المتحدث باسم حركة قرنق لـ«الشرق الأوسط»: لا نريد عاصمة علمانية في الخرطوم بل عاصمة تحكمها قوانين مثل القاهرة

ياسر عرمان قال إن قانون السلام الأميركي يدعم العناصر التي ترغب في السلام داخل النظام

TT

انفضت جولة مفاوضات ماشاكوس الثانية بكينيا، بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان. واختلف المفاوضون فيما بينهم حول كثير من النقاط مثار البحث وفشلوا في الوصول الى اتفاق شامل ونهائي حول تقاسم السلطة والثروة، كما اختلفوا بعدها حول تقييم نتائجها، وباتوا بين متفائل وحذر ومتشائم. «الشرق الأوسط» التقت ياسر عرمان المتحدث باسم الحركة الشعبية التي يقودها العقيد جون قرنق وأحد ابرز اعضاء وفد الحركة الى المفاوضات. واكد عرمان ان الحركة لاتريد عاصمة علمانية بل عاصمة تحكمها قوانين كتلك التي تحكم القاهرة صاحبة الالف مئذنة. واشار الى ان قانون السلام الاميركي يدعم العناصر التي ترغب في السلام داخل النظام قبل الحركة الشعبية نفسها. كما اكد انهم يرفضون اقامة انتخابات قبل ان تلملم الاحزاب والقوى الاخرى اطرافها.

* هل انتم راضون عما حققته الجولة الثانية من مفاوضات ماشاكوس؟

ـ نحن راضون بالرغم من ان الوفد الحكومي لم يكن يتمتع بالمرونة الكافية، وكان يمكن ان تصل الجولة الى نتائج اكبر في اعتقادي اذا اتخذ الجانب الحكومي عددا من المواقف. وعلى الرغم من عدم تمكننا من الوصول الى اتفاق حول قضايا رئيسية في موضوعي السلطة والثروة، لكن الجولة وصلت لاول مرة الى اتفاق حول قضايا محورية في الصراع السياسي اولها موضوع حقوق الانسان.. وثانيها فتح نافذة ستتسع في المستقبل لمشاركة القوى السياسية، تمثلت في الحديث عن العملية الدستورية والانتخابات العامة وحكومة الوحدة الوطنية.. كل ذلك بمشاركة القوى السياسية. وتطرقت ايضا لموضوع هام وهو اعادة هيكلة الدولة، باعادة الاستقلالية والتوازن للخدمة المدنية والقضاء. كما وضعت مبدأ عاما حول مؤسسة الرئاسة بالاتفاق على اتخاذ القرارات بالمشاركة بين الطرفين.

* هل يعني ذلك مؤشرات لاحتمال التوصل الى سلام حقيقي؟

ـ نحن متفائلون.. خاصة ان الوضع الداخلي والاقليمي والعالمي، يشير الى امكانية تحقيق السلام.. ورغم وجود تيار داخل النظام يؤمن بالحرب، وهو تيار مؤثر ولكن لا مستقبل له.. لذلك فنحن متفائلون.

* لكن الحكومة تقول ان لديكم ايضا تيارا متشددا؟

ـ هذا حديث غير صحيح، ومتناقض مع ما ظلوا يرددونه عن مركزية وفردية اتخاذ القرار في الحركة.. لكن الحركة موقفها واضح وموحد ووضعها مختلف عن وضع النظام.. لان النظام مطالب بتقديم تنازلات تخاطب الحد الادنى الذي يرضي الحركة والقوى السياسية الاخرى.. لذلك وضعه صعب وتياراته متضاربة.

* هناك اتهام موجه لكم وللحكومة بانكما تتجهان لقسمة غنائم حربكما الطويلة؟ ـ الحركة الشعبية ظلت تدعو للاجماع الوطني لحل قضية الحرب منذ ان طرحت فكرة المؤتمر الدستوري 1985، ولو ارادت غنائم وصفقة، لتوصلت اليهما منذ أيام المشير جعفر نميري ولما انتظرت 20 عاما.. انظر كم قدمنا من ضحايا وشهداء. وقد ظل موقفنا المبدئي هو ضرورة الوصول الى سلام عادل وشامل مسنود بتضحيات 14 عاما من منازلة النظام. وظل هذا الخط بدون تردد حتى اثمر أخيرا.

* ولكن تردد على لسان مفاوضين حكوميين انكم كنتم تسعون لمكاسب باسم الحركة، ورفض الجانب الحكومي ذكر اسماء او احزاب في الوثائق؟

ـ هذا غير صحيح اسم الحركة ورد في فقرات عديدة من الوثائق، فالحكومة هي التي تريد حصر الحركة كحركة جنوبية تتحدث عن الجنوب فقط، وانها هي ممثلة الشمال والسلطة المركزية الذي يفاوض اقليما متمردا. ولكن هيهات ان تصل الى ما تريد، وما نطلبه هو سلام قائم على توازن المصالح بين الطرفين. وقد ظلت الحكومة تردد طوال سنين ان طرفي النزاع في الايقاد هما الحكومة والحركة وهي ذات الحجة التي استبعدت بها الاخرين من القوى السياسية. وفي نهاية المطاف فان الاتفاقية سيوقعها رئيس الحركة الشعبية وباسم الحركة الشعبية.

