لصوص السيارات في لبنان يتجاوزون مشكلة تصريف المسروق منها بـ«بيعه» إلى أصحابه

TT

حل لصوص السيارات اللبنانيون في الآونة الاخيرة ازمة تصريف «انتاجهم» عبر اعادة بيع غلتهم الى صاحبها الذي يفضل خسارة مبلغ من المال على فقدان سيارته نهائياً. وتورد التقارير الامنية اللبنانية يومياً الكثير من اخبار سرقة السيارات. والانواع المفضلة للصوص هي المرسيدس والـ «بي. ام. دبليو» والهوندا. ويكاد لا يخلو تقرير من فقرة او فقرتين تقول: «بنتيجة التحقيق المتعلق باقدام مجهول على سرقة سيارة... نوع... رقم... الساعة... من تاريخ... حضر (صاحب السيارة) الى فصيلة(الامن الداخلي)... وافاد انه عثر على سيارته.... وقد سلمت اليه بعد ان اجري المقتضى القانوني». يلجأ اصحاب السيارات الى اعلان عثورهم على سياراتهم هرباً من الملاحقة القانونية التي ستطالهم بسبب احجامهم عن الابلاغ عن المفاوضات التي أجروها مع السارق والمبلغ الذي دفعوه ثمنا لاستعادة سيارتهم بدلاً من اللجوء الى القضاء.

ويقتضي السيناريو الذي بات معروفاً، من صاحب السيارة المسروقة انتظار اتصال هاتفي بعد وضعه اعلاناً مبوباً عن فقدان سيارته واستعداده «لمكافأة» من يعلم عنها شيئاً عبر رقم هاتفي يذكره في الاعلان. وعندما يتم الاتصال به يُطلب منه غالباً الحضور شخصياً الى بلدة بريتال البقاعية لتسلم سيارته بعد تحديد الثمن المطلوب مرفقاً بتهديد شديد اللهجة بالتعرض له ولعائلته اذا «فاه» بشيء عن الموضوع. وعندما يصل الى المكان المتفق عليه يصبح تحت رحمة اللصوص، هو وامواله التي تصادر منه اذا شك هؤلاء بتحركاته او شعروا بانه ثري. وغالباً ما يجد سيارته مجردة من «الزوائد» وفق التعبير اللبناني، وهي راديو السيارة وفرشها الداخلي والاطارات والتجهيزات الالكترونية.

ويعمد بعض اصحاب السيارات المسروقة الى توسيط بعض معارفهم في المنطقة للاتصال بافراد العصابات او من لديهم القدرة للوصول اليهم لتسريع عملية التفاوض التي تنتهي غالباً باستعادة السيارة بعد دفع الثمن الذي قد يخفض قليلاً نتيجة «الوساطة».

ويخاف اصحاب السيارات من ابلاغ السلطات بسبب اعتقادهم بأن سارقيها «مدعومون ونافذون» وقادرون على الحاق الاذى بهم.

وازاء تنامي موجة السرقة لاعادة بيع المسروق ، عمدت قوى الامن اللبنانية الى تجهيز غرفة عملياتها برقم خاص مباشر من اربعة ارقام (1722) وضع بتصرف المواطنين في كل الاراضي اللبنانية وذلك لتسهيل اتصالهم من اي جهاز هاتفي ثابت او جوال والابلاغ فورا عن سرقة سياراتهم او عن مشاهدتهم لعملية سرقة.

وتردد ان عصابات سرقة السيارات المتعددة تعمد الى «بيع» السيارات المسروقة الى واحدة من عصابتين تتخذان من بلدة بريتال( احدى اكبر بلدات شرق بعلبك) مقراً لهما، حيث يعمد افراد هاتين العصابتين الى الاتصال بأصحاب السيارات المسروقة لبيعها لهم بأسعار تراوح بين 1200 و4000 دولار وفقاً لنوعية السيارة. غير ان اسعار بعض السيارات الفخمة قد تتجاوز هذه الارقام.

وتركز السلطات اللبنانية في خطتها الامنية الجديدة على مراقبة طريق عيون السيمان الجبلية التي تمر عبرها السيارات المسروقة في طريقها من بيروت الى البقاع. وتتجه لاقامة حاجز ثابت على هذه الطريق للتدقيق بالاوراق الثبوتية للسيارات العابرة.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان المدعي العام في البقاع القاضي عبد الله البيطار استدعى منذ اسبوعين رئيس بلدية بريتال ومخاتير البلدة سعياً لتسوية اوضاع المطلوبين من القضاء من ابنائها وعددهم 291 مطلوباً. وتقضي هذه التسوية بتسليم اصحاب الجنح والجرائم الصغيرة الى السلطات القضائية ومنحهم اسباباً تخفيفية، على ان يرفع الغطاء العائلي عن اصحاب «الجرائم الكبيرة» الذين يقارب عددهم الـ20 تمهيداً لدهم اوكارهم والقبض عليهم.

وقد حظيت بلدة بريتال، التي يلقبها البعض بـ«بريطانيا العظمى» وتقع عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك، بشهرة لم تستطع الايام محوها بسبب انتشار عصابات سرقة السيارات فيها وابرزها عصابة «ابو شوقي» الذي لا يكاد لبناني يجهله بسبب سطوة عصابته التي اشتد عودها وتوسع نشاطها خلال الحرب الاهلية قبل ان يختفي عن الانظار ويحيل نفسه الى «التقاعد».

وقد عرفت هذه البلدة بشدة ابنائها وبأسهم، علماً انها انجبت وجوهاً بارزة احدها الشيخ صبحي الطفيلي ،اول امين عام لـ«حزب الله»، والملاحق قضائياً الآن على خلفية اشتباك بين الجيش اللبناني ومجموعة من انصاره احتلت بالقوة في العام 1998 حوزة دينية تابعة لـ«حزب الله». ويتردد انه مقيم حالياً في البلدة وسط حراسة مشددة من قبل انصاره.

وعذر القوى الامنية في عدم دهم البلدة ان الداخل اليها لا يرى اثراً لـ«النشاطات المشبوهة» فالمطلوبون يفرون الى جرود البلدة الوعرة والمقفرة التي لا يستطيع اي كان معرفة مسالكها ودروبها. وتكفي اشارة واحدة لتحذيرهم قبل وصول القوة المداهمة.

اما اهالي بريتال فهم يبدون استياءهم من «السمعة» التي تلصق ببلدتهم. ويقول احد وجهاء البلدة الذي رفض الكشف عن اسمه: «بريتال دفنت 43 شهيداً سقط معظمهم في مواجهة اسرائيل».

كادر قوة امنية توقف مطلوباً في بريتال بعد اشتباك بالقذائف الصاروخية بعلبك: «الشرق الأوسط» =