القيادة العسكرية الأميركية تطور خطة شاملة لكسب حروب المستقبل عبر الحرب الإعلامية

استراتيجية ذات جانب عسكري بحت يدمر اتصالات الخصم وآخر إخباري دعائي يؤثر على نفسيته

TT

ضمن تحول شامل في القطاعات العسكرية الأميركية، يقوم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وكبار مساعديه بمراجعة المهام العسكرية وتأسيس دوائر جديدة لكي تصبح «حرب الإعلام» عنصرا مركزيا في أي حرب تخوضها الولايات المتحدة. ويأمل البعض أن يبلغ هذا الجانب نفس درجة الأهمية التي تتمتع بها القنابل وقذائف المدفعية.

وما يبعث على الاضطراب في رؤية رامسفيلد لحرب المعلومات أن لها عنصرين داخلها أثناء زمن الحرب حيث يدخل عنصر الاتصالات كطرف فعال فيها على عكس ما هو الحال الآن.

ويعتبر العنصر الاول عسكريا بحتا، اذ يتضمن هجمات على اتصالات الرادارات وأنظمة المعلومات الأخرى التي يعتمد عليها الخصم في تسيير قدراته على القتال. ويشمل هذا الصنف الحرب النفسية التقليدية مثل إسقاط منشورات أو بث إعلام دعائي بين وحدات الخصم.

أما العنصر الثاني فهو غير مباشر، ويتمثل في نشر معلومات عامة يحتاج إليها الشعب الأميركي كي يعرف ما يجري خلال الحرب، وكي يحدد على ضوئها موقفه. ومن المفترض أن تكون هذه المعلومات صحيحة.

ومع تبني هذه السياسة الجديدة، تزايد مسح الحدود الفاصلة بين المعلومات الحقيقية والأخبار من جانب، والعلاقات العامة والدعاية والحرب النفسية من جانب آخر، اذ بينما تكون السياسة المتبعة تستهدف الخصم ظاهريا، فان ضحاياها سيكونون في الغالب هم الناخبون الأميركيون.

وجرت أولى خطوات رامسفيلد في هذا الميدان الخطير العام الماضي حينما تم تشكيل «مكتب التأثير الاستراتيجي» التابع لوزارة الدفاع (البنتاغون). وكانت إحدى مهام هذا المكتب المعلنة بث المعلومات الخاطئة والدعاية المضللة لمساعدة الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب.

والهدف المعلن لهذا المكتب هو الإعلام الأجنبي، خصوصا في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا. ومثلما أكد المنتقدون، فإنه ليست هناك وسيلة في عصر الاتصالات الفورية بين كل أصقاع الكرة اللأرضية أن تتمكن واشنطن من القيام بنشاطات الدعاية خارج الولايات المتحدة بدون أن يتم بث نفس تلك الدعاية داخليا.

ولمواجهة الاحتجاج الشعبي المتصاعد تجاه هذه السياسة أعلن رامسفيلد أن ذلك لم يكن إلا نتيجة لسوء الفهم. فالبنتاغون لن يكذب أبدا على الأميركيين. كذلك تم إغلاق «مكتب التأثير الاستراتيجي»، لكن هاجس السيطرة على الإعلام الشعبي وتكييفه لأهداف الحكومة لم يتم تلاشيه.

فخلال العام الجاري، شكل رامسفيلد موقعا وظيفيا جديدا هو السكرتير الثاني المساعدلـ «الخطط الخاصة»، واعتبرت العبارة صيغة أنيقة خفية لعمليات التضليل. وسيكون المسؤول على سياسة الخطط الخاصة في قمة بناء إداري يتم إنشاؤه تحت يافطة «حرب المعلومات».

وللوصول إلى ذلك تسلمت «القيادة الاستراتيجية الأميركية» في الاول من أكتوبر (تشرين الاول) الماضي وبشكل لم يثر ضجة الإعلام جميع المسؤوليات المتعلقة بالهجمات المعلوماتية على الصعيد العالمي. ولم تكن هذه الوكالة حتى ذلك التاريخ تركز على أي شيء عدا الأسلحة النووية. كذلك تم تحويل مهام القوة الجوية الثامنة التي كانت مكلفة بقيادة القصف الجوي والتي نفذت الحرب الجوية ضد ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، إلى أطراف أخرى كي تركز بشكل خاص على الهجمات المعلوماتية التي تنفذ على الصعيد الدولي.

وفي الوقت نفسه، عززت القوة البحرية الأميركية جهودها ضمن إطار قيادي جديد يسمى «القيادة الحربية لشبكة القوة الجوية». بينما أصبحت «خطة القدرات الاستراتيجية المشتركة» التي أعدتها هيئة الأركان العسكرية العامة تتضمن معلومات لها نفس الأهمية في الميادين الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية.

وتُعتبر خطة القدرات الاستراتيجية الموجه الرئيسي للحرب بالنسبة للقيادة العسكرية الأميركية. فهي تنشئ ما يسمى بـ«الخيارات الرادعة والمرنة للمعلومات» بما يتعلق بالحروب على المستوى العالمي، مثل الحرب على الإرهاب، والخطط المنفصلة التي تهيئ لمسارح حرب من جانب واحد مثل الحرب المحتملة ضد العراق.

ويمكن القول ان الوثائق الجديدة والتغييرات التنظيمية الكبيرة التي تقف وراءها تركز بالدرجة الأولى على مهام مثل التشويش الالكتروني وتضليل أنظمة رادار الخصم وعرقلة شبكات القيادة والسيطرة لديه. وفعاليات من هذا النوع تدفع إلى الأمام تلك الجهود التي ظلت جزءا من تكتيكات الولايات المتحدة العسكرية لعقود كثيرة.