* يتردد كثيرا ان الحركة ترفض فكرة قيام انتخابات عامة مبكرة في الفترة الانتقالية؟

ـ لسنا ضد اجراء انتخابات عامة، ولكننا ضد الفكرة التي يروجها النظام باجرائها في العام الاول من الفترة الانتقالية، لان ذلك ببساطة يعني ان النظام يستخدم موارده وهياكله للفوز بالانتخابات بينما القوى السياسية الاخرى مغيبة طوال 14 عاما. كما ان المناطق التي تسيطر عليها الحركة بالذات فيها الملايين من النازحين واللاجئين، فكيف نجري انتخابات قبل ان تتم عودتهم وتوطينهم ومشاركتهم، وكيف نجري انتخابات قبل اعادة هيكلة مؤسسات الدولة الحالية، وكيف نجري انتخابات قبل ان تتمكن القوى السياسية من ترتيب اوضاعها ومؤسساتها. نحن نختلف في موعد الانتخابات وليس في اجرائها. النظام قائم على المكر والخديعة. ولن نشتري بضاعة مثل تلك. نحن مع الانتخابات في زمن معقول ومناسب.

* ماذا لو جاءت الانتخابات بقوى سياسية جديدة الى السلطة؟

ـ اتفاقية السلام التي ستوقع ستكون ملزمة لأي قوى سياسية تفوز في الانتخابات سواء كانت موقعة على الاتفاقية ام لم توقع. وحتى اذا فقد طرفا الاتفاقية مواقع في السلطة التنفيذية والتشريعية عبر الانتخابات فان نفاذ الاتفاقية سيسري، بغض النظر عمن يجلس على الكراسي التنفيذية او التشريعية حتى نهاية الفترة الانتقالية واجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير الذي سيرتب اوضاعا جديدة ونهائية.

* فهم البعض من بعض الترتيبات حول موضوع الرئاسة ان الجنوبيين حدودهم عند نائب الرئيس او النائب الاول.

ـ الاتفاقية لا تنص على قوالب طائفية على اساس الدين او العرق او الاقليم. فمن حق اي سوداني من اي اقليم اتى ان يترشح لموقع الرئيس في اي انتخابات عامة. حتى دستور النظام الحالي الذي سيتم تغييره بموجب الاتفاقية ينص على حق السودانيين جميعا في الترشح لموقع الرئيس. اما بالنسبة للفترة التي تسبق الانتخابات فان موضوع مؤسسة الرئاسة هو قسمة وترتيبات بين طرفي الاتفاق.

* هناك تفسيرات مختلفة حول موضوع حكومة الوحدة الوطنية، فالجانب الحكومي يقول انها بين طرفي الاتفاق مع مشاركة ضئيلة من بعض القوى الاخرى؟

ـ المبدأ المتفق عليه ان حكومة الوحدة الوطنية ستضم طرفي الاتفاق والقوى السياسية الاخرى من المعارضة والموالية للنظام شمالا وجنوبا.. ولم يتم الاتفاق بعد على النسب..

* هل الحركة مستعدة للتقاسم السلطة في الجنوب مع الفصائل الجنوبية التي تقف مع الخرطوم؟

ـ نحن على استعداد لمشاركة كل القوى الجنوبية المعارضة للنظام مثل «اليوساب»، ولسنا على استعداد فقط، بل نحن ندعو الى ذلك. اما القوى الجنوبية الموالية للنظام فهي مسؤولية النظام.

* الرئيس البشير شدد اخيرا على ان الخرطوم لن تكون عاصمة علمانية؟ ـ موضوع العاصمة يجب حله بالحكمة، نحن لا نطالب بعاصمة علمانية.. بل نطالب بعاصمة تطبق فيها نفس القوانين التي كانت مطبقة قبل سبتمبر (ايلول) 1983، وهي القوانين التي طبقت على أيام السيدين، علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي، فهل تشك الانقاذ في اسلامهما. وهي نفس القوانين التي تطبق في اكبر عاصمة اسلامية مجاورة لنا وهي القاهرة، فهل القاهرة هي عاصمة علمانية، وبها الف مئذنة. ان عدم الاتفاق على عاصمة موحدة يعني عدم الاتفاق على بلد موحد. ونحن لا نطالب بالعاصمة كلها بل بمحافظة الخرطوم فقط.

