السفير السعودي لدى باكستان: كثير من العرب المعتقلين على حدود أفغانستان يزعمون أنهم سعوديون

علي عسيري: إن استخدام البعض لأسماء حركية يعقد مهمة البحث عنهم والرد على استفسارات أهاليهم

TT

يعتقد البعض أن العلاقة المميزة بين السعودية وباكستان تعرضت لسوء الفهم بين الطرفين خلال الأشهر الماضية نتيجة الأحداث التي وقعت في الولايات المتحدة وما تبعها من تباين في الآراء والضغوط الدولية في حرب الإرهاب، وزيادة على ذلك ما حدث من قبل السلطات الباكستانية التي ألقت القبض على العديد من السعوديين الموجودين في باكستان وسلمتهم للسلطات الأميركية بزعم أنهم من حركة طالبان أو من «القاعدة»، مما أغضب الشارع السعودي. وما شجع على هذا الاعتقاد الإجراءات التي اتخذتها السلطات الباكستانية في فرض رسوم على تأشيرات السعوديين الراغبين في زيارة باكستان والحصول المسبق عليها، ما لم تدعم التأشيرة بمسببات الزيارة أو الهدف منها. ونتج عن ذلك تراجع سفر السعوديين الى هناك بنسبة 90 في المائة.

علي بن عواض عسيري سفير السعودية في إسلام آباد تحدث لـ«الشرق الأوسط» حول القضايا المتعلقة بالسعوديين الذين القي القبض عليهم وأيضا التعاون الأمني المشترك وزوجات السعوديين الذين يعيشون بين القبائل على الحدود مع أفغانستان، وأيضا قضية المخدرات التي تقلق الحكومتين وعودة الحشيش الأفغاني إلى التصدير من جديد وغيرها من القضايا الأخرى التي تشغل بال السعوديين والباكستانيين. وفي ما يلي نص الحديث:

* بعض المراقبين يرون أن العلاقة السعودية ـ الباكستانية بعد أحداث 11 سبتمبر (ايلول) العام الماضي تعرضت لشيء من الفتور، ربما لاختلاف وجهات النظر في قضايا معالجة الإرهاب، فما رأيكم؟

ـ لا أعتقد أن هذا الكلام صحيح، ربما بالعكس كان هناك تنسيق أكثر، نظرا للقضايا المشتركة والتنسيق المستمر مع الحكومتين السعودية والباكستانية، خصوصا أن القيادة الباكستانية بجميع فئاتها كانت متعاونة ومتجاوبة في كل المجالات. كما أنه لم يظهر على السطح مثل هذا الموضوع، وفي رأيي أن وسائل الإعلام استغلت في الفترة الأخيرة حالات إلقاء القبض التي حدثت للسعوديين في باكستان فاعتبرتها فتوراً في العلاقات.

* ولكن هل كانت الآراء متفقة بين السعودية وباكستان في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب؟

ـ أعتقد أن ما حدث في سبتمبر 2001 وما نتج عنه من إفرازات سلبية وإيجابية، خاصة على المستوى الدولي، كان مفاجأة، وأود التأكيد على أن العلاقة متميزة وهناك تقارب في وجهات النظر بين القيادة السعودية والباكستانية. كما أن العلاقة تمتد بين البلدين منذ عهد الملك عبد العزيز مؤسس البلاد، ولم تتأثر بأي ظروف مرت. وأنت تعلم أن باكستان واجهت مصاعب من خلال العزلة الدولية لها، ولكن الحكومة السعودية وقفت الى جانبها وساندتها وقدمت لها العون، وكما لاحظت أنه في أقل من عام زار الرئيس الباكستاني السعودية أكثر من مرة.

* تنظر بعض الدوائر في أميركا ودول الغرب إلى السعودية وباكستان على أنهما منطقتان يتولد فيهما الإرهاب. كيف يمكن أن نصف التعاون السعودي والباكستاني في التنسيق الأمني؟

ـ التعاون الأمني بالتحديد جد ممتاز وإيجابي، وهناك تنسيق مباشر بين وزارتي الداخلية في البلدين، فضلا عن التعاون العسكري، وهناك دورات عسكرية ومبتعثون سعوديون إلى باكستان. أما في ما يقال من ان البلدين في نظر الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب بؤرتا إرهاب، فأنا أعتقد أن هذا مفهوم خاطئ وتصرفات أفراد، ولا يمكن أن تكون هناك شمولية في النظرة أو التعميم.

