مناورات «نظرة داخلية» الأميركية تنطلق اليوم من قاعدة السيلية القطرية بإشراف الجنرال فرانكس و200 من مساعديه

TT

بينما كان العراق يحاول اول من امس ابعاد الخطر الذي يهدده بتسليم الكشف باسلحته للامم المتحدة، كان القائد العام لكل القوات العسكرية الاميركية في المنطقة يحتل صدارة المسرح في غرفة لادارة العمليات الحربية في قطر مزودة بأحدث التقنيات، مدشنا المرحلة الاولى من التمرينات العسكرية الالكترونية التي تحاكي سيناريو الهجوم الاميركي المحتمل على العراق.

كان الجنرال تومي فرانكس، واكثر من 200 من اعضاء القيادة المركزية للقوات الاميركية يجلسون حول شاشة لميدان المعركة تبلغ مساحتها 25 قدما مربعا في قاعدة السيلية بقطر، ويضعون اللمسات الاخيرة على الخيارات العسكرية الاميركية المختلفة، والتي ستكون جزءا من تدريبات القيادة والسيطرة، التي ستبدأ رسميا اليوم. وتجري هذه التدريبات تحت شعار «نظرة داخلية»، وهي الاولى من نوعها التي تجرى خارج الولايات المتحدة، وداخل حدود احدى الدول الاكثر استراتيجية بالنسبة لقيادة فرانكس المنتشرة في 25 دولة.

وتدل هذه التمارين الحربية التي تستمر اسبوعا، والتي تدار من مقر قيادة متقدمة تقنيا وجغرافيا، ومن معسكر يشغل 262 فدانا في الصحراء القطرية، على اهمية قاعدة السيلية التي تقع على مسافة 700 ميل الى الجنوب من بغداد. كما ان توقيت هذه التمارين المدارة بمساعدة الكومبيوتر، مصحوبة بالمناورات المنفصلة، التي يجريها الجيش الاميركي بالقرب من الحدود العراقية في شمال الكويت بالذخيرة الحية، يرفع وتيرة الضغط العسكري الاميركي على العراق، في وقت تقترب فيه الدولتان من مواجهة محتملة يكون سببها التفتيش الجاري عن اسلحة الدمار الشامل.

ومنذ ان حط رحاله في العاصمة القطرية الجمعة الماضي، قادما من مقره الرئيسي في تامبا بولاية فلوريدا، لم يدل فرانكس بأي تصريح بل توجه مباشرة الى القاعدة العسكرية السرية بالسيلية، حيث توجد القيادة الجديدة المتحركة المكونة من عدة مبان جاهزة وخيام، تضج بالمعدات التكنولوجية المتقدمة. وبعيدا عن قاعدة السيلية، نقل سلاح الطيران الاميركي اكثر من 3000 جندي الى قاعدة العديد التي تبعد 20 ميلا الى الجنوب الغربي من العاصمة القطرية الدوحة. ويمكن لقاعدة العديد ان تسع عددا كبيرا من الطائرات المقاتلة الاميركية، خاصة ان مدرج طائراتها البالغ طوله 12 الف قدم هو الاطول في كل الشرق الاوسط.

لكن هذا التوجه المؤيد لاميركا والمندفع نحوها في قطر التي ربما تكون موضع الثقة في حرب اميركية ضد العراق، كما توضح المناورات الحالية، يخفي وجود قوى اخرى تعمل من وراء الكواليس. وقال حسن صالح انصاري، مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر «نحن لا نؤيد احدا. نحن نؤيد انفسنا فحسب. ونعتقد ان العثور على حليف قوي يخدم مصالحنا، وليس في ذلك ما يخجل او يشين». وقال ان قطر تحتاج الى الحماية الاميركية، وهي تحاول استغلال اكبر مخزون للغاز الطبيعي في العالم، ويبلغ حجمه اكثر من 700 تريليون متر مكعب، استثمرت فيها الشركات الاميركية حوالى 50 مليار دولار. وقد اعطت قطر اخيرا ما يكاد ان يكون «شيكا على بياض» للقوات العسكرية الاميركية، في اطار التحالف الاستراتيجي الذي هيأ لقيادة الجنرال فرانكس ان تقيم منشآتها هناك. وجاء في تحليل اصدره معهد واشنطن بعنوان «صورتان لقطر» ما يلي: «في الوقت الذي تلوح فيه نذر الحرب في الخليج، فان اهمية هذا التعاون لا يمكن التقليل من شأنها. ومع ذلك فان العلاقة بين قطر والولايات المتحدة اكثر اضطرابا مما يبدو على السطح. فالسياسات القطرية لا تمليها اعتبارات الولاء لاميركا، بقدر ما تمليها النظرة البراغماتية الرامية لمواجهة عدم الاستقرار، وللتعويض عن الدفاعات الضعيفة وسحب البساط من تحت اقدام اعداء قطر».

ويعرف عن قطر تاريخ من الاعجاب والصداقة مع قادة منظمة القاعدة الارهابية. وكان وزير قطري، هو في نفس الوقت احد اعضاء الاسرة الحاكمة، يستضيف عددا من كبار قادة القاعدة في السنوات السابقة لهجمات 11 سبتمبر(ايلول). ويقال ان ذلك الوزير قد جرد من سلطاته. كما ان بعض المسؤولين الاميركيين عبروا عن استيائهم من قناة الجزيرة الفضائية القطرية لبثها شرائط ورسائل اسامة بن لادن بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول). من جهة اخرى صرح كبار المسؤولين العسكريين الاميركيين بان الولايات المتحدة سيكون لديها عما قريب من الدبابات الثقيلة والسفن الحربية والطائرات والقنابل والجنود في منطقة الخليج، ما يمكنها من شن حرب ضد العراق في يناير(كانون الثاني) المقبل. ويوجد في المنطقة، او بالقرب منها، حاليا 55 الفا من الجنود والبحارة والقوات الجوية، وحوالي 200 طائرة مقاتلة. ولدى الجيش وحده حوالي 9000 جندي و24 طائرة هليكوبتر من طراز اباشي، ومعدات ثقيلة تكفي لواءين من الجيش بالكويت. وتصل تباعا معدات تكفي لواء ثالثا، محمولة على سفن مرابطة بالمحيط الهندي، كما ان معدات اخرى سيجري تخزينها في قاعدة جديدة للتموين الى الجنوب من مدينة بلغت تكلفة انشائها 200 مليون دولار وتسمى قاعدة عريفجان.

وتقوم فرق القوات الخاصة بتدقيق خططها للكشف عن صواريخ سكود واسلحة الدمار الشامل المخبأة داخل العراق. وقد وصل خبراء الامدادات الى المنطقة قبل عدة اشهر لاستقبال وتنظيم المواد التي تصل اليهم. وتصل تباعا زوارق السحب والرافعات الفولاذية وغيرها من المعدات الضرورية لاعداد المطارات ونقاط استقبال الدبابات وغيرها من المعدات العسكرية التي تبعث الى المنطقة. وتصل كذلك معدات كانت مخزونة في قاعدة دييغو غارسيا البريطانية لتسليح اللواء الثالث. وقامت سفينة واتكنس الضخمة، التابعة للبحرية، بتفريغ شحنة كبيرة من المعدات الثقيلة في يوليو (تموز) الماضي. وتقوم سفينة اخرى مماثلة لها في الحجم، هي واتسون، برحلة مماثلة لنقل معدات خاصة بكتيبة عمليات خاصة، حسب تصريحات المسؤولين بالجيش.

* خدمة «لوس انجليس تايمز»، و«واشنطن بوست» و« نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»