* ما هي المكاسب والانجازات التي حصلتم عليها من هذه الجولة؟

ـ الحركة لا تنظر للسلام على اساس الربح والخسارة لهذا الطرف او ذاك، بل ترى ان هنالك مسببات للحرب يجب ان يعالجها اي اتفاق اذا ما اريد له البقاء. كذلك ارى ان هناك تنازلات موضوعية قدمناها لوقف الحرب. ونرى في نهاية الامر ان الاتفاق يجب ان يأتي وفق ارادة الطرفين ورضائهما، وان يقوم على توازن المصالح، وان يؤدي الى مصالحة وطنية حقيقية بين جميع الاطراف مما يمكنهما من خلق مجموعة وارادة مشتركة تتجه نحو تنفيذ الاتفاق بنزاهة ونحو التنمية.

* هل توجد لديكم مخاوف بعينها من انهيار هذه المفاوضات؟

ـ ان تتعلم ان الثقة هي اهم عامل في هذه المفاوضات، وفقدانها بين الطرفين يسبب المخاوف. نحن نتخوف من ان يكون النظام غير جاد، ويأخذ العملية السلمية على نحو تكتيكي او استراتيجي.. احيانا نجد اشارات متناقضة، وعدم رغبة في تقديم تنازلات ولكننا نثق في انفسنا، ونثق ان الضمانة الاولى هي وحدتنا الداخلية وعدالة قضيتنا والتأييد والاستعداد للتضحية من قبل الجماهير التي ساندتنا طوال عشرين عاما.

* هناك مواضيع شائكة ما زالت في انتظاركم، ايها اكثر صعوبة؟ ـ تبقت قضايا عديدة وكبيرة شائكة مثل المناطق الثلاث (النيل الازرق وجبال النوبة وابيي)، والترتيبات الامنية. وفي موضوع السلطة تبقت قضية مؤسسة الرئاسة، والعاصمة القومية، ونسب التوزيع في الجهازين التشريعي والتنفيذي. وفي مجال الثروة. وهناك نسب توزيع عائدات البترول، وملكية الارض والبنك المركزي والعملة وغيرها.

* الجانب الحكومي قال انكم طلبتم نسب مبالغ فيها حول تقسيم عائدات البترول وصلت الى 85 في المائة؟ ـ غير صحيح، نحن طالبنا بـ60 في المائة من عائدات البترول لاسباب تتعلق بالدمار الذي احدثته الحرب وبرامج اعادة التأهيل والتوطين ومعالجة فروقات التنمية غير المتوازنة. وفي كل الاحوال فان القضايا يجب ان تبعد من المزايدات والاستقطاب واثارة الرأي العام.

* يقال ان الحركة تشددت في مواقفها اكثر في الجولة الاخيرة خاصة بعد توقيع قانون سلام السودان الاميركي؟ ـ بالعكس موقف الحركة كان مرنا بينما تشدد الموقف الحكومي، الحركة قدمت تنازلات في موضوع الرئاسة الدورية وقبلت باقتراح الوسطاء بمنصب النائب الاول للرئيس او ان تكون مؤسسة الرئاسة بين الرئيس ونائبه. وقبلت بتأجيل قضية المناطق الثلاث، على ان تضمن في الاتفاق النهائي.. وقبلت بتمديد الهدنة حتى مارس (اذار) وهو الامر الذي لم تفعله طوال السنوات الماضية، والشاهد ان الحركة لم تغير أيا من مواقفها التي طرحتها في الجولات السابقة. اما عن قانون سلام السودان الاميركي فهو يسهم في الحد من مراوغة العناصر الساعية للحرب في النظام وسيجعل من السلام الخيار الوحيد امامهم، بل استطيع ان اقول ان القانون يدعم العناصر التي ترغب في السلام داخل النظام قبل غيرها.. وقبل الحركة الشعبية.

* المفاوض الحكومي سيد الخطيب قال ان الحركة مترددة في توقيع اتفاق سلام لسيطرة فكر الحرب داخلها، وانها ستواجه بعد السلام بجنوبيين متمرسين في الامور السياسة بالداخل؟

ـ الحركة الشعبية تسيطر الان على اراضي اكبر من مساحة اوغندا، وتمارس فيها اعمالا سياسية وادارية وليس عملا حربيا فقط. وفكرة السودان الجديد التي قامت عليها الحركة فكرة فلسفية وسياسية ومعرفية.. وليست حربية. والحركة لم تتحدث عن جاهلية القرن العشرين او اميركا قد دنا عذابها، او عن اسلمة بابا الفاتيكان.. بل ان وجودها داخل التجمع قائم على الاعتراف بالاخر، وليحدثنا سيد الخطيب عن تفسيره لما جرى طوال 14 عاما الماضية من اعلان الجهاد على مواطنيه، وبيوت الاشباح وغيرها وعن التصفية العرقية. اي فكر انساني يمثل هذا النشاط والممارس؟

* هل تراجع شبح الانفصال بالنسبة للسودانيين؟

ـ الحركة داعية وحدة ولكن وحدة على اسس جديدة.. واصرار الطرف الآخر على قيام نظام يميز دينياً بين المواطنيين، هو الذي يهدد وحدة السودان.