مؤتمر هرتسليا: الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني يهدد بزعزعة السلام مع مصر والأردن

وزير البنى التحتية يدعو لإقامة دولة فلسطينية في سيناء

TT

في الوقت الذي يحاول فيه القيمون على مؤتمر هرتسليا للدراسات الاستراتيجية في اسرائيل اضفاء طابع علمي موثوق على دراساتهم، استغل قادة اليمين الصهيوني المتطرف منبر المؤتمر ليروجوا افكارا توسعية تمس في مكانته العلمية وتجعله اطارا آخر من الاطر السياسية الفضفاضة، الذي يعطي شرعية لمشاريع سياسية محرمة يصلح اصحابها للمحاكمة بارتكاب جرائم حرب.

فمن على منبر هذا المؤتمر صدرت الدعوة لترحيل الفلسطينيين الى شبه جزيرة سيناء المصرية لاقامة دولتهم هناك، ودعوة اخرى لترحيلهم الى الاردن «حيث توجد دولة فلسطينية قائمة هناك». ومن على هذا المنبر ايضا صدر التهديد بان الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني قابل للتدهور الى حرب شاملة في المنطقة من شأنها ان تزعزع اتفاقية السلام مع كل من مصر والاردن.

وكان اكثر الوزراء اليمينيين «اعتدالا»، وزير الدفاع، شاؤول موفاز، الذي قال انه لا يكفي الحسم العسكري لوقف الانتفاضة، ولا بد من تسوية سياسية. وقال: «سيأتي يوم نوجه الى انفسنا عدة اسئلة صعبة. وعلينا ان نعد الاجوبة من اليوم، على ان تكون اجوبة مقنعة. فهل سنظل نفتش عن الصمود وعن التحدي، ام حان الوقت لنتحرى المسار السياسي؟». واضاف موفاز انه ومعظم القوى السياسية في اسرائيل على قناعة بالتوجه الى الخيار السياسي، «ولكن ـ كما قال ـ لا يمكن ان ننتقل الى هذا الخيار مع القيادة الفلسطينية الحالية. فهذه القيادة يجب ان تزول اولا. فهي لا تريد السلام. وليست مستعدة للتنازلات او الحلول الوسط.. وتتحدث حتى اليوم عن «الحق السليب الذي يجب ان يعود». وهي متمسكة باستراتيجية الارهاب. وان لم تمارسه بنفسها، فانها تفتح الطريق للاخرين ان يمارسوه، من مومباسا (كينيا) الى غزة».

وتكلم في المؤتمر رئيس اركان الجيش، الجنرال موشيه يعلون، فاختار ان يوضح موقفه مجددا من موضوع الاستيطان. فنفى ما نقل على لسانه بانه يرى ان غالبية المستوطنات ستزال في اطار اتفاق سلام. وقال انه يعارض اي اخلاء لأية مستوطنة في المناطق الفلسطينية المحتلة حتى لو كانت نائية ومعزولة داخل المناطق الفلسطينية المكتظة.

وقال «فاذا كنا بحاجة الى فرقة عسكرية لحماية مستوطنة كهذه اليوم، فاننا سنحتاج الى لواء يحمينا في حالة اخلائها. لان الاخلاء بحد ذاته سيفسر لدى الفلسطينيين على انه ضعف من طرفنا. وهذا يشجع الارهاب لمضاعفة نشاطه».

وحذر يعلون من ان الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني يحمل في طياته خطر تدهور اقليمي شامل، «حيث بالاضافة الى العمليات الفلسطينية في المناطق (الضفة الغربية وقطاع غزة) وفي اسرائيل، هناك خطر اشتعال النار في الشمال مع لبنان وحزب الله ومن ثم خطر حرب مع العراق وايران». واضاف يعلون: «وفي الايام الاخيرة لاحظنا بشكل ملموس ان هناك دائرة رابعة للصراع بدأت تتسع، هي الساحة الدولية. اذ ان الارهابيين يلاحقون الاسرائيليين في الخارج، ويهددون اهدافا يهودية في مختلف انحاء العالم».

