مسؤولون دوليون: الصراع الحالي في مجلس الأمن ليس حول الخطر العراقي بل حول الخطر الأميركي

TT

بالنسبة للرئيس الأميركي جورج بوش، فإن النقاش الدائر في مجلس الامن حاليا يتركز حول العراق واسلحة الدمار الشامل. ولكن بالنسبة لفرنسا وروسيا وغيرهما من البلاد فإن القضية ليست فقط التهديدات العراقية، بل التهديد الاميركي ايضا.

والولايات المتحدة عندما تقول انها تقدم نموذج القيادة، فانها تستثير مجلس الامن الذي فشل لسنوات في فرض قراراته على العراق. وكان الرئيس بوش قد قال يوم الاثنين الماضي، خلال جولة انتخابية في دنفر، ان تحديات الرئيس صدام حسين تجعل الامم المتحدة تبدو «غبية»، واوضح «رسالتنا من اميركا هي: اذا لم تكن للامم المتحدة الارادة او الشجاعة لنزع سلاح صدام حسين. . . فإن الولايات المتحدة ستقود تحالفا وتنزع سلاح صدام حسين».

غير ان الامر بالنسبة لعديد من اعضاء مجلس الامن، هو ان الولايات المتحدة تستخدم قوتها ليس للقيادة ولكن للتخويف. ويخشى سفراء عدد من الدول في الامم المتحدة انه اذا تخطت واشنطن الامم المتحدة لمهاجمة العراق، فإن النتيجة ستكون ضرراً جسيماً للمنظمة التي يجب ان تقف في وسط الاحداث الدولية وليس على الهامش.

وقال دبلوماسي في مجلس الامن «على الولايات المتحدة ان تقبل ان الدبلوماسية متعددة الاطراف هي دبلوماسية متعددة الاطراف ـ وليس دبلوماسية فردية مقبولة من الاخرين، ونخشى ان الضغط على آلية الامم المتحدة سيؤدي الى تحطيمها».

ويرى كثيرون ان الطريقة التي سينتهي بها هذا الجدل ربما تؤدي الى تشكيل الطريقة التي ستعامل بها الصراعات في النظام العالمي الجديد ـ عن طريق الامم المتحدة او بدونها.

وقد نجحت فرنسا، بمواجهة الولايات المتحدة في مجلس الامن في ان تصبح حاملة المشعل بالنسبة لكل دولة اخرى تشعر بالقلق بخصوص قوة الولايات المتحدة.

واقترحت فرنسا، في اطار دعوتها الى التمسك بالقانون الدولي وحماية الدور العالمي للامم المتحدة، خطة من خطوتين لمنع الولايات المتحدة من استخدام لغة غامضة في قرار للامم المتحدة تتيح لواشنطن توجيه ضربة تلقائية ضد العراق. ويدعم المشروع الفرنسي عملية التفتيش على الاسلحة، واذا فشلت تلك العملية، فإن المجلس بأكمله يناقش العواقب ويقرر الخطوة التالية. وذكر غالبية الاعضاء في المجلس وعددهم 15 دولة انهم يؤيدون الاقتراح الفرنسي.

ومن خلال تصديهم للمشروع اكد القادة الفرنسيون وضعهم كلاعبين اساسيين في الامم المتحدة، والشرق الاوسط والاتحاد الاوروبي ـ وهو الدور الذي يفضلونه.

وقال دبلوماسي فرنسي في باريس «ان فرنسا غير مهتمة بالجدل مع الولايات المتحدة. القضية الحالية مسألة مبدئية، وهي متعلقة بقواعد اللعبة في العالم اليوم. وبوضع مجلس الامن في قلب الاحداث الدولية. وعدم السماح لامة، مهما كانت بالقيام بما تريده، عندما تريد، وفي اي مكان تريده، الامر كله يعتمد على نوعية العالم الذي نريد ان يعيش فيه اولادنا».

كما اعترف الدبلوماسيون الفرنسيون ان عليهم الحفاظ على توازن دقيق في حملتهم الدبلوماسية. فالضغوط الزائدة ربما تؤدي الى عزل فرنسا، مثلما حصل لألمانيا في النقاش حول العراق. كما ان باريس تشعر بالقلق بخصوص زعزعة الوضع في الشرق الاوسط بسبب مصالحها التجارية والسياسية هناك وامكانية اشاعة الاضطرابات بين الجالية المسلمة الفرنسية التي يصل عددها الى 6 ملايين شخص وهي اكبر جالية اسلامية في اوروبا.

واوضح فيليب غوردون مدير مركز الولايات المتحدة وفرنسا في معهد بروكينغز ان «الامر الاكثر سوءاً بالنسبة لفرنسا من الحرب ضد العراق هو عدم تأييد الحرب التي يمكن ان تنشب».

ولدى الولايات المتحدة، في الامم المتحدة، حساباتها الخاصة ايضا. فعليها تحقيق التوازن بين المدى الذي يمكن ان تساعدها به الامم المتحدة في تنفيذ اجندتها، وبين المدى الذي يمكن للهيئة العالمية ان تقلص به هذه الاجندة.