* الشارع السعودي غضب من تصرفات السلطات الباكستانية بالقبض على مجموعة من السعوديين وتسليمهم إلى القوات الأميركية.

ـ أولا أؤكد لك أن الحكومة الباكستانية كانت متعاونة جدا في ما يتلعق بالمواطنين السعوديين في الفترة الحرجة والصعبة التي مرت بها باكستان. وبخصوص السعوديين الذين تم القبض عليهم في باكستان، فلقد التقيت بوزير الداخلية الباكستاني وتباحثت معه، وكانت له وجهة نظر حول هذا الموضوع وهي أن السعوديين الذين تم القبض عليهم، كانوا على الحدود الباكستانية ـ الأفغانية وليس على الأراضي الباكستانية، حيث منع دخول أي أفغاني إلى العمق الباكستاني، خشية تسلل أحد من اعضاء «القاعدة» أو غيرهم. وفي الواقع كان هناك تنسيق وتعاون أمني بيننا وبين الحكومة الباكستانية، خاصة أننا اكتشفنا خلال زياراتنا الميدانية، أن معظم الذين يتم القبض عليهم يدعون أنهم سعوديون. وعند التحقيق معهم نتيقن أنهم غير سعوديين وأنهم من جنسيات أخرى عربية وافريقية. وابلغت الوزير الباكستاني أنه يتم القبض على سعوديين من دون إشعار السفارة أو وجود سجل لهم حتى نتمكن من الرد على استفسارات المتصلين من ذويهم وأقاربهم. ولكن رد الوزير كان أن معظم الذين يتم القبض عليهم يدعون أنهم عرب، خاصة أنهم لا يحملون أية إثباتات أو هوية تبين جنسيتهم، وهم ينتمون إلى جنسيات دول عربية كمصر والجزائر وتونس والمغرب والسعودية واليمن. وأكد أنه لم يتم القبض على أو تسليم سعوديين من داخل باكستان. حتى العملية الأخيرة التي تمت في كراتشي والتي قبض فيها على بن الشيبة، كنا نتابع الموضوع ولم يكن من بينهم سعودي، وقد ثبت لنا أن كثيرين ممن أدعوا أنهم سعوديون ليسوا كذلك.

* ما مدى صحة ما أعلن من أن عدد السعوديين الذين تم تسليمهم للقوات الأميركية 150 سعوديا؟

ـ الذين ألقي القبض عليهم كانوا على الحدود، ونحن كسفارة في باكستان ليست لدينا إحصائية دقيقة.

* وهل تشك في أنهم ربما يكونون غير سعوديين؟

ـ حينما تصلنا المعلومات من قبل الحكومة الباكستانية في ما يتعلق بالاعتقالات، نشكل فريق عمل ميدانيا ونرسل مندوبين من قبل السفارة للتأكد، ويحدث أننا نجد المقبوض عليه إما سودانيا أو صوماليا أو مصريا، ولكن عند القبض عليه يدعي أنه سعودي.

* هل هناك إحصائية بعدد السعوديين المقبوض عليهم؟

ـ لم يقبض على سعودي داخل باكستان قط، وجاء إلى باكستان عدد من السعوديين يبحثون عن أبنائهم وذويهم، ولكن أبلغناهم أننا لا نستطيع مساعدتهم، حيث أنشأنا غرفة عمليات في السفارة تتلقى اتصالات واستفسارات الاهالي، وأيضا لتلقي معلومات، وكنا نمررها إلى السلطات الباكستانية لمساعدتنا، ولكن لسوء الحظ أن جميع من غرر بهم كانوا داخل أفغانستان وكانوا يستخدمون أسماء حركية وليست حقيقية، وبالتالي مهمتنا كانت صعبة، ومعظمهم كانوا يحملون جوازات سعودية مزورة.

* ولكن هناك أشخاصا سعوديين تم القبض عليهم في مطار لاهور والمدن الباكستانية مثل رئيس منظمة «وفا» الخيرية؟

ـ لم يلق القبض داخل أي مطار أو داخل أي مدينة باكستانية على سعودي. وكان هناك اشتباه في أشخاص عديدين واكتشفنا جوازات مزورة، وبالنسبة للمطرفي، ربما يكون لأنه اعتقل في بداية الأزمة.

* أنتم كسفارة ما دوركم في الاستفسارات التي تصلكم من الاهالي الذين يودون الاطمئنان على من تم القبض عليهم؟

ـ جميع من يتصلون بنا ليست لديهم معلومات حقيقية عن أبنائهم، كنا نتلقى يوميا أكثر من 90 إتصالا، ولكن الصعوبة أن جميع الأسماء كانت حركية داخل أفغانستان.

