القوات الأميركية تتدرب في مدينة وهمية بصحراء لويزيانا على القتال في شوارع بغداد مستفيدة من دروس مقديشو وغروزني

TT

في ضوء الفجر كان محرك دبابة السارجنت دانيل هندريكس التي يصل وزنها الى 70 طنا، يزأر في الشوارع الضيقة لبلدة صغيرة حيث سيستخدم افراد الطاقم مدافع الدبابة الثقيلة ومدافعها الرشاشة المتعددة للقضاء على جنود الاعداء الذين يختفون في المباني القريبة.

ويفحص الطاقم الذي يختفي وراء دروع خاصة، المباني عبر 6 مناظير ويبحثون عن الجنود وسط الدخان باستخدام نظام تصوير حراري يمكنه تسجيل حرارة الاجسام التي لايمكن للعين المجردة ان تراها.

فجأة، وبسرعة لم يتمكن معها طاقم هندريكس من الرد، تندفع قوات الاعداء من وراء ساتر قريب، ويصعدون فوق الدبابة ويضعون متفجرات قوية على برجها، حيث الدروع خفيفة. وبعدها بعدة ثوان يقع انفجارضخم يشل الدبابة ويضع طاقم هندريكس تحت رحمة جنود الاعداء. هذا السيناريو كان تمرينا في اطار مناورة ضخمة جرت الاسبوع الماضي في مركز التدريب على حرب المدن في معسكر فورت بولك. ويهدف الهجوم الخاطف على الدبابة الى احاطة القوات الاميركية بمدى صعوبة القتال داخل المدن.

وتكمن اهمية هذا التمرين في كون ان العديد من المحللين العسكريين يستبعدون ان يختار الجيش العراقي ـ الذي استسلم بعد غارات جوية مدمرة والهجمات البرية في حرب الخليج عام 1991 ـ مهاجمة القوات الاميركية في الصحراء مرة اخرى.

وبدلا من ذلك فإن افضل امل لصدام حسين للبقاء هو بتعريض القوات الاميركية اذا دخلت بغداد، للرعب على الطريقة الصومالية وبث مشاهد الاضرار التي قد تلحق بالمدنيين بسبب القوات الاميركية الى العالم العربي.

تجدر الاشارة الى ان القتال داخل مدينة كبيرة هو واحد من اصعب المهام واخطرها التي تواجهها الجيوش. وتخيل قائد اميركي سابق في الشرق الاوسط هو الجنرال جوزيف هور، كابوسا يتمركز فيه 100 الف من افضل قوات صدام في بغداد استعدادا لمعركة رهيبة من بيت الى بيت. واوضح هور في شهادته في الشهر الماضي امام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ «ان الدرس الاهم المستفاد من حرب الخليج في عام 1991 هو الا تواجه الولايات المتحدة في حرب مفتوحة في الصحراء وتتوقع تحقيق الانتصار».

والامر الاكثر ترجيحا هو ان صدام سيدافع عن بغداد بقوات الحرس الجمهوري الموالية له. واذا حدث ذلك، فإن هور يتوقع «ان النتيجة ستكون خسائر ضخمة في الجانبين».

غير ان المحللين العسكريين والمسؤولين في «البنتاغون» اوضحوا ان الاستراتيجية الاميركية ستركز على عزل صدام حسين ونظامه في الوقت الذي ستتجنب فيه الدخول في معارك مع القوات العراقية قدر الامكان، ولاسيما في المدن. غير ان المخططين لايمكنهم تجنب امكانية الدخول في معارك في بغداد، وهي مدينة ضخمة يقطنها خمسة ملايين نسمة، او في غيرها من المناطق المأهولة، بما في ذلك تكريت مسقط رأس صدام حسين الى الشمال من العاصمة.

واوضح باري ماكفري، وهو جنرال جيش متقاعد قاد فرقة المشاة 24 في حرب الخليج عام 1991، انه قبل ان تهاجم الولايات المتحدة العراق، فإن «البنتاغون» سيكون قد تمكن، عن طريق الاستخبارات، من جمع خرائط للمدن الرئيسية، ومواقع الاسلحة الكيماوية والقصور الرئاسية التي يصل عددها الى 50 قصرا.

الا ان الحصول على تلك المعلومات هو جزء من شن الحرب، كما قال. واضاف ان «الخطأ الاكبر هو الاعتقاد بأنه يمكنك اختيار ميدان المعركة. يمكنك اختيار الميدان المبدئي للمعركة، ويمكنك اختيار طريقة القتال. ولكن بعد ذلك، لن تستطيع اختيار اين تقاتل».

وفي قواعد تمتد من فايتفيل بولاية نورث كارولينا الى سياتل شيد الجيش وقوات مشاة لبحرية «المارينز» نماذج مصغرة لاحياء وسط مدينة للتدرب على تعقيدات القتال داخل المدن. وتستخدم المدن الوهمية المكونة من عدة عمارات لتدريب الجنود وقوات «المارينز» على عدد من الخبرات، من كيفية اكتشاف المباني الملغمة الى قتال الاعداء الذين لا يتورعون عن استخدام المدنيين دروعا بشرية.

