي تضمنت 19 وزيرا قد تعرضت لانتقادات شديدة من معظم الفصائل الفلسطينية. وقال عبد العزيز الرنتيسي احد كبار قادة حركة حماس في قطاع غزة لـ«الشرق الاوسط»: «صحيح ان الامر ليس بتغيير الوجوه بل في تغيير الاسس والمناهج وهو لم يحصل، لكن حتى تغيير الوجوه لم يتم وان الوجوه او بالاحرى معظمها بقي على ما هو عليه». واضاف الرنتيسي «ان السلطة لا تزال تسير على قاعدة (اتفاق) اوسلو، لذا فان هذه الحكومة ستمنى بفشل جديد امام الشعب الفلسطيني الذي بدأ حقيقة لا يهتم بمثل هذه الامور».

وقال نافذ عزام احد قادة الجهاد الاسلامي في غزة «لا نحب ان نتحدث عن اسماء وشخصيات بل عن برامج. وعلى برنامج الحكومة ان يقوم على القاعدة التي يؤمن بها الشعب، وشعبنا يجمع على مواصلة المقاومة. واذا ارادت هذه الحكومة ان تنجح وتنسجم مع مطالب هذا الشعب فعليها ان تحمل راية الكفاح ضد الاحتلال والعمل بقدر المستطاع من اجل دحره. واذا لم يتحقق ذلك فانه لن يكون هناك اي نتائج ايجابية من التغيير».

واعرب رأفت النجار وهو عضو في المجلس التشريعي مقرب من الجبهة الشعبية وصوت ضد الحكومة، عن خيبة امله من مصادقة المجلس. وقال «النتائج للاسف كانت سلبية ومفاجئة بعد ان كانت الاغلبية متذمرة من العديد من الوجوه في الحكومة الجديدة ولا نعرف التأثيرات التي غيرت مواقف العديد من الاعضاء». واضاف «جاءت الوزارة نسخة طبق الاصل عن الحكومة السابقة».

وقالت الجبهة الديمقراطية في بيان مكتوب تلقت «الشرق الاوسط» نسخة منه ان التشكيلة الوزارية لم تحمل جديدا على صعيد البرنامج الحكومي، إذ احتفظ «بعض منهم بمسؤولياتهم ليواصلوا نفس المهام التي كانت موكلة لهم برتبة وزير، الامر الذي يعني بقاء القديم على قدمه دون تغيير او مساءلة او محاسبة». وقالت ان الوضع الفلسطيني يتطلب نقلة نوعية تتمثل في تشكيل «حكومة اتحاد وطني على قاعدة برنامج وطني موحد».

ووصف حسام خضر عضو المجلس التشريعي وقائد ميداني في حركة فتح، مصادقة المجلس التشريعي على الحكومة، بمثابة مأساة جديدة يسجلها المجلس الشتريعي في تاريخ الديمقراطية الفلسطينية. وقال خضر لـ«الشرق الاوسط» ان «المجلس او بالاحرى معظم اعضائه تراجعوا عن كل مطالبهم وشرعوا الفساد». واضاف «برأيي ان تحجج البعض بالوضع السياسي لمنح الثقة، مردود عليهم لأنه كان الاولى بياسر عرفات ان يأخذ الاحتلال والظرف السياسي الراهن في الاعتبار بالمسارعة في تشكيل حكومة من شخصيات وطنية نزيهة لا ان يصر على فرض ارادته على الشعب الفلسطيني وكأنه في حالة مكاسرة مع الشعب باختيار شخصيات مشبوهة وطنيا وفاسدة اداريا وماليا». وحمل خضر الحركة الوطنية الفلسطينية مسؤولية تمرير هذه الحكومة التي وصفها بـ«الاسوأ في تاريخ الحكم الذاتي».

واعتبرت «المبادرة الوطنية الفلسطينة» التي يتزعمها مصطفى البرغوثي رئيس هيئة الاغاثة الطبية الفلسطينية في رام الله ان «التشكيل الحكومي الجديد لا يستجيب للمطالب الشعبية المتواصلة بإحداث تغيير في النهج وتطوير داخلي حقيقي يعزز الصمود الوطني ويوفر القدرة على مواجهة التحديات الشرسة للاستيطان والاحتلال» كما جاء في بيان للمبادرة تلقت «الشرق الاوسط» نسخة منه. واكدت المبادرة على ضرورة تشكيل قيادة وطنية موحدة توفر استراتيجية وطنية موحدة تحمي التضحيات الباهظة للانتفاضة».

وكان الرئيس عرفات، قد ترأس اجتماعاً للقيادة الفلسطينية في مقره في مدينة رام الله امس، بحضور عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية وأعضاء مجلس الوزراء الجديد. ويأتي هذا الاجتماع الأول بعد أن نالت الحكومة ثقة المجلس التشريعي بأغلبية 56 صوتاً مقابل 18 صوتاً وامتناع 3 عن التصويت بخروجهم من الجلسة وعدم حضور 7 بسبب عدم حصولهم على تصاريح تنقل اسرائيلية ومقاطعة عضو هو حسام خضر. ورفضت القيادة الفلسطينية حسب ما جاء في بيان لها نشرته وكالة الانباء الفلسطينية «وفا» المناورات والمخططات المرسومة لمحاولات إضعافها أو المساس بشرعيتها الفلسطينية.

وبحث الاجتماع الأول جملة من القضايا وفي مقدمتها تطبيق البرنامج الحكومي الذي عرضه الرئيس عرفات في افتتاح جلسة المجلس التشريعي. ودعا الرئيس عرفات الى ضرورة تفعيل جميع المؤسسات والقوى الشعبية والرسمية والإدارات والوزارات لمتابعة دورها النضالي واستكمال وضع خططها التفصيلية، وكذلك مواصلة لجنة الإصلاح الوزارية لدورها من أجل متابعة تنفيذ مخطط المائة يوم وخطط النهوض بأعمال الوزارات المختلفة، ومواصلة تنسيق الجهود مع اللجنة الدولية المكلفة بدعم خطط الإصلاح الفلسطيني.

واستعرض الاجتماع الأوضاع القائمة على الأرض، خاصة «الحالة الخطيرة التي تعيشها مدن رفح وجنين وطولكرم والحصار والتصعيد العسكري ضد جماهيرنا بالضفة وغزة وجميع المناطق والمدن والمخيمات، حيث يقوم جيش الاحتلال بأعمال تنكيل وإرهاب واسعة وتشمل تدمير عشرات المنازل وتخريب شبكات الكهرباء وقطع الماء عن السكان، وحفر الطرقات، واعتقال المئات من المواطنين ضمن إطار حملة إجرامية تدميرية ترمي إلى إحداث أوسع تخريب داخل هذه المدن والقرى والمخيمات، ويستمر جيش الاحتلال في دعم المستوطنين وحماية جرائمهم ضد القرى والمزارعين الفلسطينيين ولمنع جني محصول الزيتون، وتوسيع نطاق الأعمال اللصوصية ضد الأرض والمياه والآبار التي تتعرض لتخريب واسع من أجل تدمير البنية التحتية الزراعة والاقتصاد والحياتية الفلسطينية».