نائب الترابي لـ«الشرق الأوسط»: لم نختلف مع حكومة البشير على الدين أو الدولة بل اختلفنا على السلطة

علي الحاج: جهاز الأمن السوداني كان يعلم بمحاولة اغتيال مبارك والأفضل أن يبقى الترابي في السجن

TT

يعد الدكتور علي الحاج محمد نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي (نائب الترابي) من أبرز قيادات الحركة الإسلامية في السودان المعاصرين، تولى مناصب قيادية رفيعة وكان وزيرا للتجارة في حكومة الوفاق الوطني برئاسة الصادق المهدي. وتولى منذ بداية الإنقاذ ملف الجنوب لنحو تسع سنوات. وبعد أحداث رمضان 1999 والإطاحة بزعيم الحركة الإسلامية في السودان الدكتور حسن الترابي اختار الحاج أن يبقى مع الترابي ويترك بريق السلطة وينضم لصفوف المعارضة. وتحدث الحاج في حوار مع «الشرق الأوسط» عن مفاوضات السلام، وقال إن مفاوضات ماشاكوس «كذبة كبرى وإن السلام بعيد المنال». وانتقد الطريقة التي كانت تعمل بها الأجهزة الأمنية في السودان، وقال «إنهم لم يلتفتوا إلى ما تقوم به إلا بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك». وأشار إلى أنهم عرفوا بعدها أن الأجهزة الأمنية السودانية تورطت في هذا الموضوع من دون أن تستشير أحدا. وفي ما يلي نص الحديث:

* كنت المسؤول الأول عن ملف الجنوب في أول عهد الإنقاذ كيف تقيم اتفاقات ماشاكوس؟

ـ في اعتقادي أن اتفاق ماشاكوس رغم أنه يحتوي على بعض الإيجابيات إلا أنه لا يعني شيئا بالنسبة لي، لأن الجانب الحكومي الذي أعرفه وأخبره تماما غير جاد في تحقيق السلام، وحتى لو تم توقيع اتفاق شامل فإنه لن يلتزم به وقد اشتهر بنقض العهود والمواثيق والاتفاقات. أنا لا أفتري على أحد ولكن أتحدث عن تجربة، والتاريخ يشهد عليها، وأتحدث عن أناس عشت بينهم لسنوات وخبرتهم وأعرف آراءهم في السلام وفي الجنوب. وقد حذرنا الحركة منهم.

* ولكن المجتمع الدولي تغير فهناك ضغوط بعد أحداث سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة قد تجبرهم على تغيير مواقفهم التي كنت تعرفها؟

ـ نعلم أنه من الممكن أن يتم توقيع السلام تحت عصا الضغوط الخارجية، ولكن أن يتم توقيع السلام شيء، وأن يتم تنفيذه شيء آخر، لكن السلام الحقيقي لن يحدث لأن الموجودين في الحكومة الآن لا عهد لهم. ودليلي على ذلك أننا في بداية الإنقاذ سعينا من أجل تحقيق السلام بكل صدق، وكنت أتابع شخصيا هذا الملف منذ بداية التسعينات. وفي عام 1992 أنجزنا إعلان فرانكفورت بألمانيا وقابلت قرنق في فبراير (شباط) 1993 في عنتيبي، بأوغندا برعاية الرئيس يوري موسيفيني، وأجرينا مفاوضات في أبوجا الأولى والثانية بنيجيريا، قبل أن ينتقل الأمر إلى منظمة الإيقاد. وكحصيلة لهذا الجهد المضني، توصلنا إلى اتفاق مع 7 فصائل جنوبية في ما يعرف بـ«اتفاقية الخرطوم للسلام» ولكن أين هذه الاتفاقية؟ لقد تم نقضها رغم أنها ضمنت في الدستور الذي وضعناه عام 1998 كما تم خرق الدستور نفسه من قبل قادة الحكومة الموجودين على السلطة الآن. وكما يقول المثل «كيف أعاهدك وهذا أثر فأسك». وللأسف نقول إن السلام ما يزال بعيدا.

* قلت إنكم حذرتم الحركة من الحكومة.. عن ماذا أخبرتموهم؟

ـ أخبرناهم أن الحكومة ليس لها كلمة ولا تحفظ عهدا أو ميثاقا، وقلنا لهم اذهبوا معهم حتى النهاية، فالحكومة تستطيع التوقيع على أي اتفاق في سبيل أن تبقى لكنها لن تنفذ شيئا، ويبدو أن قادة الحركة أنفسهم تأكدوا مما قلنا لهم بعد خروج الحكومة من مفاوضات ماشاكوس الأولى بذريعة توريت، ولم تشفع اتفاقية ماشاكوس الأولى كما لم تشفع مقابلة قرنق للرئيس في كمبالا. ونحن نتساءل لماذا انتكست ماشاكوس الأولى بعد ما قال الرئيس إن قرنق وطني ووحدوي، وقال إن السلام في جيبه، وقال إن الشريعة التي تحققت في ماشاكوس أفضل من الشريعة التي تحققت في الدستور، لماذا انتكست إذن.

