أفغان وصوماليون ومغاربة يعملون في مطاعم دجاج بأميركا اعتقلوا «خطأ» للاشتباه في علاقتهم بالإرهاب

TT

ما اكتشفته الشرطة باحدى الشقق في بالتيمور (ولاية ميريلاند)، اثناء عملية اعتقال روتينية نفذت قبل شهرين، جعل افراد الفريق يتساءلون عما اذا كانوا قد عثروا عن طريق الصدفة على احدى خلايا تنظيم «القاعدة». واعتقد مدير شرطة بالتيمور ادوارد نوريس ان هذا قد حدث بالفعل، واعلن ذلك من خلال التلفزيون. وسارع خبراء مكافحة الارهاب من مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) لتقييم ما عثرت عليه الشرطة يوم 10 سبتمبر (ايلول) الماضي، عشية الذكرى السنوية الاولى لهجمات العام الماضي.

فقد كان هناك ستة على الاقل من الشبان اللاجئين من افغانستان وباكستان والصومال والمغرب، يسكنون شقة واحدة فقيرة الاثاث. وقالت الشرطة حينها انها عثرت على جهاز كومبيوتر موصول بمواقع انترنت تابعة لمدارس طيران ومطارات محلية، ومعدات لتزوير الوثائق، وصور لمحطة الاتحاد بالعاصمة واشنطن، وتايمز سكوير بنيويورك. كما كانت هناك وثائق بالعربية والانجليزية ذكرت فيها كلمة «الجهاد». ولان الولايات المتحدة كانت مشدودة الاعصاب، فقد انتشرت الاخبار عن هذه الخلية في كل البلاد.

واعتقل ضباط الهجرة خمسة من هؤلاء الشباب بتهمة مخالفة قوانين الاقامة. ونجحت الشهادات التي ارسلها مكتب المباحث يصف فيها الادلة المثيرة للشكوك، في اقناع القضاة بحبس اربعة من الرجال في السجن بانتظار ترحيلهم خارج الولايات المتحدة.

ولكن بعد شهرين من ذلك التاريخ، يبدو ان التحقيقات حول الارهاب قد تلاشت، اذ اتضح من الادلة التي توفرت للمحكمة ومن خلال التحقيقات، ان هؤلاء الشبان كانوا صادقين عندما قالوا انهم لاجئون يكدون ويكدحون في مطاعم (نيويورك فرايد تشيكن) المملوكة لبعض الافغان، من اجل كسب عيشهم وارسال بعض المال القليل الى ذويهم في بلدانهم الاصلية. وبالتالي فان جريمتهم الوحيدة كانت هي تجاوز الفترة التي تسمح بها وثائق اقامتهم.

وقال شمس الدين محمد، 26 سنة، الصومالي الذي ظل معتقلا منذ 10 سبتمبر «لسنا مثلما يعتقدون. هذا هو المكان الذي يتوفر لنا فيه العيش والحرية. ونحن سنكون من يحمي هذه البلاد».

ولم تكن النتائج التي توصل اليها مكتب المباحث واضحة، لان المكتب لم يشأ التعليق على المسألة، وكذلك لم يعلق وزير العدل الاميركي جون آشكروفت. ويقول محمد، الشاب النحيل الباسم، ان آخر تحقيق اجراه معه موظفو «اف.بي.آي» كان قبل شهر. وكان محمد يرتدي معطفا اصفر اللون ويجيب على الاسئلة من وراء لوحة زجاجية بمركز الاعتقال في بنسلفانيا. وقال المسؤولون في ادارة الهجرة والتجنيس ان القضية ستكون واحدة من قضايا الاقامة العادية.

وتعتبر اثارة قضية «نيويورك فرايد تشيكن»، وانهيارها، شاهدا مبينا على مدى التغييرات التي احدثها الارهاب في الولايات المتحدة. فقد تكشف حجم التحدي الذي يواجهه المحققون وهم يبحثون عن خلايا «القاعدة» وسط ملايين المهاجرين الذين تعتبر الحواجز اللغوية والثقافية والاجوبة المراوغة والاسماء الحركية والوثائق المزورة، اشياء عادية بالنسبة لهم. وبالنسبة للمسؤولين الذين يطاردون مرتكبي الجرائم التي وقعت بالفعل، فان المهمة الجديدة وغير العادية هي ان يتوصلوا في نفس الوقت الى اولئك الذين يخططون لتنفيذ هجوم جديد.

ولكن القضية تكشف كذلك معاناة المهاجرين المسلمين الذين يشعرون ان حياتهم ملفوفة بالشكوك. وتتأكد مخاوفهم عندما يرون المهاجرين الآخرين يتهمون علنا بالتخطيط لارتكاب القتل الجماعي، ويحتجزون في السجون لعدة شهور، ثم يطلق سراحهم او يطردون من البلاد بدون اعتراف رسمي ببراءتهم من تهمة الارهاب التي ألصقت بهم.