وتعمق اكثر في نظرية الحرب هذه، قائد سلاح البحرية الاسرائيلي، الجنرال يديديا يعري، الذي لم يؤكد على نشوب حرب اقليمية فحسب، بل راح يؤكد ان سلاح البحرية جاهز لاطالة اليد الاسرائيلية. فقال: «علينا الا نضحك على انفسنا من انفسنا. فسلاح الجو الاسرائيلي محدود الامكانيات. انه لا يستطيع الوصول الى اية بقعة تقع شرق العراق. هذه الاماكن يصلها الجيش الاسرائيلي فقط بسلاح البحرية. ولذلك لا بد من تعزيز قوة سلاح البحرية وصرف الموارد اللازمة لتطوير قدراته».

ودعا يعري الى «اخراج القادة السياسيين والروحيين للحركات الفلسطينية المسلحة، من «حماس» الى «فتح» الى «الجهاد الاسلامي»، من حالة الاطمئنان التي يعيشونها. وقال: «عليهم ان يفهموا ان صبرنا عليهم قد عيل. ولم يعد امامنا سوى الوصول الى رؤوسهم. فمن يعد شبانه بجنة عدن اذا فجروا انفسهم، عليه ان يدفع الثمن».

دولة فلسطينية في الصحراء وكان وزير البنى التحتية رئيس حزب المفدال الاستيطاني المتطرف، ايفي ايتام، قد سرق الاضواء في المؤتمر عندما اقترح «حلا ابداعيا» لتسوية النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني «في ضوء فشل كل محاولات الحلول السابقة»، كما قال. واما الاقتراح، فهو اقامة دولة فلسطينية في شبه جزيرة سيناء المصرية: «سيناء منطقة جميلة وغنية وكبيرة وفارغة من السكان. وقد تكون الحل الامثل». ولم يقل ايتام، كيف سينقل الفلسطينيين الى سيناء، خوفا من ان يتهم بانه يدعو الى ترحيلهم بالقوة (وهو امر محظور قانونيا في اسرائيل)، ولكن الهدف واضح تماما وليس له تسمية اخرى سوى «الترحيل».

وعقب على اقواله قائد آخر في حزبه وشريك له في مجلس المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، يسرائيل هرئيل، فقال: ايتام وزير في حكومة اسرائيل. لذلك تحدث عن سيناء ولم يتحدث عن الاردن. ولكن الواضح هو ان الاردن افضل مكان لجلب الفلسطينيين اليه. فالاردن هو في الواقع دولة فلسطينية كبيرة. وليس من المعقول ان تدفع اسرائيل وحدها ثمن مأساة الشعب الفلسطيني. ولماذا لا يدفع الاردن ايضا. اليسوا اشقاء»؟

واثار هذان التصريحان سخط السفارتين المصرية والاردنية في تل ابيب. فقال ايهاب الشريف، القائم باعمال السفير المصري، «ان قادة اليمين في اسرائيل وبينهم هرئيل وايتام هم المسؤولون عن تدهور الاوضاع الامنية واثر ذلك على الاقتصاد وغيره. وبدلا من التراجع والتعقل تراهم يزيدون الطين بلة». واضاف الشريف ساخرا: «اذا كان ولا بد ان يرسل الفلسطينيون الى صحراء ليقيموا فيها دولة، فلماذا لا يرسلون الى صحراء النقب، او صحراء نيفادا الاميركية»؟

وقال مازن التل، القائم بأعمال السفير الاردني في تل ابيب: لا هرئيل ولا ايتام ولا دولة اسرائيل كلها تستطيع ان تقرر للشعب الفلسطيني اين وطنه وكيف يقيم دولته. وعليها ان تكفر عن ذنوبها وتحقق للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية.