واشنطن تعد القضية القانونية لتقديم صدام ونجليه وكبار مساعديه إلى المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة وأخرى ضد البشرية

إدارة بوش تميل لفكرة إنشاء محاكم في العراق يشرف عليها رجال قانون دوليون لإجراء محاكمة رجال النظام

TT

تعد إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش الوثائق القانونية اللازمة لتوجيه تهم ضد صدام حسين وعدد محدود من مساعديه المقربين بارتكاب جرائم ضد البشرية، إذا تم إسقاط الحكومة العراقية، حسبما ما قاله بعض المسؤولين الأميركيين. وفي قائمة الاتهام بارتكاب جرائم ضد البشرية يحتل صدام حسين موقع الصدارة ضمن المشتبه فيهم يتبعه ولداه عدي وقصي، إضافة إلى ذلك يدخل ضمن القائمة ابن عم الرئيس العراقي، علي حسن المجيد المعروف بـ«علي كيماوي»، لاشتهاره باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في شمال العراق، يتبعه عزة إبراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة.

هؤلاء الخمسة يشكلون لب المجموعة التي يبلغ عددها ما يقرب من 12 شخصا، وتستحق أعمال هؤلاء من وجهة نظر المسؤولين الأميركيين ومنظمات حقوق الإنسان أن توجه لهم تهم الإبادة الجماعية أو جرائم ضد البشرية، إضافة إلى ذلك هناك نحو 10 أخرين من المسؤولين العراقيين ممن تعتبرهم واشنطن من ذوي السمعة السيئة وبالإمكان أن توجه لهم التهم داخل العراق بعد اطاحة صدام حسين وبعد إجراء تحقيقات أخرى، حسبما قالت نفس المصادر الأميركية.

ويُعتبر مصير القيادة الحالية موضوعا شديد الأهمية لنجاح أي غزو أميركي للعراق، وموضوعا مركزيا للطريقة التي سيخرج فيها العراقيون من كنف دكتاتورية استمرت أكثر من ثلاثة عقود. ولم تقرر الإدارة الأميركية بعد كيف ستُستهدف القيادة العراقية ومن سيقوم بالمحاكمة. لكن مع تصاعد الاستعداد الأميركي لخوض الحرب ضد العراق، تكثفت الجهود أيضا لتشخيص الأعداء من الأصدقاء داخل العراق، حسبما قال المسؤولون الأميركيون. وأضاف هؤلاء أنه سيُطلب من القيادة العسكرية الأميركية أن تتخذ قرارات سريعة لتحديد من سيتم اعتقاله ومن سيكون شريكا. وقال جون بولتون مساعد وزير الخارجية الأميركية «المسؤولون الكبار حول صدام حسين يجب إقصاؤهم». وأجرى بولتون مقارنة مع ما جرى في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية لتفكيك النازية وإزالتها. وأضاف أن ولادة عراق جديد تتطلب إزاحة الناس «الذين يشكلون جزءا أساسيا من بطانة صدام حسين وبقاء هؤلاء في السلطة سيجعل المشكلة تستمر». لكن الإدارة الأميركية، في حال اتخاذها قرارا بمحاكمة القادة العراقيين، فإنها ستجازف بدفع أولئك المسؤولين المشتبه بهم كي يقاتلوا للبقاء في السلطة. ويستمر النقاش داخل الإدارة الأميركية حول كيفية معالجة هذه القضية. وقال مسؤول أميركي «أنت تريد إيصال رسالة للعراق فحواها أنك لا تريد قتل كل شخص في حزب البعث الحاكم».

من جانب آخر، لم تُقرر بعد الطريقة التي ستتم فيها المحاكمة، لكن مسؤولين أميركيين يقولون إن هناك إجماعا يتشكل حاليا لصالح فكرة إنشاء محاكم في العراق بعد سقوط صدام حسين وهذه سيديرها الكثير من رجال القانون الدوليين. وستستند هذه المحاكم على الأدلة التي يتم جمعها الآن في العديد من البلدان، وبضمنها تلك المشاريع التي دعمتها الولايات المتحدة ووظفت لها مبلغ 10.8 مليون دولار لغرض جمع الأدلة والمعلومات. ولم تُطرح المحكمة الجنائية الدولية كخيار لأنها لا تمتلك الصلاحيات للنظر في القضايا التي وقعت قبل تشكيلها في الاول من يوليو (تموز) 2002 إضافة إلى أن العراق لم يوقع على المعاهدة التي آلت إلى تشكيلها. وحثت تنظيمات المعارضة العراقية الولايات المتحدة على الإسراع بإكمال ملفات الاتهام. وقالت رند رحيم فرانكي مديرة «مؤسسة العراق الوقفية» انه «بغضّ النظر عمن سيقوم بالمحاكمة يجب أن يحاكَموا. هناك مغريات قوية للولايات المتحدة لكي تتعامل بنفسها مع الأشخاص الموجهة ضدهم التهم، وهناك خطر كبير على العراق من أن تخضع الولايات المتحدة لهذه الإغراءات».

من جانب آخر، هناك محاميان من وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) يقومان حاليا بجمع الأدلة لتهيئتها كي تكون مفيدة لهيئة الإدعاء العام حسبما قال بعض المسؤولين الأميركيين، إضافة إلى ذلك هناك مجموعة من العراقيين المقيمين في المنفى والأميركيين من أصل عراقي تقوم تحت إشراف وزارة الخارجية الأميركية بتطوير الخطط لتشكيل نظام قضائي عراقي مؤقت، وهذا يتضمن تشكيل جهاز قضائي يضم عددا كبيرا من القانونيين العراقيين. وهذا الأسلوب يتضمن عدة خيارات في طريقة المحاكمة، لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إن هناك إجماعا متناميا يفضل استهداف صدام حسين ومساعديه الكبار وأقاربه، وهذا يتضمن تلك الحلقة التي أطلق فريق من المسؤولين الأميركيين سنة 1993 عليها اسم «الدزينة القذرة»، وتفضل الإدارة الأميركية أن تجري المحاكمات داخل العراق بعد إسقاط الحكومة الحالية وأن يكون هناك بعض القضاة والمحامين الدوليين يشاركون في سير المحاكمات.

وقال بيير ريتشارد بروسبر السفير في وزارة الخارجية الأميركية المكلف جرائم الحرب «سنلعب دورا قياديا في تحديد الخطوط العريضة. لكن لا أحد يعرف بعد ذلك كيف ستسير الأمور. نحن نعرف أن صدام حسين ودزينته القذرة هم المسؤولون عن كل الفظاعات التي جرت لفترة تزيد عن العقد. نحن نعرف أن أكثر من 100 ألف شخص قد قُتلوا». وقال بروسبر عن صدام حسين إنه «سيكون المشتبه به رقم واحد الذي ستتم محاكمته، في أي محكمة». وكان التحقيق الأميركي قد بدأ في فترة الرئيس الأميركي السابق بيل كليتنون بعد انتشار تقارير كثيرة عقب حرب الخليج الثانية تشير إلى استعمال صدام حسين للأسلحة الكيماوية ضد القرى الكردية. ومنذ سنة 1999 حولت وزارة الخارجية الأميركية مبلغ 10.8 مليون دولار لفصائل المعارضة العراقية وللمنظمات غير الحكومية لجمع الأدلة، وفحص الوثائق وإجراء المقابلات مع شهود عيان، حسبما قال غريغ سوليفان، المتحدث باسم الخارجية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»