ويقول عبيد حسين، مدير المركز الاسلامي في بالتيمور «هذا الوضع يسبب كثيرا من الاحباط والضيق بالنسبة للجالية الاسلامية. ويسود الخوف بأن أي واحد منهم يمكن ان يلقى القبض عليه في اية لحظة».

ويقول الدكتور حسن جليسي، الطبيب ورئيس هيئة خدمات الجالية الاسلامية، التي تكونت العام الماضي «افضل ما في هذه البلاد كان هو ان الفرد بريء حتى تثبت ادانته. ولكن الامر لم يعد هكذا بالنسبة للمسلمين».

والسبب العميق لهذا الوضع هو ان منفذي هجمات 11 سبتمبر 2001، كانوا يعيشون لعدة اشهر في الولايات المتحدة بدون ان تكتشفهم وكالات تطبيق القانون، مما مكنهم من تنفيذ اعتداءاتهم الدموية.

ومنذ ذلك الوقت اكتشف المحققون «خلايا نائمة» من المتعاطفين مع «القاعدة»، داخل الولايات المتحدة، ومنهم من تلقى تدريبات عسكرية في الخارج. وفي اغسطس (آب) الماضي، اتهم ستة رجال من ديترويت (ولاية ميشيغان) وسياتل (ولاية واشنطن) بصلات بالارهاب. وفي سبتمبر الماضي، اتهم ستة رجال من اصول يمنية كانوا يعيشون بالقرب من بافلو في نيويورك، بتوفير دعم مادي لـ «القاعدة». ولكن من ضمن مئات من المسلمين الذين اعتقلوا العام الماضي فان حفنة ضئيلة اتهمت بأن لها صلات بمجموعات ارهابية.

وتدل اعتقالات 10 سبتمبر التي نفذت في ذلك الحي الهادئ ببالتيمور على الانذارات الكاذبة التي تنطلق عبر الولايات المتحدة. وعثرت شرطة بالتيمور، التي اتجهت اصلاً الى شارع ليبرينث لاعتقال المهاجر المغربي عبد الرحيم حوتي الذي هدد امرأة باشعال حريق، على «سبعة رجال آخرين من اصول شرق اوسطية» في الشقة. وعندما فشل احد الرجال في ابراز اوراقه الثبوتية اتصلت الشرطة بـ«اف.بي.آي» ووكالة الامن القومي، حيث اعتقل خمسة من الرجال لمخالفات تتعلق بالاقامة. وكان الرجال يعملون في مطعم «نيويورك فرايد تشيكن» او غيره من المطاعم التي يملكها افغان في بالتيمور وواشنطن وديلاوير. فالمعتقل خوشال نصري، 24 سنة، مثلا، ولد في كابل ونشأ في باكستان وذهب الى كندا وهو دون العشرين حيث صار لاعبا للكريكيت. وانتقل الى بالتيمور قبل سنتين، ليلتحق بصديقه رضا زازاي، المعتقل هو الآخر، والذي كان يعمل بمطعم دجاج وكان يأمل في فتح مطعم خاص به. وقال نصري في المحكمة «انا طاه. واستطيع ان اعمل في أي مكان».

ويعيش نصري على مستوى متدن حتى يتمكن من ارسال مبالغ كافية من المال لوالدته المصابة بالاكتئاب والتي تعيش في باكستان.

والمكان الذي صارت تحتله مطاعم الدجاج في اقتصاد المهاجرين الافغان، لا يعود لتقاليد راسخة في مجال الطهي، بل يعود لمصادفة تاريخية بحتة. فقد افتتح بعض الافغان في الثمانينات بضعة مطاعم للدجاج في نيويورك، وحذا الآخرون حذوهم. وتطور الامر فانتشرت المطاعم باسم «نيويورك فرايد تشيكن» و«كينيدي فرايد تشيكن» و«سوبر فرايد تشيكن»، وغير ذلك من الاسماء، يديرها جميعا افغان ينتمي اغلبهم الى البشتون الذين هربوا اثناء الحرب السوفياتية والفوضى التي اعقبتها.

ويقول مالكو المطاعم الخمسة ببالتيمور، ان الاقبال على مطاعمهم انخفض. وقال عشق الله احمدي، 35 سنة، الذي يملك مطعم «نيويورك فرايد تشيكن»: «رأى الناس ما كتبته وسائل الاعلام فابتعدوا. انك تسمع الناس وهم يقولون: ها قد جاء اتباع اسامة بن لادن».

وتقع هذه المطاعم جميعها في احياء فقيرة. ومثلما يحدث في كل الاعمال الاخرى، فان المهاجرين من العمال غالبا ما يتخطون الفترات التي تسمح بها تأشيرات دخولهم. وعند القبض عليهم، غالبا ما يطلق سراحهم بضمان، وفي جلسة السماع إما يغادروا البلاد باختيارهم او يطردون.

وكانت هذه القضية تسير ايضا في هذا الاتجاه، حتى تولاها مكتب «اف.بي.آي»، لاحتمالات اتصالها بالارهاب، وبدعم علني من مدير الشرطة ومن عضو مجلس النواب روبرت ايرليش، اللذين انزعجا لاطلاق سراح اثنين من المعتقلين بضمانة قدرها 5000 دولار.