* هناك من يشير إلى احتمال أن تتجه الحكومة والحركة لقسمة ثنائية للسلطة؟

ـ هذا لن يحدث أبدا، قد تبحث الحكومة عن السلام، ولكن السلام الذي يبقيها على قمة السلطة، بمفردها مع وجود ديكورات أخرى مثل ما حدث مع مبارك الفاضل والشريف الهندي. والحكومة يمكن أن توافق على فصل الدين عن الدولة، وعلى دولة علمانية، لكنها لن توافق أبدا على اقتسام السلطة مع أحد. وأنا كنت دائما أقول هذا الحديث لقادة الحركة. إن القضية ليست قضية الدين والدولة أو العلمانية بل هي قضية السلطة وكراسيها. ونحن لم نختلف مع الموجودين في السلطة في موضوع الدين أو الدولة بل اختلفنا معهم في السلطة، ولم يكن الاختلاف على كرسي الرئيس أو نائبه، بل على كرسي الوالي، كنا نريد لأهل الولايات أن يختاروا ولاتهم، ولكن الرئيس ونائبه كانوا يريدون أن يتم اختيار الولاة بالتعيين من الخرطوم. فالشخص الذي لا يفرط في كرسي والٍ.. كيف تريد منه أن يفرط في كرسيه الذي يجلس عليه للآخرين. وعندما طرحت حركة قرنق موضوع الرئاسة الدورية جن جنون الرئيس ونقض كل ما قاله عن قرنق، وأصبح قرنق خائنا، وغير وطني، وعندما تراجعت الحركة وطرحت منصب النائب الأول جن جنون النائب الأول، ورفض وقال إن قرنق يجب أن يكون نائبا ثانيا حتى لا يرث الرئاسة، وهذا بالطبع ليس معيارا دينيا، وإنما هو معيار السلطة فقط. لذلك هم يريدون سلاما من دون تفريط في السلطة والكراسي، وليس لديهم مانع في أن يزيدوا عدد الكراسي مثلما عملوا مع مبارك الفاضل والشريف الهندي.

* ما هي رؤيتك للحل وما هو المخرج؟

ـ ليس هناك حل أو مخرج إلا بذهاب هذه الحكومة. هذا ليس مستحيلا، ألم يذهب الاتحاد السوفياتي وهو إحدى القوى العظمى في العالم، ألم ينهر بعد 70 عاما، ولم تشفع له قوته العسكرية، أو النووية. أين تشاوشيسكو، ماذا حدث لشاه إيران وميلوشيفتش، أين هؤلاء؟ لقد رحلوا وهم في أوج قوتهم، هل هؤلاء أقوى أم حكام الخرطوم. وليتعلموا مما حدث في الانتخابات في باكستان وتركيا والمغرب عندما عبرت الجماهير عن رأيها. فكلما وقف القادة في وجه شعوبهم وضد رغباتهم فإنهم سيقولون يوما رأيهم بكل صراحة. وهناك حل آخر وهو أن تقبل الحكومة بالآخرين وتشرك الجميع في حل شامل من دون إقصاء، في إطار من الحرية والديمقراطية، رغم علمي أن الحكومة لن تذهب هذا المذهب لأنها لن تكتب شهادة وفاتها بيدها. والحركة الشعبية باتت تعلم هذه الحقائق وأن الطريق ليس ورديا كما كانت تتصور، والدليل على ذلك أن البشير رفض الاجتماع مع قرنق في نيروبي مرة أخرى والتقى مع رياك مشار الذي اتفق معه مرة ونقض الاتفاق معه.

* كنت قريبا من قادة الحكومة، هل صحيح أن هناك صقورا وحمائم حول قضية السلام والحرب؟

ـ في الحكومة مسؤولون عديدون لا يؤمنون بالسلام أساسا وبحق تقرير المصير، وعلى رأسهم الرئيس نفسه. وقد ذكر ذلك لثلاثة أشخاص هم الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، ومكي علي بلايل مستشاره السابق للسلام، وتعبان دينق والي الوحدة السابق. وأشار لهم إلى أنه لم يطلع على اتفاقية الخرطوم قبل التوقيع عليها وأنه لو كان يدري أن الاتفاقية تحوي بندا حول حق تقرير المصير لما وقع عليها. فإذا كان الرئيس نفسه لا يؤمن بحق تقرير المصير فما بالك بالآخرين. لذلك عندما قالوا لي إن الحكومة وقعت في ماشاكوس اتفاقا يعطي حق تقرير المصير للجنوب اعتبرت أن هذه الاتفاقية ما هي إلا كذبة كبرى.

