بوادر تراجع في الموقف الأميركي بشأن عرفات من أجل إحياء عملية السلام

TT

بعد مضي خمسة أشهر على دعوة الرئيس الاميركي جورج بوش لاختيار زعامة فلسطينية لا علاقة لها بـ «الإرهاب» ـ وهي اشارة واضحة الى ضرورة تخلي ياسر عرفات عن موقعه كرئيس للسلطة الوطنية ـ بدأ المسؤولون الأميركيون بالتخفيف من هذا المطلب في محاولة لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

مع ذلك يقول المسؤولون الأميركيون انهم لم يتراجعوا قط عن عزمهم الرامي الى تجريد عرفات من السلطة، وهم يؤكدون أن عملية السلام لا يمكن أن تأخذ أي اتجاه فعال طالما ظل عرفات في السلطة الفلسطينية. لكنهم من جانب آخر قالوا ان استهدافه «لا يؤدي الا الى ارتفاع شعبيته ومنع صعود أي قادة ذوي تفكير اصلاحي ويتوافقون مع النموذج الذي يطالب الأميركيون والاسرائيليون به، ويكونون قادرين على منع العنف ضد الاسرائيليين وجديرين بالثقة كي يكونوا مفاوضين شركاء لاسرائيل».

وضمن هذا السياق قال مسؤول من وزارة الخارجية الأميركية: «انت تقوي عرفات حينما تستهدفه. فهو ظل رمزا للقضية الفلسطينية لأكثر من 30 سنة. وتركيز النقاش عليه يجعل البديلين أناسا بلا حول ولا قوة» بين الفلسطينيين.

وأثار هذا التحول في الأسلوب المخاوف بين أكبر أنصار اسرائيل من أن الولايات المتحدة تراجعت عن مطلب الرئيس بوش بتنحية عرفات، وأن الهدف من ذلك هو ارضاء الحلفاء العرب والأوروبيين الذين شاركوا الأميركيين في جهودهم لايقاف دوامة العنف بين الفلسطينيين والاسرائيليين وتجديد عملية السلام. وسعى أنصار اسرائيل الى الاتصال بالادارة الأميركية وحصلوا على تطمينات من البيت الأبيض تؤكد أن بوش مصمم على تنفيذ ما أعلن عنه في خطابه الذي ألقاه في 24 يونيو (حزيران) الماضي وحدد فيه سياسته الجديدة تجاه مشكلة الشرق الأوسط.

وأدى تسريب مسودة وثيقة «خريطة الطريق» التي بدأت بتطويرها اللجنة الرباعية التي تضم ممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، الى ردود فعل غاضبة بين جماعات الضغط المناصرة لاسرائيل. وتعرف هذه المبادرة باسم «خريطة الطريق» ويعود تاريخها الى 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتهدف الى انهاء الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وتطرح سلسلة من الخطوات التي يتطلب تنفيذها من الطرفين لإيقاف العنف وتحقيق اصلاح للسلطة الفلسطينية وانهاء الحصار العسكري الاسرائيلي المفروض على المدنيين الفلسطينيين، وتجميد بناء المستوطنات واعادة اطلاق المفاوضات.

ولم تتضمن الوثيقة أي مطلب واضح يتعلق بالزعامة الفلسطينية، لكنها أشارت الى طبيعة الحكومة الجديدة الفلسطينية وفق تصورات واشنطن. فهي طالبت بدستور فلسطيني جديد «يستند الى ديمقراطية برلمانية قوية» مع حكومة لها رئيس وزراء «مزوَّد بالسلطة» في وقت يكون منصب رئيس الجمهورية الذي يقوم به عرفات الآن بروتوكوليا محضا. وطالبت الوثيقة أيضا باجراء الانتخابات الفلسطينية «في أقرب وقت ممكن» لكنها لم تحدد ان كان هدف الانتخابات هو لاختيار أعضاء البرلمان أم لاختيار الرئيس أيضا. وقال نبيل شعث وزير التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن انه يتوقع أن يكون اسم عرفات ضمن قائمة المرشحين. وأضاف شعث أن الدستور الجديد سيصيغ الموقع الرئاسي على شاكلة ما هو قائم في فرنسا، وهذا ما سيمنح عرفات سلطات كبيرة.

من جانبها اشتكت اللجنة الأميركية الاسرائيلية للشؤون العامة (ايباك)، المنظمة الرئيسية الداعمة لاسرائيل في واشنطن، من أن الوثيقة الجديدة «تجاهلت تماما دور عرفات الموثَّق بالـ«ارهاب» وأكدت ضرورة تبديله بزعيم آخر. كذلك تجاهلت الوثيقة من وجهة نظر «ايباك» «الحاجة الى زعامة فلسطينية جديدة تختلف عن سابقتها. اضافة الى ان وضع المنصب الرئاسي كشرط لتشكيل الدولة الفلسطينية يوحي بأن استمرار السلطة الفلسطينية بدعمها للـ «ارهاب» لن يكون بالضرورة عائقا يمنع الولايات المتحدة من دعم تشكل دولة فلسطينية».

أما بالنسبة للقضايا الأمنية فان مسودة الوثيقة تطالب الفلسطينيين بأن يؤكدوا حق اسرائيل بالبقاء ووقف شامل لاطلاق النار وانهاء التحريض على العنف والبدء بالتعاون مع الاسرائيليين، لكنها لم تحدد تحقق نتائج معينة في ما يخص العنف الموجه ضد الاسرائيليين.

وطالبت الوثيقة الحكومة الاسرائيلية بتخفيض حاد للعمليات العسكرية الحالية. وقالت الوثيقة ان اسرائيل يجب ألا تتخذ أي اجراءات تؤدي الى «تقويض الثقة، وهذا يتضمن الطرد والهجمات على المدنيين أو في المناطق المكتظة بالسكان، أو مصادرة الأراضي وهدم بيوت الفلسطينيين وتدمير المرافق المؤسساتية الفلسطينية والبنى التحتية». وتطلب الوثيقة من المؤسسات الاسرائيلية الرسمية «الكف عن التحريض ضد الفلسطينيين».

واذا كان المسؤولون الأميركيون لا ينكرون صحة وثيقة «خريطة الطريق» المسرَّبة فانهم من جانب آخر يصرون على أن العمل ما زال جاريا وأن تعديلات كثيرة طرأت على المسودة منذ تسربها. وقال ادوار أبينغتون مسؤول مجموعة الضغط المؤيدة للسلطة الفلسطينية في واشنطن ان «ما طُلب من اسرائيل هو ضئيل نسبيا قياسا بما طُلب من الفلسطينيين»، وهذا يتضمن «تحولاً جوهرياً في النظام السياسي الفلسطيني». وقال أبينغتون ان المطالب بتحقيق الاصلاح هي «نقد غير مباشر لزعامة عرفات ولأسلوبه في القيادة. وأي شخص يقرأ ذلك يفهم بالضبط ما تعنيه تلك الفقرات المعنية بهذا الموضوع».

وتعكس الخلافات حول «خريطة الطريق» تلك المناوشات التي جرت قبل عدة أشهر وراء الكواليس بواشنطن، لكن نزاع ادارة بوش مع العراق دفعها الى الظل. واذا كان الكثير من المتشددين في واشنطن جنبا الى جنب مع بعض المسؤولين الاسرائيليين البارزين يفضلون تجميد أي مسعى جاد لحل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي حتى يتم اسقاط الرئيس العراقي صدام حسين فان كولن باول وزير الخارجية الأميركية وضع بالمقابل الأسبقية للعملية السلمية الهادفة الى حل القضية الفلسطينية.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»