الجزائريان المحكومان المتهمان بتفجيرات باريس قد يستأنفان حكم المؤبد وتحقيق تلفزيوني فرنسي يربط بين «الجماعة المسلحة» والمخابرات الجزائرية

TT

أسدلت الستارة على المحاكمة الماراثونية التي دامت خمسة أسابيع للجزائريين بوعالم بن سعيد واسماعيل آيت علي بلقاسم لمسؤوليتهما في ثلاث عمليات تفجير عام 1995 في انفاق مترو العاصمة الفرنسية، بانزال عقوبة السجن المؤبد بهما، غير ان هذا الحكم الذي صدر عن محكمة خاصة بشؤون الارهاب في باريس الليلة قبل الماضية، قابل للاستئناف. وبوسع محامي الجزائريين، المتهمين بالانتماء الى الجماعة الاسلامية المسلحة، تقديم طلب الاستئناف قبل انتهاء مدة الأسبوع التي تلي صدور الحكم. وفي حال قدم طلب الاستئناف، وهو الأرجح، فان الملف بأكمله سيعاد فتحه بعد عدة شهور، أملاً في تبديد بعض بقع الظل التي لم تتضح في هذه المحاكمة رغم الأسابيع الخمسة التي استغرقتها.

ورغم الشعور بالارتياح الذي عبرت عنه الجهة المدعية، أي ضحايا وذوو ضحايا الأعمال الارهابية التي اوقعت صيف العام 1995 ثمانية قتلى و200 جريح، فان عدداً من الأسئلة بقي بدون اجابات.

السؤال الأهم هو: من المسؤول عن التفجير الذي ضرب محطة مترو سان ـ ميشال، الواقعة في قلب باريس، والذي يعتبر الأسوأ في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية (ثمانية قتلى و150 جريحاً)؟ ذلك ان الحكم الأخير يجرم بوعالم بن سعيد لمسؤوليته عن حادثة الاعتداء في مترو ميزان بلانش (18 جريحاً)، باعتباره فاعلاً، لكنه يعتبره «شريكاً» في عملية سان ـ ميشال وهي الأخطر، مما يعني ان المحكمة لا تعتبره فاعلاً، وبالتالي فان المسؤول الرئيسي عن هذه العملية لم يكن في قفص الاتهام.

والسؤال الثاني يتناول التمييز في الأحكام الصادرة بحق الجزائريين. فاذا كان الاثنان قد حكم عليهما بالسجن المؤبد، فان بوعالم بن سعيد وحده لا يمكن اخلاء سبيله خلال فترة تصل الى 22 عاماً، بينما لم ينص الحكم الصادر بحق اسماعيل آيت علي بلقاسم على شيء مماثل، علماً بأن المحكمة اعتبرته المنفذ لعملية متحف اورسيه التي أوقعت 30 جريحاً، فيما اعتبر بلقاسم شريكاً.

ويبدو ان المحلفين السبعة الذين تداولوا الأحكام طيلة أربع ساعات، قبل اذاعتها، تأثروا بافادة محامي الدفاع عن بوعالم بن سعيد، في ما يخص محطة سان ـ ميشال، حيث البراهين والأدلة التي جمعها التحقيق تهاوت تباعاً. وفضلاً عن ذلك، يبدو ان المحكمة أرادت سلفاً أن ترد كل اتهام لها بالتحيز، مستهدفة بذلك المحكمة العليا البريطانية التي رفضت تسليم فرنسا الجزائري الثالث رشيد رمضة، مخافة ألا يحظى بمحاكمة عادلة. ويظن القضاء الفرنسي ان رشيد رمضة، الموقوف في بريطانيا، ضالع في عمليات التفجير التي ضربت الأراضي الفرنسية عامي 1994 و1995، وانه ممول هذه العمليات. كذلك، فان علي طوشنت، الذي تعتبره الأجهزة الفرنسية «امير» الجماعة الاسلامية المسلحة في اوروبا والمشرف المباشر على ما عرفته فرنسا، كان بدوره غائباً عن قفص الاتهام.

وفي أي حال، فان انتهاء محاكمة عضوي الجماعة الاسلامية المسلحة لن ينهي بتاتاً الجدل في فرنسا، حول منطلقاتها والجهة التي تعمل لصالحها. ومن المنتظر ان يثير تحقيق تلفزيون معمق ستبثه محطة «كنال بلوس» الفرنسية المشفرة، يوم الاثنين القادم، الكثير من اللغط لأنه يجعل الجماعة الاسلامية المسلحة أداة في أيدي المخابرات العسكرية الجزائرية.

ويظهر هذا التحقيق وهو بعنوان «اعتداءات في باريس»، ان جمال زيتوني (امير سابق للجماعة المسلحة) وعلي طوشنت وغيرهما كانوا عملاء للمخابرات العسكرية الجزائرية وانهم نفذوا الاعتداءات في باريس حتى تكون بمثابة «رسائل» للحكومة الفرنسية لالزامها على الاستمرار في دعم السلطة الجزائرية.

وأمس، عرضت صحيفة «لوموند» بعضاً من مضمون هذا التحقيق. ومن الشهادات التي ارتكز اليها معد البرنامج واسمه جان ـ بايست ديفوار وهو معروف بأفلامه التوثيقية عن الجزائر، شهادة ضابطين سابقين من المخابرات الجزائرية الأول اسمه النقيب سمراوي والثاني النقيب احمد شوشان، وكلاهما يؤكدان ان جمال زيتوني كان عميلاً للمخابرات العسكرية الجزائرية.

كذلك، فان جان لوبيشو، وهو عميل سابق للمخابرات العامة الفرنسية، يعتبر علي طوشنت، المسؤول عن العمليات الارهابية في فرنسا «عميلاً، بكل تأكيد» للأجهزة الجزائرية، وكان يتمتع بحماية على الأراضي الفرنسية.

ومن جانبه أعلن القاضي السابق الان مرسو، الذي كان مسؤولاً عن التحقيقات في قضايا الارهاب وهو نائب حالي، انه من «المرجح ان تكون الجماعة الاسلامية المسلحة منظمة غطاء (بيد السلطة الجزائرية) من أجل احتجاز فرنسا كرهينة» لالزامها بدعم السلطة الجزائرية.

وتذكر الصحيفة ان وزير الداخلية السابق ورئيس البرلمان الحالي جان ـ لوي دوبريه سرّب اكثر من مرة للصحافة ان الجماعة الاسلامية المسلحة «اداة في ايدي السلطات الجزائرية».