معركة دبلوماسية بين مرشحين عرب وأفارقة للفوز بمنصب مدير منظمة الصحة العالمية

TT

أعرب الدكتور اسماعيل سلام وزير الصحة المصري السابق ومرشح الحكومة المصرية لمنصب مدير منظمة الصحة العالمية لـ«الشرق الأوسط» امس عن ثقته في الفوز بمنصب مدير عام منظمة الصحة العالمية خلال الانتخابات التي ستجري في مطلع العام المقبل. وقال انه يعكف حاليا على إعداد تصور عام وشامل لكيفية تطوير المنظمة الدولية في كافة المجالات، ودعم نشاطاتها تجاه دول العالم الثالث، وخاصة العربية والإسلامية منها. واضاف: «لقد حان الوقت لإنهاء حالة الاغتراب التي تعيشها هذه الدول داخل المنظمة منذ سنوات طويلة وحتى الآن».

لكن يبدو أن مساعي سلام للفوز بالمنصب الدولي لن تكون سهلة، خاصة بعد أن تقدم ثلاثة مرشحين اثنان منهم من أفريقيا بأوراق ترشيحهم أمس لنفس المنصب الذي يتنافس عليه أيضا وزير الصحة اللبناني الأسبق كرم كرم. سلام، الذي تقدمت حكومته أخيرا وبشكل مفاجئ بأوراق ترشيحه على الرغم من الضجة الاعلامية التي صاحبت خروجه المفاجئ من الوزارة التي يرأسها حاليا عاطف عبيد، يتعرض لهجوم بسبب إصابة عشرات المواطنين بمرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) اثر تعرضهم لعمليات نقل دم ملوث خلال الفترة التي كان فيها وزيرا للصحة.

لكن نقيب الأطباء المصريين حمدي السيد نشر إعلانات مدفوعة الأجر في بعض الصحف القاهرية ذكر فيها أن «العاملين في الحقل الصحي يؤيدون ترشيح الدكتور سلام مديرا للمنظمة العالمية، باعتباره شخصية دولية مرموقة، وقاد الإصلاح الصحي في مصر بجدارة واقتدار، يؤهله لقيادة الإصلاح الصحي في العالم خصوصا في دول العالم الثالث، ويناشدون المجتمع الطبي في الدول العربية والأفريقية التأييد والدعم». وفي المقابل نشرت صحيفة أخبار اليوم المصرية «شبه الرسمية» انتقادات عنيفة الى هذا الإعلان.

غير أن سلام رد بقوله: «مثل هذه المزاعم شخصية، ولا تمت للحقيقة بصلة». واضاف أنه يتعرض لحملة دعائية يقودها كاتب صحافي واحد ولأسباب شخصية. ودافع عن الإنجازات التي حققها للقطاع الصحي في مصر طوال الفترة التي أمضاها في منصبه، قائلا: «لقد نجحنا في توفير العلاج لغير القادرين، ووصلنا الى كل المناطق النائية والمحرومة، ولأول مرة في تاريخ مصر يصبح بإمكان المريض أن يتلقى العلاج اللازم في كل مكان». وقال ايضا ان ما تحقق في عهده كان إنجازا كبيرا بكل المقاييس، اذ قاد «تجربة مهمة في إصلاح المجالات الصحية تتحدث عنها كافة المؤسسات الدولية».

ونوه الى أن ترشيحه لمنصب مدير عام منظمة الصحة العالمية لم يأت من فراغ بل يستند الى تاريخه العلمي والوظيفي، وأنه يعتزم تكثيف الحملة الدعائية للترشيح اعتبارا من الشهر المقبل.

وبينما يواجه المرشح المصري انتقادات متزايدة داخل وطنه فان فرصته بالفوز بتأييد المجموعة الأفريقية تقلصت الى حد كبير بعد ظهور انقسام داخل الدول الأفريقية، ما بين مؤيد ومعارض لترشيح وزيرة الصحة السنغالية ايفا ماري كول سيك ورئيس الوزراء الموزمبيقي باسكوال موكومبي.

وأعلنت منظمة تنمية دول الجنوب الأفريقي (تضم 12 عشر دولة) تأييدها للمرشح الموزمبيقي، وقالت مصادر دبلوماسية أفريقية ان المنظمة تنوي التخلي عن مرشحها الذي وصفه بعض كبار المسؤولين الأفارقة بأنه ذو تجربة وخبرة واسعة سواء في المجال الديبلوماسي، حيث عمل وزيرا للخارجية أو في المجال الحكومي والإداري، حيث يشغل منصب رئيس وزراء موزمبيق.

وتعد وزيرة الصحة السنغالية أول امرأة أفريقية على الإطلاق تترشح لهذا المنصب منذ إنشاء المنظمة في السابع من شهر ابريل (نيسان) عام 1948، وهي تحظى بتأييد عدد كبير من دول القارة الأفريقية. وقالت وزيرة الصحة في مالي فاطمة نافو تراوري ان أفريقيا لا يمكنها العثور على مشرح أفضل من المرشحة السنغالية اذ «إن ترشيح ايفا ماري كول سيك مفخرة لأفريقيا، لان هذه هي المرة الأولى التي نتوفر فيها على شخص قادر على تحمل مسؤولية إدارة المنظمة العالمية للصحة، بالإضافة الى كونها امرأة، وهذه ميزة زائدة، فضلا عن انها تعرف مجال عملها بشكل واسع، ولديها كفاءات تؤهلها لتكون مرشحة القارة الأفريقية بامتياز».

لكن وزير الصحة اللبناني الأسبق كرم كرم هو المنافس الأقوى للمرشح المصري حيث تدعمه حكومته، اذ انه يشغل حاليا منصب وزير السياحة، وزار عددا من الدول العربية كمبعوث شخصي من الرئيس اللبناني اميل لحود في محاولة لتأكيد حصوله على أصواتها.

ولكن مصادر مقربة من مجلس وزراء الصحة عرب نفت ما أشيع عن أن يكون هناك اتفاق على قرار بدعم المرشح اللبناني أو غيره لشغل المنصب الذي سيخلو العام المقبل بتقاعد المديرة الحالية الهولندية جرو هارليم بروندلاند. واضافت: «ان إعلان جرو عدم ترشيحها للمنصب لفترة ثانية تم بعد آخر اجتماع عقده مجلس وزراء الصحة العرب، وبالتالي فان المرشحين العرب لهذا المنصب هم نتاج ترشيح فردي على مسؤولية حكوماتهم ولكنه لم يمر على المجلس».

وأوضحت أن مجلس الجامعة العربية الذي عقد خلال شهر سبتمبر (ايلول) الماضي على مستوى وزراء الخارجية العرب أوصى باستمرار المشاورات العربية من اجل حسم المرشح العربي لهذا المنصب الدولي المرموق، خاصة بعدما وجد انه ليس هناك أي توصية في هذا الشأن.

وقال المستشار هشام يوسف المتحدث الرسمي باسم الجامعة العربية لـ«الشرق الأوسط» ان معظم الترشيحات تعرض على مجلس الجامعة العربية خاصة إذا لم تكن متعارضة، أما المتعارضة منها فتحال الى المزيد من المشاورات بهدف التوصل الى تفاهم وإجماع عربي على مرشح واحد. وحذر من أن يكون التنافس العربي على منصب مدير منظمة الصحة العالمية سببا في حرمان العرب من شغل هذا المنصب الدولي المهم. واشار الى ما حدث عندما تنافس اكثر من مرشح عربي على منصب مدير عام منظمة اليونسكو الذي ذهب في نهاية المطاف الى اليابان على حساب العرب.

=