* وهل تعتقد أن جميع الاتصالات التي كانت تأتيكم صحيحة؟

ـ مهمتنا تمرير المعلومات للحكومة الباكستانية، إلا انهم ابلغونا بأن جميع الأسماء التي وردت غير موجودة لديهم في القائمة، حيث انه لم يكن لديهم تحديث للمعلومة سواء في الموانئ أو في المنافذ لعدم تسجيلها في الكومبيوتر، والآن هناك تعاون في المعلومات بيننا وبين سفارة السعودية في أفغانستان التي أعيد افتتاحها، رغم صعوبة الاتصالات بيننا.

* وماذا بشأن السعوديات اللاتي قيل انه تم القبض عليهن أيضا؟

ـ وردتنا معلومات حول هذا الموضوع ولكنها غير ما نقل الينا، وهو أنه يوجد لدى بعض القبائل أطفال ونساء سعوديات، وبالفعل كلفنا موظفين من السفارة واصطحبنا معنا أدلة وأخذنا مرافقين باكستانيين وذهبنا إلى المواقع التي ذكرت على الحدود ما بين باكستان وأفغانستان، وقابلنا هؤلاء النساء، واتضح لنا في النهاية، بل ثبت لنا أن معظم هؤلاء الزوجات هم لعرب أولا وليس من بينهن سعوديات، وإن كان الزوج سعوديا فإن الزوجة أفغانية أو باكستانية، وبالتالي لسن سعوديات، وجميع النسوة هن من القبائل المعروفة هنا فتجد البنت ربما هي عند والدها أو أهلها أو عند قبيلتها وعشيرتها. أما السعوديات المرافقات للذين ذهبوا إلى أفغانستان، فالمعلومات التي لدينا أنهن غادرن إلى السعودية.

* ولكن ما مصير الزوجات الأفغانيات والباكستانيات والأبناء، خاصة أنهم لسعوديين؟

ـ المعلومات تفيد بأنهن زوجات لعرب، ونرحب بأي معلومات تفيد عن وجود زوجات لسعوديين، وذلك حتى يتم توثيق هذه المعلومات ورفعها للجهات المختصة. وما زلنا نتابع هذا الموضوع، وحينما نعلم سوف نحقق في الأمر، وسوف نقدم الدعم والرعاية لهن.

* هل ترى أن البيئة الباكستانية ساهمت في خلق «التشدد» حتى أن الكثير من السعوديين يعتبرونها بوابة أفغانستان؟

ـ الشعب الباكستاني بشكل عام يتميز بالتزامه دينيا وترابط العقيدة وأيضا الاحترام والحشمة في مجتمعه، رغم أن كثيرين منهم عاشوا في الغرب، ولا أبالغ ان قلت ان جميع فئات المجتمع ملتزمة من ناحية الجانب الديني، وهناك مدارس دينية وهناك تفاخر لمن يحفظ القرآن، ولكن هناك تقاربا جغرافيا بين أفغانستان وباكستان، وأيضا الكثير من العملاء، كما أن معظم الشعب يتبع المذهب الحنفي، ونفس الشيء في أفغانستان. والشعوب الإسلامية حينما ساعدت أفغانستان كان ذلك بدواعي تخلصها من الاحتلال الروسي، ولا أعتقد أن باكستان بوابة لأفغانستان، وفي رأيي ربما يكون هناك تفسير خاطئ من الذين شاركوا في الجهاد مع الأفغان.

* لماذا تأخر مشروع توقيع اتفاقية أمنية بين السعودية وباكستان؟

ـ هناك تعاون ملموس للحكومة الباكستانية، وهي تقوم بجهود جبارة وخاصة في موسم الحج وإقامة معسكرات خاصة لهم لتقديم التوعية وتعريفهم بمضار المخدرات، وهناك تنسيق شامل بين الحكومتين في هذا المجال بعد أن تبين لنا أن هناك استغلالا لمواسم العمرة والحج في ترويج المخدرات. وفي ما يتعلق بالتوقيع على الاتفاقية، فإن التعاون قائم إلى حد كبير جدا.