لكن تلخيصا لخطة القدرات الاستراتيجية ولمجموعة كبيرة من وثائق البنتاغون يكشف ان الأسلوب الجديد يشمل كذلك عناصر أخرى، مثل إدارة المعلومات الموجهة للجمهور، والجهود الهادفة للسيطرة على مصادر الوسط الأخباري، والتلاعب بالرأي العام. وملخص الخطة على سبيل المثال يتحدث عن التضليل «الاستراتيجي» وعن «عمليات التأثير» كأدوات أولية في حروب المستقبل.

وحسب توجيه آخر صادر من البنتاغون حول سياسة حرب المعلومات، سيكون على القادة العسكريين أن يستعملوا «العمليات» المعلوماتية لرفع «معرفة الجمهور، وكسب تأييد أكبر للسياسات الائتلافية والقومية والأهداف ولمواجهة الدعاية المضادة ومواجهة المعلومات الخاطئة التي تتسرب إلى وسائل الاعلام».

ووضعت كل من قيادتي القوة الجوية والقوة البحرية عنصر التضليل كواحد من خمس مهام تدخل ضمن حرب المعلومات، جنبا إلى جنب مع الهجوم الالكتروني والحماية الالكترونية والهجمات النفسية والقضايا التي تخص الرأي العام. ولكي يتم القيام بعمل جيد في ميدان التضليل، أصدرت هيئة الأركان العامة «سياسة مشتركة للتضليل العسكري» توجه الدوائر كلا على حدة كي تعمل بأداء مهامها أثناء السلم والحرب معا. وأمرت هذه الوثائق بشكل خاص القوة الجوية الأميركية بتطوير نظرية وتقنيات أفضل لإدخال عمليات التضليل كجزء من أي خطط حربية.

ومن جانبها، بدأت القوة الجوية كرد فعل على تلك الأوامر بتعريف التضليل العسكري بأنه فعل يقوم «بتوجيه الخصوم توجيها خاطئا مما يجعلهم يتصرفون حسب أهداف الولايات المتحدة».

وقال قائد القوة البحرية الأدميرال جون كراير الذي عمل في موضوع حرب المعلومات في «مركز العمليات الجوية المشتركة» خلال حرب أفغانستان «لقد اقتنعنا بأننا كنا نفقد حرب المعلومات في بداية الحرب حينما كنا نشاهد محطة الجزيرة». وما كان يعنيه كراير من تصريحه الذي جاء ضمن مؤتمر صحافي أجراه في أكتوبر (تشرين الاول) الماضي، أن تمثيل وجهة النظر الأميركية على المحطة التلفزيونية العربية كان ناقصاً. وأضاف كراير «تمكنا من التغلب على ذلك لكننا احتجنا إلى وقت أطول مما ينبغي».

وليس هناك شيء خاطئ في السعي لتمثيل وجهة النظر الأميركية بشكل عادل في الإعلام، داخل وخارج الولايات المتحدة. لكن القيام بذلك بشكل صحيح يتطلب انفتاحا أكثر وتخليا أكثر عن السرية غير الضرورية. الا ان المشكلة تكمن في رؤية رامسفيلد لحرب المعلومات، إذ أنها تدفع إلى ما وراء التصور الذي يرى أن الأفكار الأميركية والمعلومات يجب أن تتنافس مع أفكار ومعلومات الخصم على مستوى ساحة اللعب نفسها. فرؤية رامسفيلد من خلال مزجها بالمعلومات الموجهة للجمهور الأميركي وعنصر التضليل بدأت تتجذر داخل الدوائر العسكرية نفسها.

وعلى سبيل المثال، تعلن التعاليم الخاصة بالقوة الجوية الآن أن الإعلام يمكن أن يُستخدم فقط لتحويل «اهتمام القيادة السياسية بقضية ما»، لكنها أيضا تدعو إلى تجنب «أن يذهب الإعلام إلى مصادر أخرى (مثل خصوم الولايات المتحدة أو منتقدي سياستها) للحصول على المعلومات». اي بصيغة أخرى، تشمل حرب المعلومات الآن السعي للسيطرة أقصى ما يمكن على ما يمكن للجمهور الأميركي أن يشاهد أو يقرأ.

وضمن هذا الوضع، يصبح الوقوع في أعمال تسبب أذى ما قائما، خصوصا مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الكثير من العمليات العسكرية الأميركية تجري هذه الأيام بشكل سري. فالأميركيون يقومون بعمليات كثيرة داخل قواعد سرية في بلدان مثل أذربيجان وشمال العراق، ويقال إن هناك وحدات تابعة للقوات الخاصة الأميركية تقوم بعمليات في غرب العراق أيضا. وفي الوقت نفسه تستخدم القوات العسكرية الأميركية التسهيلات المتوفرة لها حاليا في العديد من بلدان الخليج.

وفي كل هذه الحالات وغيرها أصبحت وسائل الإعلام الأميركية والغربية معتمدة على المعلومات التي تقدمها الدوائر العسكرية الأميركية لها. وقد يكون ذلك ناجما عن عدم تمكن الصحافيين من السفر إلى بعض أجزاء العراق وأجزاء أخرى من المنطقة بدون مرافقة عسكريين لهم، لذلك فما ينقلونه هو فقط ما يبلغه اياهم العسكريون.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»