النمسا: هايدر يستقيل بعد هزيمته في الانتخابات والمحافظون يواجهون صعوبات في تشكيل الحكومة

TT

أثارت الهزيمة النكراء التي حلت بحزب «الحرية» اليميني المتطرف في الانتخابات البرلمانية التي جرت اول من امس في النمسا الى اعلان يورغ هايدر رئيس الحزب سابقا ومؤسسه الاستقالة من منصبه كحاكم لاقليم كرينتسا الواقع جنوب البلاد.

وسبق ان استقال هايدر من رئاسة حزب «الحرية» في ديسمبر (كانون الاول) عام 1999 بعد ضغوط اوروبية وعالمية شديدة ضد سياسته العنصرية خاصة انه سبق ان اشاد بالسياسة العمالية لدولة الرايخ الثالث. وقد بقي هيدر والياً على كرنيتسا بعد استقالاته التي تكررت من عدة مناصب اخرى.

هذا وقد ارجع الكثيرون لهايدر النجاح الفائق الذي ناله الحزب في الانتخابات البرلمانية السابقة عام 1999، اذ صعد بالحزب للمرتبة الثانية يوم نال 52 مقعدا بالبرلمان متساويا مع حزب «الشعب»، الذي تحالف معه في الحكومة الائتلافية السابقة والتي ادى اشتراكه فيها لمقاطعة عالمية ضد النمسا وتخوف شديد من تقوية اليمين الاوروبي المتطرف.

من جانب آخر، فان هزيمة حزبه اول من امس، اذ نال 14 مقعدا فقط، ارجعها آخرون ايضا لهايدر. واشار هؤلاء الى ان سياساته تثير الغضب والتساؤل في كل خطوة ادت لضعف الحزب وفقدانه للقيادة الرشيدة بجانب خيبة امل كثير من ناخبيه بسبب عدم نجاح الحزب في تحقيق وعوده الانتخابية. كما اثارت من جهة اخرى هزيمة حزب «الحرية» ردود فعل عاصفة في البلاد، رحبت اكثرها بانحسار العقبة التي كان يمثلها الحزب اليميني المعارض لتوسيع الاتحاد الاوروبي وضمه لدول جديدة من شرق اوروبا.

اما في اوساط الحزب نفسه فقد وصف رئيسه هيربرت هاويت نيل الحزب، نحو 10% فقط من اصوات النمسا يبين بأنه «كارثة محقة». بينما التزم الصمت التام الدكتور يورك هايدر مؤسس الحزب والذي ادت عنصريته ومواقفه المثيرة للجدل والعزلة لاجباره على الاستقالة من رئاسة الحزب وحتى اللحظة لم يظهر او يعلق على النتيجة بل ظل بعيدا عن الاضواء باقليمه الذي يرأسه بجنوب البلاد، حيث سجل الحزب اسوأ نتائجه وتلك اشارة لرفض الناخب النمساوي له شخصيا ولمدى خيبة املهم فيه.

من جانب آخر، استقبل الرئيس توماس كاستل صباح امس رؤساء الاحزاب البرلمانية الاربعة كلاً على حدة للتداول في امر تكوين حكومة جديدة. ورغم النجاح الذي حققه حزب «الشعب» بقيادة المستشار الاسبق ولفغانغ شوسل، الا ان تشكيل حكومة سريعا يبدو امرا صعبا فحزب «الشعب» يحتاج لحليف حتى ينال اغلبية برلمانية. ومن جانبهم فقد اعلن الاشتراكيون رغبتهم في الاستمرار في المعارضة خاصة ان هذه اول مرة منذ ستة وثلاثين عاما يتفوق فيها حزب عليه وينال اغلبية اكثر منهم. اما بالنسبة لحزب «الخضر» فمن الصعب عليه تكوين حكومة مع حزب محافظ كحزب «الشعب»، الذي لا يبقى امامه خيار معقول غير العودة للائتلاف القديم بينه وحزب «الحرية»، رغم هزيمته وهنا ايضا تطل عقبة برأسها بين الحزبين اذا ما اصر الدكتور شوسل على عرضه السابق لوزير المالية الاسبق كارل هانز غراسر لمواصلة العمل معه كوزير مالية مستقل بعد ان استقال غراسر من الحزب اليميني. واعلن امس رئيس حزب «الحرية» هاويت رفضه للائتلاف عند بقاء غراسر الا ان كثيرين يؤكدون ان الحزب لم يعد في قوة تسمح له بفرض شروط للبقاء في الحكم.

وما يزال الشارع النمساوي مشغولاً بالمفاجأة التي حملتها نتائج الانتخابات بالفوز الساحق الذي سجله حزب «الشعب» رغم المنافسة الحادة التي كانت بينه وبين الحزب الاشتراكي حتى آخر لحظة والتحليل الأقوى ان غالبية مؤيدي حزب «الحرية» قرروا التصويت لصالح حزب «الشعب» بعد ان ثبت لهم ان السياسات المتطرفة والعنصرية التي نادت بها قيادات حزبهم اثناء فترة الانتخابات السابقة 1999 التي حقق فيها حزب الحرية نجاحا فائقا هي مجرد دعايات انتخابية فشل الحزب في تحقيقها عندما جلس طيلة السنوات الثلاث الماضية في مقاعد الحكم في بلد تحكمه قواعد ديمقراطية وفي عالم اصبح قرية واحدة.