وموقع التدريب على قتال المدن في فورت بولك مثال على ذلك. فخلال المناورات التدريبية التي اجريت الاسبوع الماضي تمت مراقبة هجوم شنه الف جندي من الفرقة الجبلية العاشرة بعدد مماثل من اجهزة تصوير الفيديو التي قدمت معلومات تفصيلية لمعرفة الاخطاء التي وقعت اثناء الهجوم وكيف «مات» الجنود.

واطلق على المدينة اسم «شوغارت جوردن» تخليدا لذكرى اثنين من افراد الكوماندوز الذين حصلوا على ميدالية الشرف للتضحية بحياتهم لانقاذ زملائهم في المعارك الشرسة التي جرت في الصومال عام 1993.

وتتحصن في تلك المدينة الوهمية قوة معارضة ذات كفاءة عالية مدربة على الحاق اقصى الاضرار بالمتدربين. ولتحقيق الحد الاقصى من الواقعية توجد مجموعات من المدنيين، وهم عبارة عن مجموعة من الممثلين المحليين الذين يندمجون مع القوات لاعطاء صورة واقعية يصعب معها التفرقة بين الصديق والعدو.

واشار الميجور جيم ليتشنر وهو من الضباط الذين شاركوا في معركة مقديشو عام 1993 ان «التحدي الاهم بخصوص قتال المدن هو الفوضى التي تزيد بسبب البيئة». واضاف ليتشنر الان الذي يخدم في وحدة مدفعية في فورت لويس بولاية واشنطن، قائلا «فربما تعطل اكوام الحطام الطريق، والدخان ينتشر في كل مكان، بالاضافة الى الكثير من المدنيين في كل مكان».

وحرب المدن يمكن ايضا ان تتطلب مشاركة عدد كبير من الجنود، فقد قال مسؤولون عسكريون ان عملية الهجوم والتطهير وتأمين عمارة محصنة بدفاعات قوية ربما يتطلب حولي 150 جنديا. ويقول ليتشنر انه بمجرد تطهير حجرة يجب احتلالها مشيرا الى انه لا ينبغي تركها لأن العدو يمكن ان يعود من السرداب او من أي مكان آخر ويحتلها.

ودرس المسؤولون العسكريون نموذجين يوضحان شراسة قتال المدن. فالكمين الذي تعرض له الجنود الاميركيون في مقديشو عام 1993 بين ان الولايات المتحدة يمكن ان تحقق انتصارا تكتيكيا كبيرا، لكنها يمكن ان تفقد في نفس الوقت وبسرعة التأييد العام للمعركة. ويقول الكولونيل جيم رابون، الذي كان قائد طائرة هليكوبتر خلال الوجود العسكري الاميركي في الصومال عام 1993، انه من الضروري ان يتعلم الشخص في مثل هذه الحالات ان أي شخص يمكن ان يكون مقاتلا محتملا وان نافذة يمكن ان تكون موقعا دفاعيا. واستنباط الدروس من تجربة الصومال ليس صعبا فحتى العدو الضعيف التدريب والامكانيات يمكن ان يلحق خسائر كبيرة حتى بالجيش المحترف اذا لم يخطط الاخير جيدا. واستعدادا للقتال في مواقع مثل بغداد درس «البنتاغون» ما حدث بالعاصمة الشيشانية غروزني، حيث ألحقت مجموعة من المقاتلين الشيشان غير المنظمين خسائر فادحة بالجيش الروسي عام 1994 ودمروا رتلا من الدبابات واستخدموا الجنود الروس القتلى دروعا في الخنادق، فقد روع المقاتلون الشيشان قوة روسية كبيرة من خلال استخدام طرق تقليدية في حرب العصابات. اما في الدوائر العسكرية، فقد اصبحت تلك المعركة درسا على كيفية «عدم القتال» في المدن، اذ ارسل الجيش الروسي وحدات ضعيفة التدريب وناقصة العدد الى معركة دون ان يكون لديها معلومات استخبارية كافية. من ضمن الدروس الحاسمة التي تعلمتها الولايات المتحدة ويمكن تطبيقها على العراق عدم اصدار تعليمات بدخول الدبابات الى المدن بدون وجود مشاة لإرشادها وحمايتها من الهجمات المباغتة مع التأكد من ان القوات مزودة بخرائط مفصلة والتأكد من استعداد أفراد السلك الهندسي لاختراق العقبات والحواجز وإحداث ثغرات في الابواب والجدران. ويلاحظ مكافري ان الجيش العراقي ضعيف التدريب ويعاني من ضعف التجهيز ومعروف باستسلامه عند مواجهة عدو شرس. فإذا استخدمت الولايات المتحدة قوة كبيرة ربما تنتهي الحرب خلال ثلاثة او اربعة اسابيع. وتكمن المخاوف الرئيسية في احتمال لجوء القوات العراقية الى استخدام اسلحة كيماوية او بيولوجية، بيد ان المخططين العسكريين الاميركيين يعتقدون بأن صدام حسين اذا استخدام هذا النوع من الاسلحة، فإنه سيستهدف بها في الغالب الدول المجاورة او القوات الاميركية قبل الهجوم. الجدير بالذكر ان التدريبات التي اجريت شملت استخدام اجهزة لكشف الاسلحة الكيماوية او البيولوجية وملابس واقية وتوفيرها عند الحاجة. في حين لم تستخدم القوات المناوئة سوى اسلحة تقليدية.

خدمة «يو اس ايه توداي» خاص بـ «الشرق الاوسط»