* هل أنتم نادمون إذن على الإنقاذ؟

ـ نحن غير نادمين على قيام الإنقاذ، ولكن نعترف أن هناك شوائب وسلبيات شابتها، مثل أي تجربة سياسية أخرى، ولكن في الوقت نفسه كانت هناك إيجابيات كثيرة جدا، لكنها ضربت من قبل هذه الجماعة الحاكمة الذين رفضوا أن تكون هناك حريات وحقوق، وكان بعضهم لا يريد حتى إقامة دستور للبلاد وكان يفضل لو حكمنا البلاد بقبضة حديدية، إذن فالإنقاذ لم تكن سيئة في حد ذاتها ولكنها واجهت مصاعب كثيرة من خيانة البعض للأمانة، وكان عندنا أمل في هؤلاء لكن خاب ظننا فيهم.

* يتواصل اعتقال الترابي هل اقتنعتم بهذا المصير؟

ـ الذي حدث للترابي هو طغيان، ونحن نركز على إطلاق الحريات أولا، وهذا هو الأهم. أما إذا ما أطلقوا الترابي أو لم يطلقوه فلم تعد تلك مشكلتنا الأولى.. ولا بد أن نستعيد حرية المواطن أولا.

* الحكومة اتهمتكم مرات بالتخطيط لانقلاب، هل ما زلتم تفكرون بهذه الطريقة؟

ـ ليس في تفكيرنا أبدا القيام بانقلاب جديد، كفانا انقلابات، وقد عرفنا نتائجها. مشكلتنا أننا أصبحنا لا نؤمن بالانقلابات. نريد لهذه الحكومة أن تنتهي بطريقة أخرى غير طريقة الانقلاب. ولا نريد أن نقول «داوني بالتي كانت هي الداء»، نحن لن نحتاج لانقلاب لإسقاط الحكومة لأنها إذا لم تعد الحريات والديمقراطية فإن الشعب هو الذي سيسقطها عبر انتفاضة بدأت مقدماتها في جامعة الخرطوم والجامعات الأخرى.

* هل ما يحدث في جامعة الخرطوم وراءه «الشعبي»؟

ـ ليس الشعبي وحده بل كل الطلاب من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية، نحن لا ندعي أننا وحدنا الذين نشارك في هذا العمل بل معنا جماعات يسارية لديها باع كبير في هذا الأمر.

* علي الحاج انتقد في السابق المعارضة وقال إنها معارضة فنادق؟ هل ما زلت عند قولك؟

(أجري اللقاء في فندق تشرشل في لندن) ـ أنا لم أكن أقصد هذا القول بمعناه الشامل، ولكن للإشارة إلى أشياء محددة وبعينها، ولم أكن أقصد التعميم. علما بأنني الآن لا أعارض من أي فندق، نحن نعارض من الداخل. ولكن وكما هو معروف في دنيا السياسة يمكن أن تغير مواقفك، يمكن أن تكون مع المعارضة وتبقى بعد أيام مع الحكومة. وعلى سبيل المثال فإن الرئيس عندما زار بورتسودان قبل عام قال إن أي شخص معارض يريد دخول الحكومة لا بد أن يغتسل بماء البحر سبع مرات والثامنة بالتراب، ولكن هناك أناسا دخلوا الحكومة من المعارضة ولم يغتسلوا.. ولم يسأل الرئيس لماذا غيرت مواقفك.

* إذا طلبنا منك أن توجه انتقادا لنظام الانقاذ ماذا تقول؟

ـ أقول، أولا كان عندنا ثقة كبيرة جدا في بعض القيادات السياسية، «ثقة بالدين كده» يعني أي واحد يقول «أخوكم في الله» يكون فورا موضع ثقة، وكان هذا أكبر أخطائنا فقد منحنا ثقتنا لمن لا يستحق، أنا لا أقول إن افتراض حسن النية خطأ، ولكننا فرطنا في منح هذه الثقة. ثانيا غياب الحريات وغياب النقد. وأنا لا أشير هنا إلى الانتقاد الذاتي أو الداخلي لأنه ليس ذا قيمة كبرى، ولكن أقصد الانتقاد من الآخرين والرأي العام. كان لدينا نقد داخلي ولكن بلا قيمة. ثالثا، لم يكن هناك أي ضوابط على الأجهزة الأمنية، من الناحية الفكرية أو السياسية أو غيرها، ونحن لم نلتفت إلى ما تقوم به الأجهزة الأمنية إلا بعد حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، رغم أن الناس تحدثوا عن بيوت الأشباح وعمليات التعذيب هنا وهناك، ولكننا لم نلتفت إلى ذلك إلا بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس المصري، وعرفنا بعدها أن الأجهزة الأمنية السودانية تورطت في هذا الموضوع من دون أن تأخذ في الاعتبار رأي أي جهة من الجهات، أو تناقش هذا الموضوع مع أية جهة كانت. ولا نريد أن ندخل في هذا الموضوع فهو معروف لكم.

