الأفغانية ظهيرة حلاقة بوش تتحدث لـ«الشرق الأوسط»: ريغان أول من جعلني حلاقة للرؤساء.. وموضوع الدردشة أثناء الحلاقة يحدده الرئيس

TT

كل أسبوعين على الأقل، يسلم الرئيس الأميركي، جورج بوش، رقبته لامرأة أفغانية تزوره في البيت الأبيض، وهناك يصبح أسير قبضتها ويستسلم ممددا على كرسي للحلاقين، فتقص له شعره وتحلق له ذقنه بمقص وموسى تلامس مرات ومرات عنق الرجل الممسك بيده ادارة أقوى دولة في العالم.

إنها ظهيرة ظهير، التي تملك ايضا صالونا في «فندق ووترغيت» بالعاصمة الأميركية، وتقوم بمهمة الحلاق الرسمي للرئيس بوش. وعندما سعت «الشرق الأوسط» للحديث معها رفضت ظهيرة طوال يومين من الاتصالات بها عبر الهاتف من لندن، الى أن استسلمت وروت ما قد لا يلبي الفضول كما يشتهي القراء من الصحافيين، لكن ما في قصتها مثير، وفيه رموز واشارات عن كيف تدور الدوائر على الناس من حيث لا يدرون حقيقة.

ظهيرة، حلاقة خسرت زبائن بالعشرات منذ وقعت تفجيرات واشنطن ونيويورك قبل عام، لأنها مسلمة ومن أفغانستان وتتعامل بآلة حادة تشغل البال في هذا الوقت بالذات. الا أنها لم تخسر زبونها الأول والمهم، لأن جورج بوش يثق بها كما وثق بها من قبله الرئيس بيل كلينتون، أو جورج بوش الأب، وكذلك رونالد ريغان، ممن مر مقصها على رؤوسهم، ومعه الموسى أحيانا على ذقونهم.

والمعلومات قليلة عن ظهيرة عبد الظهير، لأنها لا تميل لنشر ما يتعلق بحياتها، لذلك رفضت الحديث الى «الشرق الأوسط» حين اتصلت بها، مع أن موظفة في الصالون أبلغتها بأن اللقاء عبر الأثير لن يدوم أكثر من 10 دقائق، وزودتها بالرقم الهاتفي للصحيفة في لندن، لكي تتصل للتأكد على الأقل من أن الذي يحدثها هو صحافي، ويرغب في الحديث عن شؤون لا تتعدى دردشة مع حلاق.

وتقول الموظفة إن ظهيرة «مشغولة جدا اجمالا، خصوصا هذه الأيام.. مشغولة بالاشراف على شؤون أولادها، وفي عملها بالصالون أيضا، كما أن الأعياد مقبلة على الطريق، لكنها قد تتصل يوما اذا ما أرادت أن تقول شيئا» وفق ما نقلت عن لسان المرأة التي عادت بعدها وتحدثت، وروت القليل من صالون بدا مكتظا بزبائن من الجنسين، لأن ضجيجهم كان واضحا عبر السماعة الهاتفية، فقالت ظهيرة إنها الحلاق الرسمي للرئيس بوش، وروت أنها ابنة رئيس الوزراء الأفغاني الراحل، عبد الظهير ظهير، الذي تولى منصبه بأوائل السبعينات طوال 18 شهرا زمن الملك الأفغاني السابق، محمد ظاهر شاه، وأنها كانت زوجة نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأفغانية في منظمة الأمم المتحدة في نيويورك.

وقبل الحديث الى ظهيرة بساعتين تقريبا ذكرت الموظفة في الصالون أن الحلاقة الأفغانية تمضي كل أسبوعين أو 3 أسابيع على الأكثر الى عنوان في العاصمة الأميركية، يحلم بدخوله زعماء ورؤساء أجانب ومسؤولون محليون ومشاهير عالميون، ولو مرة في العام أو العمر كله على الأقل، بل تنفرد به هناك في غرفة بالقسم الخاص لسكن عائلة الرئيس في البيت الأبيض، وطوال أكثر من نصف ساعة تبقى معه وحيدة في معظم الأحيان، لتقص شعر رجل تدفع الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات لحمايته كل عام بالذات.

أما ظهيرة، المرحة والضاحكة على الهاتف دائما، فتقول: «يبدو أنك لا تعرف هذه البلاد.. إنها رائعة وشعبها مثالي. هنا يفصلون الأشياء عن بعضها، فلا تستغرب. أما عن الرئيس بوش فهو زبون مهم عندنا، ويبدو أنه راض بطريقة قصي لشعره» على حد تعبيرها.