ومستندا على اتهامات الوثائق المزورة والاموال المجهولة الاصل، كتب ايرليش الى المدير الاقليمي لوكالة الامن القومي لويس كروسيتي، رسالة جاء فيها «لا ادري لماذا لا تعتبر وكالة الامن القومي هذه الافعال تورطا في الاعمال الارهابية تحت قوانين واجبات المواطن؟». وكتب ايرليش في خضم حملته الناجحة لمنصب حاكم الولاية.

وصادف ان قام كروسيتي باعادة اعتقال الرجلين في نفس اليوم الذي تسلم فيه الرسالة، ولكن ليس لان ايرليش طلب منه ذلك. وقال موضحا ذلك «تسلمت الرسالة بعد ان كنت قد اتخذت قراري بناء على المعلومات التي تلقيتها من (اف.بي.آي)».

ولكن شبهة التدخل السياسي اثارت الدهشة في كندا، لان اثنين من الرجال، زازاي، واونسير حفيظ، يحملان الجنسية الكندية، كما ان نصرى «لاجئ حاصل على الاقامة الدائمة» وينتظر الحصول على الجنسية.

قال المتحدث باسم الشؤون الخارجية الكندية، رينالد دويرون، وهو يعلق على تدخل ايرليش «فلنقل ان هناك عوامل غير قانونية في هذه القضية».

وبالاضافة الى حديثه الى وسائل الاعلام عن شكوكه المتعلقة بالارهاب، تحدث ايرليش عن هذه القضية في شهادته امام الكونغرس، وسخر من الاستعداد الذي ابدته وكالة الامن القومي في البداية لاطلاق سراح الرجلين بضمان.

ومن جانبهم، قرر قضاة الهجرة احتجاز الرجال، وبنوا قرارهم ذلك على مطالبة «اف.بي.آي» باعطائه الوقت الكافي لاكمال تحقيقاته حول الارهاب. ولم يشأ المكتب الافصاح عما توصل اليه، ولكن الواضح ان الاتهامات الاولية لم تتأكد، اذ تشير وثائق المحكمة والمقابلات التي اجريت الى ان الشقة لم تكن بها لا معدات تزوير ولا وثائق مزورة، وهذا يناقض مباشرة الانطباعات الاولية للشرطة.

اما مواقع الانترنت الخاصة بمدارس الطيران والمطار فقد اختلقها احمد شاه ملغراي، الكندي الجنسية وشقيق المعتقل زازاي. وقال ملغراي في شهادة تحت القسم انه تلقى درسا واحدا بمبلغ 49 دولارا بديلاوير، اواخر عام 2000 او اوائل عام .2001 واضاف ملغراي، الذي يستخدم ايضاً اسم خطاب، انه استخدم الكومبيوتر لتحضير مقالة عن التحديات التي تواجه المسلمين الذين يرغبون في دراسة الطيران بعد هجمات 11 سبتمبر.

وفي ما يتعلق بكلمة «الجهاد» فكانت ضمن آيات من القرآن او كتابات من مصادر دينية اخرى. وقد كتب بعضها باليد في كراسة للادعية، وذلك بناء على الاقوال التي ادلى بها محامو المتهمين الذين قالوا ان «الجهاد» لا يعني دائماً القتال وانما الى جهاد النفس.

اما الصور التي وجدت بالشقة فلم تكن اهدافا ارهابية بل كانت بطاقات تصور مواقع سياحية، كما قال مصدر حكومي. وقال كروسيتي، المدير الاقليمي لوكالة الامن القومي، انه يعتقد ان النظام المتبع عمل بصورة جيدة في قضية شارع ليبرينث.

ولا يستطيع 2000 من موظفي وكالة الامن القومي ان يتابعوا حوالي 8 ملايين من المهاجرين غير القانونيين، ولذلك يعتمدون على الحالات العشوائية مثل تلك التي حدثت يوم 10 سبتمبر، للعثور على المخالفين.

ومع ذلك قال كروسيتي ان الشرطة يجب الا تتخطى الحدود في بحثها عن الارهابيين. ولكنه لم يقصد بذلك توبيخ شرطة بالتيمور على وجه الخصوص، وقال «إن مجرد كون المرء اجنبيا لا يعني انه موجود في البلاد بصورة غير قانونية، دع عنك ان يكون مرتبطا بالارهاب». واوضح كروسيتي ان وكالته ستقدم برنامجا تدريبيا لاقسام الشرطة حول قضايا الهجرة.

وقد تسببت اعتقالات بالتيمور في ردود فعل سلبية في كندا. فقبل اسبوعين، وكاستجابة للسياسات الاميركية الجديدة حول الهجرة، حذرت الحكومة الكندية مواطنيها المولودين في خمسة اقطار مسلمة الى التفكير بحذر شديد قبل السفر الى الولايات المتحدة.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»