القضاء الإيراني يحكم بالإعدام على مفكر إصلاحي مقرب من خاتمي

آغاجري وجهت اليه تهمة الكفر بعدما أعلن حاجة المرجعية الشيعية إلى التجديد

TT

بعد 24 ساعة فقط من مصادقة البرلمان الايراني على لائحة اصلاح قانون الانتخابات، أصدرت محكمة همدان (غرب) حكماً بالاعدام بتهمة الكفر على مفكر وكاتب مقرب من الرئيس محمد خاتمي، هو الاصلاحي البارز الدكتور هاشم آغاجري الملقب بالشهيد الحي تقديراً لسجله المتميز في سنوات الحرب الايرانية ـ العراقية (1980 ـ 1988) التي خرج منها مبتور الساق بعد اصابته بقذيفة كيماوية عراقية في احدى المعارك.

وكان آغاجري، وهو عضو مجلس قيادة منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية المؤيدة بقوة للرئيس خاتمي، قد ألقى قبل ثلاثة أشهر خطاباً في جمع من الطلبة والباحثين بمدينة همدان قال فيه ان الايرانيين ليسوا قروداً كي يقلدوا أحداً. وأكد ان المرجعية الشيعية بحاجة الى تغيير من داخلها حتى تصبح قادرة على مواجهة متطلبات وتحديات العصر. كما ان آغاجري، كمعظم رفاقه الاصلاحيين، أدان بشدة المحافظين الايرانيين الذين يمسكون بالسلطة وأساليبهم القمعية في مواجهة النقمة الشعبية المتصاعدة ضد تدخل رجال الدين في السياسة.

ومنذ أن قدم الرئيس خاتمي الى البرلمان لائحتين اقترح فيهما اصلاح قانون الانتخابات وتوضيح صلاحيات رئيس الجمهورية، شن المحافظون حملة شاملة ضد خاتمي والتيار الاصلاحي المتحالف معه. وقد تجاوزت أبعاد هذه الحملة، حسب تعبير أورده الدكتور سعيد حجاريان مستشار خاتمي وأبرز مهندسي مشروع الاصلاحات، الخطوط الحمراء حيث تلقى خاتمي تهديدات مباشرة من أركان الجبهة المناهضة للاصلاحات، بأن مصيره سيكون أسوأ من مصير ابو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية بعد ثورة 1979 والذي عزله البرلمان بأمر الزعيم الايراني الراحل الخميني.

وقد كتب مدير صحيفة «كيهان» المحافظة القريبة من المرشد آية علي خامنئي الاسبوع الماضي، مقالاً توقع فيه ان يتم تحطيم القوى الاصلاحية المتحالفة مع خاتمي بقبضة من حديد على غرار ما حصل لبني صدر وأنصاره، ما لم يسحب لائحتيه من البرلمان.

وما يجعل إسقاط حكم خاتمي الدستوري صعباً، حسب قول نائب اصلاحي في البرلمان، انه يحظى بدعم 220 نائباً من مجموعة 270 عضواً في البرلمان، بينما اغلبية النواب في عهد بني صدر صوتوا ضده، وخير دليل على صلابة موقع خاتمي ان اغلبية النواب صوتوا للائحته الاولى أول من امس رغم التهديد الموجه من قبل المحافظين ضدهم.

ويوم الاثنين الماضي أصدر القضاء حكماً بتوقيف عباس عبدي عضو المجلس السياسي لجبهة المشاركة والمتحدث السابق باسم طلبة خط الامام بتهمة التعاون مع الاستخبارات الاميركية. وهناك اكثر من ثلاثين نائبا وناشطاً وصحافيا من رجال خاتمي مهددون بأحكام او بملاحقات قضائية وبينهم الدكتور محسن ميردامادي رئيس لجنة الأمن القومي والعلاقات الخارجية في البرلمان والذي أبرمت محكمة الاستئناف الحكم الصادر بحقه الذي يقضي بسجنه لمدة سنة وجلده ثلاثين جلدة وتغريمه، فضلاً عن حرمانه من تولي ادارة الصحف لمدة خمس سنوات. كما ان سبعة من النواب الاصلاحيين أدانتهم محكمة طهران الادارية، غير ان احتجاج النواب العنيف حيال اعتقال حسين لقمانيان نائب همدان من قبل القضاء تسبب في إرجاء تنفيذ الاحكام لبقية النواب الى وقت مناسب.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان الرئيس خاتمي التقى المرشد خامنئي ليلة الاثنين الماضي لإبداء استيائه الشديد حيال اعتقال عباس عبدي والحملات الدعائية الموجهة ضد رئيس الجمهورية والنواب الاصلاحيين. وبدا ان اللقاء لم يسفر عن حل للأزمة القائمة بين رأسي النظام، حيث رفض خاتمي الاخذ بنصيحة المرشد وسحب لائحتيه من البرلمان، علماً ان الرئيس الايراني قد لمح في الذكرى الاولى لانتخابه للمرة الثانية للرئاسة الى انه سيترك الساحة في حال عدم مصادقة مجلس صيانة الدستور على اللائحتين. وبموجب لائحة اصلاح قانون الانتخابات، سيفقد مجلس صيانة الدستور صلاحية رفض أهلية المرشحين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. والدستور الايراني لا يعترف بهذه الصلاحية الا ان مجلس صيانة الدستور الخاضع لهيمنة المحافظين الشاملة، أعطى لنفسه هذه الصلاحية، واستخدمها لمنع ترشيح المئات من الاصلاحيين في الانتخابات البرلمانية السابقة بذريعة انهم لم يكونوا مؤمنين بولاية الفقيه بصورة فعلية.

واللائحة الثانية تعطي رئيس الجمهورية صلاحية توجيه الانذار الى القضاء والاجهزة الخاضعة لسيطرة المرشد اذا رصد خروقاً للدستور من قبلها. وفي حال تجاهل انذاراته فانه يستطيع ان يعزل المسؤول المتسبب في ذلك مهما كان منصبه.

وكشف مصدر قريب من الاصلاحيين في حديث مع «الشرق الأوسط» ان حكم محكمة همدان ضد آغاجري، لم يعلن بعد بشكل رسمي، غير ان محاميه علم بالقرار وابلغ عائلته به، وهو بصدد استئناف الحكم بعد اعلانه غداً. وتوقع المصدر أن يصادق البرلمان على لائحة خاتمي الثانية، ومن ثم سيبدأ الفصل الاخير من معركة خاتمي ضد المحافظين، فإما ان تجبر الظروف الداخلية والاقليمية والدولية مجلس صيانة الدستور على المصادقة على اللائحتين وليخرج خاتمي من المعركة منتصراً وليغادر قطار الاصلاحات محطة الانتظار والجمود، أو ان يرفض المجلس اللائحتين ويغادر خاتمي والاصلاحيون الحكم حسبما لمح الى ذلك في الذكرى الاولى لانتخابه الى ولايته الثانية الحالية.