وعلى طريقة من لا وقت له ليتحدث عن شيء، من كثرة الانشغال وقلة الوقت، تروي ظهيرة، الحاصلة على الجنسية الأميركية، أن حياتها كانت مراحل غير ممتعة بالمرة، فهي أبصرت النور في العاصمة الأفغانية، كابل، حيث ترعرعت وأنهت دراستها الابتدائية وتزوجت، ثم غادرت بأواسط السبعينات الى نيويورك مع زوجها، نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأفغانية بالأمم المتحدة ذلك الوقت، ولم تمض 4 سنوات حتى غزا الاتحاد السوفياتي السابق أفغانستان، فخسر الزوج وظيفته بالطبع، وأصبحت العائلة بلا مال، وللزوجين طفل، رزقا من بعده بابنة وولد، والحالة أصبحت أصعب وأصعب بلا مال، فيما الأب بلا عمل، الى أن غادرت العائلة نيويورك في أواخر السبعينات الى واشنطن، لعل وعسى يجد الزوج وظيفة في احدى السفارات هناك «لكنه لم يوفق، والمشاكل زادت وتضخمت، وحدث بيننا طلاق، وأنا في الحقيقة لا أريد ذكر اسم زوجي، المقيم الى الان بأميركا، ولا ذكر أسماء أولادي ولا أعمارهم أيضا، فهذه معلومات لا تنفع أحدا.. لكن عليك أن تعلم أنني اضطررت للعمل المتعب والشاق وكيفما كان، لأعيل الأولاد على الأقل».

* أنت حلاقة بالأساس؟

ـ أنا زوجة نائب رئيس بعثة دبلوماسية سابق وابنة رئيس وزراء سابق أيضا. لم أكن حلاقة. تعلمت المهنة وحصلت في عهد الرئيس ريغان على وظيفة مساعد حلاق في صالون الحلاقة الخاص بعائلة الرئيس في البيت الأبيض.

* كيف أصبحت الحلاقة الرسمية اذن؟

ـ مرة، أصيب حلاق الرئيس بوعكة، وصادف غيابه رغبة الرئيس ريغان في حلق شعره، وكان على عجلة كما يبدو، فلم يجده في الصالون، ووجدني هناك في متناول اليد، فقال لي: « أنت الحلاق من الآن وصاعدا» ومن يومها وأنا أحلق شعر الرؤساء.. ريغان كان أول رئيس أميركي يأتي بحلاقة امرأة الى البيت الأبيض، ومن بعده الرئيس جورج بوش الأب، ثم الرئيس كلينتون، والرئيس جورج بوش الابن الآن بالطبع.. يعني، كما ترى، أنا لست الا حلاقة.

* كم يدفع الرئيس عن قص الشعر؟

ـ يدفع التسعيرة الخاصة بالزبائن الرجال، يعني 30 دولارا.

* كل الزبائن يدفعون هذا السعر؟

ـ جميعهم، وأنت لو قصصت شعرك هنا في الصالون فستدفع مثله.

* ألا يحدثك عن أفغانستان أو بشؤون اسلامية، أو يستشيرك بأمر ما، وأنت عنده؟

ـ أنا أصل الى البيت الأبيض، فأحييه ويجلس وأقص شعره، والعملية هادئة وصامتة اجمالا. لا أصل كمستشارة الى هناك، بل كحلاقة، وهو الذي يقرر موضوع الدردشة دائما.

* ألم يفكر في طردك من العمل بعد هجمات سبتمبر، ولو لارضاء الرأي العام الأميركي مثلا؟

ـ الحقيقة أنه فاجأني، ولم يفعل.. كنت يومها قلقة، لأني أفغانية. وكما ترى فهذه البلاد رائعة وشعبها لا يخلط الأمور، ولبقائي بالوظيفة معنى واضح، هو أن أميركا بلاد التسامح.

وتضحك ظهيرة على الهاتف حين يأتي الحديث عن العام الذي ولدت فيه، وكم عمرها تماما، وتصر أن لا تكشف أعمار أولادها أيضا، وقالت «لا، لن تعرف.. اذا ذكرت أعمارهم فسيتعرف الناس الى عمري» ثم تضحك، ويضحك معها زبائن استمعوا لما تقول أمامهم، وتصل قهقهاتهم الى هاتف «الشرق الأوسط» وهم في صالونها للحلاقة بالفندق في واشنطن، ثم سريعا تقول ظهيرة: «دعني الآن، المحل مكتظ بالزبائن، لا مجال للدردشة.. باي».