الأكراد يعتبرون وكالتهم التجسسية «باراستن» أقوى أسلحتهم في مواجهة صدام حسين

TT

رغم انه لا يمكن مقارنة القوات المسلحة الكردية البالغ عددها 70 ألف جندي والمزودة بأسلحة خفيفة بقوات صدام حسين المزودة بالدبابات والدروع والخبرة، فان الأكراد يقولون إنهم يملكون سلاحا لا يملكه الحكم العراقي الا وهو وكالتهم التجسسية المعروفة باسم «باراستن». ويوضح الأكراد ان عملاءهم حققوا انتصارات كثيرة على صدام لثلاثة عقود ولهم اتصالات على جميع المستويات مع مسؤولين في حكومته التي لا تسيطر على كردستان العراق حيث يتمتع الأكراد بالحماية الجوية التي فرضتها الولايات المتحدة وبريطانيا.

لكن الزعماء الأكراد يشكون من أنه لا الولايات المتحدة ـ التي تُتهم غالبا بأنها لا تمتلك أي حضور استخباراتي على الأرض ـ ولا خبراء الأسلحة الذين يفتشون حاليا عن أسلحة الدمار الشامل العراقية قد استفادوا من شبكة العلاقات الكردية. ونسبت وكالة «اسوشييتد برس» الى كريم سنجاري، وزير الداخلية في الجزء الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني، قوله «نحن لا نفهم السبب وراء ذلك. كل ذلك يعتمد عليهم». ويقول الأكراد إن نشاطات «باراستن» تتراوح بين تلقي رسائل من مسؤولين عراقيين في أعلى مستويات السلطة إلى الحصول على معلومات من مسافرين يتنقلون بين منطقة الحكم الذاتي الكردية إلى المناطق الواقعة تحت سلطة بغداد. فعند العديد من نقاط التفتيش يمر تجار وزوار ومرضى بين الشمال والجنوب جالبين معهم نتفا من معلومات يقوم بعدها المسؤولون الأكراد بتحليلها بأناة». وقال نصرت، 33 سنة، تاجر السجائر الذي يتنقل كثيرا بين المنطقتين «الناس هناك جائعون. إنهم غير مستعدين على الإطلاق لأي حرب».

من جانبه يرسل صدام أيضا جواسيس إلى كردستان العراق لكن الأكراد ظلوا يكشفون هؤلاء عن طريق صلاتهم السرية بالمسؤولين في بغداد مما يسهل عليهم إلقاء القبض عليهم. فقبل شهرين سرب مسؤولون عراقيون معلومات لبعض العاملين في «باراستن» حول فريق أرسلته الاستخبارات العراقية للقيام بحملة اغتيالات وهذا ما سهّل اعتقالهم. وقال أندرو أبوستولو المؤرخ المتخصص في الشرق الأوسط الذي يدرس حاليا العمليات الاستخبارية السابقة والحالية في جامعة أوكسفورد: «يمتلك الأكراد حاليا مصادر استخباراتية بشرية مثيرة للدهشة. فهم حصلوا على معلومات استخبارية على المستوى القاعدي، وهذا بالضبط ما يحتاج إليه الأميركيون كثيرا».

وكانت الدوائر السرية الإيرانية والإسرائيلية قد ساعدت على تشكيل جهاز «باراستن» قبل 35 سنة حينما كان شاه إيران يحكم في طهران وحينما كان الأكراد منغمرين في حرب عصابات ضد حكومة بغداد. وساعد جواسيس من جهازي «السافاك» الإيراني و«الموساد» الإسرائيلي على تدريب أول كوادر الاستخبارات الكردية في أواخر الستينات في محاولة لزعزعة نظام حزب البعث الذي كان مواليا للاتحاد السوفياتي السابق. لكن بعد انهيار الحركة الكردية ضد صدام حسين سنة 1975 توقفت نشاطات «باراستن». لكن هذا الجهاز استرجع نشاطه ثانية حسب المسؤولين الأكراد سعيا لتوفير الحماية للأكراد من البلدان المجاورة ومن التهديدات الداخلية.

وتقول «باراستن» إنها تمكنت من التغلغل داخل المنظمات الاصولية الناشطة لكن هدفها الأساسي يظل مراقبة صدام حسين الذي حسبما يقول الأكراد قد أمر بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في المنطقة الكردية من العراق. وفي هذا السياق، قال بعض المسؤولين الأكراد إن مدينة السليمانية قد شهدت انفجارا أدى إلى جرح 20 شخصا داخل مسجد في يونيو (حزيران) 2000 ونُفذ هذا التفجير على يد عملاء صدام. وقال رئيس «باراستن»، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن مهاجمي المسجد اعتقلوا وانهم اعترفوا بارتباطهم ببغداد. ويذهب المخبرون الأكراد يوميا إلى بغداد، وهم بعكس الميدانيين الذين يرسلهم صدام للقيام بعمليات اغتيال في كردستان العراق، لا يذهبون إلى بغداد إلا «كي يشاهدوا ما يجري هناك» حسبما قال محمد مراد المسؤول عن نقطة تفتيش.

كذلك فان الأكراد لا يعدمون الجواسيس الذين يتم اعتقالهم، حسبما قال وزير الداخلية سنجاري، وهذا ما يشجع عملاء الحكومة العراقية للاستمرار في عملياتهم. وقال سنجاري: «العراق يقول لعملائه: استمروا في التجسس. وإذا اعتُقلتم فإنهم لن يقتلوكم ولا شيء سيحدث لكم. وهذه مشكلة بالنسبة لنا». ويقول الأكراد إن بعض عملائهم هم أكراد لكن البعض الآخر هم عرب يكرهون صدام حسين أو أنهم يريدون أن يحظوا برضا المعارضة في حال انهيار حكومة بغداد. مع ذلك فهناك من يقوم بالتجسس للمال. ويرجع سبب عدم استخدام مفتشي الأسلحة للمعلومات الاستخبارية المتوفرة لدى الأكراد العراقيين إلى أن الأمم المتحدة لا تعترف إلا بحكومات رسمية مثل تلك الموجودة في بغداد. وقال أبوستولو خبير الاستخبارات البريطاني إن الأمم المتحدة «تتجاهل حقا الأكراد». أما المسؤولون الأكراد في اربيل فإنهم يقولون إن وفدا من وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «سي آي ايه» والجيش الأميركي قد زار المنطقة الكردية قبل شهرين لكن «سي آي ايه» تبقي مسافة فاصلة بينها وبين الاستخبارات الكردية. ويعزو المسؤولون الأكراد ذلك إلى أن واشنطن لا تريد أن تسبب نفورا في علاقتها مع تركيا التي تعارض أي حكم ذاتي كردي في العراق. لكن أبوستولو يقول إن انعدام التعاون بين الولايات المتحدة مع مسؤولي الاستخبارات الكردية يعود إلى سنة 1996 حينما حاول الحزبان الكرديان الرئيسيان الحصول على دعم حليفين بغيضين بالنسبة لواشنطن أثناء الحرب الأهلية التي وقعت بينهما آنذاك. إذ توجه الاتحاد الوطني الكردستاني نحو حكومة طهران الإسلامية بينما توجه الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى صدام طلبا للمساعدة، مما أدى إلى انسحاب «سي آي ايه» من المنطقة.