* هل أنتم الآن أقرب إلى طرح المعارضة أم إلى طرح الحكومة؟

ـ نحن أقرب إلى طرح المعارضة، لأن الحكومة ليس لديها طرح في الأساس. فهي تتحدث عن الشريعة ولكن لا تعرف ما هي الشريعة وهي تنقض العهد تخرق القوانين والدستور الذي صنعته بيدها وأقسمت عليه. وتكتم الحريات وتتحدث عن الشريعة في نفس الوقت، فكيف يستقيم ذلك. ليس بيننا وبينها أي قواسم مشتركة وهذه فرصة لأقول للذين يقولون إن لدينا قواسم مشتركة مع الحكومة، أنا أقول ليس لدينا أية قواسم فكرية مشتركة معها لأنها لا تحفظ عهدا قطعته.

* هل لديكم نية للانضمام إلى تجمع المعارضة؟

ـ أنا لا أريد أن أتحدث الآن عن الانضمام، ولكن عن التنسيق في الوقت الحالي، هناك كثير من نقاط الاتفاق، كما توجد نقاط اختلاف يجب معالجتها لنصل إلى فهم مشترك يساهم في تقبل بعضنا لبعض.

* هل تقبلون بدولة علمانية؟

ـ ليست المشكلة دولة علمانية أو دينية، ولكنت المشكلة أكبر من ذلك، فالمشكلة هي التشبث بالسلطة وكراسيها، وإذا وجدنا حلا لهذه المعضلة فكل شيء يمكن أن يهون. أنا قلت لقادة الحركة الشعبية لدى حضورهم إلى ألمانيا في فبراير (شباط) الماضي، إن المشكلة لن تنتهي إذا تم الإقرار بدولة علمانية أو دينية، فالقضية أعمق. وأنا أسأل هنا هل تمسك الحكومة بالشريعة معناه فقط أن يتمسك البشير بالسلطة؟

* كيف ترى مستقبل الحركات الإسلامية في العالم بعد 11 سبتمبر 2001؟

ـ بالطبع إن هذه الحركات دخلت مرحلة جديدة بعد 11 سبتمبر، ويجب أن تعيد النظر في كل طروحاتها، لا أعني في الفكر الإسلامي بل في أسلوبها وطريقة تفكيرها وفهمها للواقع.

* هل كنتم تؤيدون ما تقوم به؟

ـ قطعا إذا صح كل ما قيل في هذا الصدد فإنها تكون على خطأ، لأن غياب الحرية والمناقشة داخل الحركات جعل كثير من الإسلاميين ينطلقون من منطلقات مختلفة من بعضهم البعض، ونعتقد أنه بمزيد من الحريات السياسية خاصة في العالم العربي يمكن أن ينصلح الحال، ومهما كانت أحداث 11 سبتمبر فإن النتيجة التي خرجت بها انتخابات باكستان من فوز ساحق للإسلاميين تبين أن الناس هناك رغم أنهم لا يؤيدون ما حدث في سبتمبر في أميركا إلا أنهم قطعا ضد الطريقة التي عالجت بها الولايات المتحدة الأمور بعد تلك الأحداث. وكذلك الحال في تركيا.

* هل تتوقع أن يلتئم شملكم في السودان بعد الانقسامات الأخيرة؟

ـ من قال لك إننا منقسمون، ما عدا هذه الفئة الحاكمة، فالكل شعبي، ولو ذهبت السودان وسألت الوزراء في الحكومة من «تحت لتحت» سيقولون لك إنهم مع الشعبي وكذلك السفراء، وغيرهم، وغيرهم.

* إذا كانوا كذلك فلماذا يصرون على وضع الترابي في السجن؟

ـ لا نريدهم أن يخرجوه، «الأفضل له هكذا» وفي اعتقادي أن وضع الترابي الحالي يخدم القضية كثيرا، خاصة أن البشير يشترط سكوت الترابي مقابل خروجه من السجن، الأفضل أن لا يخرج الترابي إذا كان السكوت هو الثمن، وأنا قلت هذا الكلام للترابي نفسه.