وما دامت الولايات المتحدة مشتركة في الامم المتحدة، فإنها تقبل تكتيكيا بحدود قواتها مقابل الفوائد التي تجنيها من الدعم المتعدد الاطراف. وتعني موافقة الامم المتحدة، مشاركة باقي الدول في اعباء الهجوم على العراق وعملية اعادة الاعمار طويلة المدى التي يجب تنفيذها عقب الحرب. واذا دخلت الولايات المتحدة الحرب بمفردها، فإن مجموعة محدودة من الدول سترغب في المشاركة في الاعباء ـ ليس فقط بالنسبة للعراق ولكن ايضا بالنسبة لمهام دولية اخرى مثل حملات مكافحة الارهاب.

فواشنطن تعلم ان وجودها يمنح ثقلا للمؤسسة الدولية، اما باقي الدول دائمة العضوية في مجلس الامن: بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا، فتستمد قوتها من وضعها في المجلس. ففي قاعة مجلس الامن تملك كل دولة صوتا واحدا وصوتا واحدا فقط، ولا يوجد في المجلس قوة عظمى.

ولكن خارج القاعة، يفرض الواقع نفسه. ففي العالم الحقيقي، فإن قوة الولايات المتحدة العسكرية والاقتصادية تقزّم كل منافس، وبالنسبة لمعظم البلاد، فإن علاقتها بالولايات المتحدة اكثر اهمية من مصالحها في العراق. وبالنسبة للمترددين، هناك محفزات: روسيا تسعى لضمانات لحصولها على مستحقات ديونها للعراق البالغة ثمانية مليارات دولار، وتريد هي وفرنسا، ضمانات ان يحترم النظام الذي سيخلف صدام حسين استثمارات النفط الحالية في المنطقة.

وفي عام 1990عندما كانت الولايات المتحدة تحاول الحصول على دعم المجلس بأكمله لحرب الخليج، عرضت واشنطن على كل دولة نامية تقريبا تحتفظ بمقعد في المجلس مساعدات اقتصادية او عسكرية، طبقا لفيلس بياس وهو احد مديري معهد الدراسات السياسية في واشنطن.

كما استخدمت الولايات المتحدة ايضا الضغوط، ففي عام 1990 صوت اليمن وكوبا ضد القرار، وبعد انتهاء التصويت، قال دبلوماسي اميركي للسفير اليمني في مجلس الامن، بدون ان ينتبه الى ان ميكروفون اذاعة الامم المتحدة كان مفتوحا «هذا اغلى تصويت بـ«لا» تدلون به». وبعدها بثلاثة ايام، قطعت الولايات المتحدة مساعدتها الاقتصادية لليمن وقيمتها 70 مليون دولار.

واوضح الدبلوماسيون وغيرهم ان ادارة بوش لم تجعل مهمتها سهلة بالترويج لتفوق الولايات المتحدة. واشار العديد منهم، بصفة خاصة، الى تقرير «استراتيجية الامن القومي» الذي نشرته الادارة الاميركية في الاسبوع الماضي، والذي اكد بجرأة ان الولايات المتحدة تنوي منع اي تجمع من دول اخرى من تحدي تفوقها.

وافاد التقرير «ان قواتنا ستكون قوية بدرجة لمنع الاعداء المحتملين من السعي وراء بنية عسكرية على امل التفوق على او مساواة قوة الولايات المتحدة».

واشار ادوارد لوك مدير مركز المنظمات الدولية في جامعة كولومبيا «كلما تحدثنا عن قوتنا، ازدادت المخاوف حول العالم. وكلما تحدثت عنها، اعتقدت الدول الاخرى ان التهديد الامني الاهم بالنسبة للعالم هو الاستخدام غير المنظم للقوة العسكرية الاميركية».

وحتى قبل تقرير مجلس الامن القومي، كانت الدول الاوروبية وغيرها من القوى الصغيرة تشعر بالامتعاض او الخوف من القوة الاميركية المتفردة.

لقد ادى انسحاب واشنطن من معاهدة كيوتو، وثلاث معاهدات لمنع انتشار الاسلحة واتفاقيات بخصوص تجنيد الاطفال والاسلحة الخفيفة، ومحاولتها عرقلة المحكمة الجنائية الدولية، الى جعل الولايات المتحدة تبدو كأنها تقول للعالم «ان التحلي بروح الفريق يحتل مكانة منخفضة في قائمة اولوياتنا».

وبالرغم من ان الولايات المتحدة تؤكد ان معظم جهودها المتعددة قد حجبتها بعض الانسحابات الرمزية، فإن صورتها قد تشوهت.

واوضح ريتشارد ديكر مدير برنامج العدالة الدولية لـ«هيومان رايتس واتش» ان مهاجمة العراق واقصاء صدام حسين من وراء ظهر الامم المتحدة، ستكون خطوة قاصرة ذات ابعاد طويلة المدى، لأنها ستكون بمثابة «انتصار السلطة على القانون والقوة على الحق، وحتى القوة العظمى الوحيدة في العالم تستفيد من النظام العالمي القائم على حكم القانون».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»