* المعلوم أن السعودية تنفذ حد القصاص على مهربي المخدرات، ولكن من الملاحظ أن من يتم القبض عليهم هم من المغرر بهم ولا يعلمون عنها شيئا سواء من المسنين أو النساء والأطفال، ألا تعتقد أن دور السفارة السعودية ضعيف في توعية هؤلاء؟

ـ السفارة تقوم ببرنامج توعية مكثف على المستوى الإعلامي، كما زرنا مدير مكافحة المخدرات الباكستاني وتباحثنا معه حول هذا الموضوع، وبالفعل نجد أن معظم الذين يتورطون فيها هم من الحجاج والمعتمرين والذين يغرر بهم، ووجدت اهتماما كبيرا من السلطات هنا لمكافحة هذه الجريمة. ونحن هنا نؤدي دورنا والباقي يتوقف على الحكومة الباكستانية. ومن ضمن الشروط الجديدة التي وضعناها للحد من هذه الظاهرة اقتصار ذهاب الحجاج عن طريق وزارة الحج الباكستانية وليس بمفردهم، وأنا أؤكد أن هناك شبه توقف في هذا المجال.

* هل اكتشفت حالات تذمر من قبل أسر الذين يتم إعدامهم في السعودية نتيجة تهريبهم للمخدرات وهم من المغرر بهم؟ هل هذه أغضبت الحكومة الباكستانية؟

ـ لم أتلق منذ مباشرة عملي في السفارة أي شكوى في هذا الصدد، ولكن لا أستغرب أن يكون هناك غضب أسري، ولكن الدور الذي نبذله يبرر موقفنا بأن هذه شريعتنا وهذه الأحكام تطبق على الجرائم.

* إلى أي مدى يمكن القول ان هذه النسبة تراجعت أو انخفضت في مسألة تهريب المخدرات؟

ـ تراجعت كثيرا. يعني حالات محدودة للغاية، أعداد ضئيلة، بسبب أن الباكستانيين تجاوبوا معنا، وهناك ضوابط نفذتها الحكومة الباكستانية.

* ألا تعتقد أنه مادام هناك مرسل للمخدرات، فإن هناك من يكون مستقبلا لها في السعودية من السعوديين أو الباكستانيين؟

ـ لدينا أولاً مليون باكستاني في السعودية، ومن غير المعقول أن حامل هذا الداء يذهب من دون أن يكون هناك تخطيط أو اتفاق مع شخص في السعودية، ولكن لم نسجل أي محاولات أو خيوط لعصابات، وفي اعتقادي انه يجب أن نحرص أكثر الآن لكون أفغانستان بدأت تصدر من جديد هذه المادة السيئة. حيث علمنا أن المخدرات بدأت تزرع من جديد لأن حركة طالبان حرمتها خلال فترة حكمها، ولكن بعد الحرب وعامل الفقر والحاجة وسوء الاقتصاد الأفغاني، هناك فئة من الأفغانيين اتجهت لزراعة الحشيش وتصديره.

* هل تعتقد أن القبض على السعوديين أدى إلى تراجع السفر إلى باكستان؟

ـ بعد أحداث 11 سبتمبر اتخذت الحكومة الباكستانية إجراءات للحد من تسلل أشخاص، ربما يسببون لها قلقا سياسيا، ومن بين هذه الإجراءات تطبيق نظام التأشيرة لأي سعودي، وهذه لم تكن في السابق موجودة، وهذا حد تلقائيا من وجود أي مواطن سعودي من دون أن يكون له كفيل أو لأسباب معينة أو بخطاب من جهة رسمية تدعوه للزيارة أو شركة معروفة أو رجل أعمال، والنسبة حسب تقديري تراجعت إلى 90 في المائة بعد الأحداث وأيضا خشية أن يتم القبض عليهم وفق ما تناقلته وكالات الإنباء.

* في ما يتعلق بالقضية الكشميرية، إلى أي مدى تدعم الحكومة السعودية هذه القضية؟

ـ القيادة السعودية تدعم قرارات الأمم المتحدة الصادرة في ما يتعلق بقضية كشمير وتدعم الحوار وتنبذ الحرب وقتل الأبرياء وتسعى إلى إيجاد تفاهم باكستاني وهندي لحل هذه المشكلة، وخلال الفترة الأخيرة لاحظت، رغم المشاكل وحدة التوتر التي حدثت وما زالت شبه موجودة بين الطرفين، انه يوجد ضوء في آخر النفق وهناك آمال بحل هذه المشكلة، وتطلعاتي وتوقعاتي بأن حل هذه القضية قريب.

* وهل تقدم الحكومة مساعدات للشعب الكشميري؟

ـ الحكومة السعودية تقدم مساعدات إنسانية وخيرية لجميع الشعوب، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر أصبحت هناك ضوابط ومعايير، وبالفعل هناك مساعدات من قبل الهيئات والمنظمات الخيرية.