الخلاف حول مشروع القرار الجديد بشأن العراق ينحصر في 6 كلمات فقط

باريس تريد أن يقرر مجلس الأمن ما إذا كان العراق يتعاون مع المفتشين أم لا وواشنطن تصر على صيغة لا تقيد يديها

TT

عندما انقشع الغبار غداة جلسة مجلس الامن اول من امس عن المفاوضات بشأن العراق، ظلت الولايات المتحدة وفرنسا مختلفتين بسبب ست كلمات وردت في بند اساسي. فقد نشأ الجدل في الاساس حول كيفية التوصل الى قرار اذا فشل العراق في التعاون مع فريق التفتيش التابع لمنظمة الامم المتحدة. فرنسا تعتقد بأن القرار يجب ان يكون متروكا للامم المتحدة واقترحت عبارة «عندما يثبت ذلك بواسطة مجلس الامن» في الجملة الرئيسية. من جهتها ضمنت اميركا صيغتها عبارة تقول ان «فشل العراق في الالتزام والتعاون الكامل في تطبيق هذا القرار يعتبر خرقا ماديا» لالتزاماته الدولية. وتجاهلت الصيغة الاميركية كيفية التوصل الى القرار او الجهة التي ستتخذه مما اثار لدى فرنسا، وكذلك روسيا والصين، شكوكا في ان الولايات المتحدة تعتزم الاحتفاظ لنفسها بالحق في اتخاذ قرار شن هجوم عسكري على العراق. هذا الجدل الذي يبدو خفيا حول المفردات والتراكيب واستخدام العبارات هو ما يمكن ان يقود الى شن الحروب او تأجيلها او تفاديها. فالمفاوضات حول المسألة العراقية مستمرة منذ ستة اسابيع وهي فترة تساوي رمشة عين في عرف الامم المتحدة لكنها اطول مما ينبغي بالنسبة للادارة الاميركية.

وبعد مرور عدة ايام على تحذير اميركا من ان صبرها ينفد، اضفى الاسبوع الحالي تفاؤلا جديدا على الاوضاع. فقد اشار وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، الذي تعتبر بلاده اقرب حليف للولايات المتحدة داخل مجلس الامن، خلال لقاء اجرته معه هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) الى ان المفاوضات الاخيرة تميزت بالحكمة وتغليب العقل، معربا عن اعتقاده بأن «المحصلة النهائية ستكون ايجابية».

اما وزير الخارجية الاميركي كولن باول، فقد اعرب عن اعتقاده بأن «المزيد من الجهد والعمل من جانب الجهات المعنية سيؤدي الى وضع مصالح اصدقاء الولايات المتحدة في الاعتبار دون تقييد يدي واشنطن». اما مسؤولو الادارة الاميركية، الذين وصف الكثير منهم رئيس فرق التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل العراقي هانس بليكس بأنه اضعف من ان يواجه غش وخداع بغداد، فقد ابدوا بصورة مفاجئة تفاؤلا ازاء بليكس. فقد قال عنه مسؤول اميركي انه «كان مفيدا للولايات المتحدة» وذلك عقب لقاء بليكس ومدير «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، محمد البرادعي، الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزير الخارجية كولن باول ومستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس ونائب وزير الدفاع بول ولفوويتز بالبيت الابيض. ورفض البيت الابيض من جانبه التعليق على المحادثات، باستثناء تصريح مقتضب اشير فيه الى ان نقاشا محدودا جرى حول الصيغة المحددة للقرار بالاضافة الى مخاوف طرحها بليكس حول قواعد جديدة للتفتيش اقترحتها الولايات المتحدة. وقال شون مكورماك، المتحدث باسم مجلس الامن القومي انهم سيدرسون كيفية المساعدة في انجاح الجهود الخاصة، مؤكدا ان الولايات المتحدة ترغب فقط في نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية بصورة فاعلة وسلمية من خلال نظام التفتيش. وعلى الرغم من ان باول قال السبت الماضي ان هذا الاسبوع يعتبر حاسما بالنسبة للقرار الذي اقترحته الولايات المتحدة، فإنه تراجع اول من امس، قائلا ان الوضع «سيشهد تطورا بطريقة او بأخرى بنهاية الاسبوع». وأشار العديد من المسؤولين الاميركيين الى ان الادارة الاميركية توصلت الى انه ليس من الحكمة في شيء ان تضغط الولايات المتحدة باتجاه التصويت وتتسبب في حدوث ازمة داخل الامم المتحدة قبل انتخابات الكونغرس الثلاثاء المقبل. ربما يكون هناك إحساس ببطء سير الاجراءات، بيد ان مجلس الامن نجح في تحقيق تقدم مهم خلال زمن قصير نسبيا، فالنزاع الذي استمر على مدى اسابيع جرت تسويته اخيرا، اذ ان الولايات المتحدة ظلت تصر على اصدار قرار متشدد ازاء عمليات التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل العراقية وتحديد الخطوات التي ستتخذ في حالة عدم تعاون العراق، بما في ذلك الخيار العسكري، فما اصرت فرنسا على الفصل بين التفتيش والنظر في النتائج المحتملة واتخاذ قرارين منفصلين بشأنهما. وقال وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان لصحيفة «لوفيغارو» الاثنين الماضي ان بلاده توصلت الى اتفاق مع الولايات المتحدة حول فكرة منهج قائم على مرحلتين، فيما صرح باول لصحيفة «لوموند» الثلاثاء بأن الولايات المتحدة استمعت باهتمام وحاولت تجاوز الخلاف مع فرنسا ونجحت في ذلك. وأوضح باول ان القرار ينص على دعوة مجلس الامن للانعقاد فورا بمجرد ظهور عدم تعاون من جانب العراق مع مفتشي الاسلحة دون تحديد ما اذا سيناقش المجلس قرارا ثانيا حول العمل العسكري او مناقشة القضية على نحو «يقيد يدي واشنطن».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»