الحكومة الكويتية تحتج رسميا لدى الأمم المتحدة على خطاب صدام التهديدي والفعاليات السياسية والشعبية تستنكره وتعتبره «اعتذارا أقبح من ذنب» الغزو

تشديد الإجراءات الأمنية تحسبا لأعمال تخريبية وتوجه لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمة للرد على الرسالة العراقية

TT

اكد مصدر كويتي مسؤول ان بلاده بعثت بمذكرة الى الامم المتحدة تتضمن شكوى رسمية حول ما ورد في الخطاب الذي القاه الرئيس العراقي صدام حسين مساء اول من امس، الذي شمل تهديدا صارخا لسيادة وامن الكويت، والدعوة الى الاعتداء على مواطني الدول الاجنبية داخل الكويت. وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» ان الاتفاقات المبرمة بعد الاحتلال والتي صادق عليها العراق ذاته تطالب باحترام دول الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية «لكن ما ورد في الخطاب يعتبر تجاوزا خطيرا على قرارات الامم المتحدة».

واضاف المصدر ان «الكويت لا تخفي خشيتها من اقدام عملاء للنظام العراقي على القيام باعمال تخريبية داخلية، وعلى المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤولياته تجاه الدول التي تتدخل في شؤون الاخرين». ولوحظ ان الاجهزة الامنية الكويتية اقامت بعد الخطاب العراقي بساعات نقاط تفتيش احترازية للسيطرة على الوضع الامني الداخلي، لضمان عدم القيام بأعمال تخريبية.

واستمرت في الكويت امس ردود الفعل الغاضبة لخطاب الرئيس العراقي وجاءت ردود الفعل على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، في الوقت الذي بدأت فيه الاتصالات والتحركات لتصعيد حملة الاستنكار والغضب لا سيما من جمعيات النفع العام التي بدأت التحضيرات لتنظيم تظاهرة ضخمة ضد الخطاب خلال اليومين المقبلين كما تردد ان الحركة الدستورية الاسلامية بصدد تنظيم مسيرة تدعو لها جميع النقابات والهيئات والاتحادات الطلابية والعمالية، وتحدثت مصادر نيابية عن وجود مشاورات لعقد جلسة طارئة لمجلس الامة الكويتي للرد على الخطاب والتاكيد على وحدة الموقف الكويتي ضد كل ما ورد فيه.

وجاء اول رد فعل رسمي على لسان وزير الاعلام ووزير النفط بالوكالة الشيخ أحمد الفهد الصباح الذي قال «اننا نبرأ بانفسنا النزول الى مستوى الرد عليه». واضاف الشيخ أحمد ان «تلك المفردات تذكرنا بالحملة السياسية والاعلامية التي قادها ضد دولة الكويت قبل عدوانه في الثاني من أغسطس (آب) 1990». واشار الى أن «العالم كان يتوقع من الرئيس العراقي تقدير حساسية ودقة الظروف التي تمر بها المنطقة من خلال اجراء مراجعة صادقة ومنهجية وواقعية لما حصل خلال الغزو العراقي لدولة الكويت وتقديم كل ما من شأنه خدمة بلده وشعبه واستقرار المنطقة من خلال الاعلان عن التزامه بتطبيق القرارات الدولية». وأكد أهمية التزام العراق بما تعهد به في القمة العربية الاخيرة التي عقدت في بيروت من أجل تنقية الاجواء مع الكويت والعالم عبر الكشف عن مصير الاسرى والمحتجزين واطلاق سراحهم واعادة الممتلكات المنهوبة.

وأضاف الشيخ احمد انه من الضروري ان يؤكد العراق احترامه لامن وسيادة واستقلال الكويت وتنفيذ كل القرارات المتصلة بغزوه لها بما يؤكد نواياه السلمية قولا وعملا. وأشار الى «المحاولة المكشوفة لدق اسفين الشقاق بين الشعب الكويتي وقيادته بتوجيه هذا الخطاب الى الشعب الكويتي متعمدا تجاهل التلاحم الصلب وغير المسبوق بين الشعب الكويتي وقيادته وما اكده ابان الغزو العراقي لدولة الكويت في1990 من ان الكويت للكويتيين». كما اشار الى ما تضمنه الخطاب من «تحريض وتشجيع للاعمال الارهابية التي اعلن العالم اجمع عن رفضه وادانته لها». وقال «ان الكويت اذ تؤكد تعاطفها الكامل مع الشعب العراقي الشقيق الذي عانى وكان الخاسر الاكبر من ممارسات نظامه فهي تتطلع الى أن يزاح كابوس الحرب عن كاهله بالتزام النظام العراقي بتطبيق قرار مجلس الامن الدولي 1441 بشكل كامل وغير منقوص». وأكد ان موقف دولة الكويت «كان وسيبقى عدم التدخل بالشأن الداخلي العراقي وان موضوع السلطة في العراق يخص العراقيين وحدهم».

وقال الشيخ أحمد انه «على الرغم من محاولات النظام العراقي بتقديم الاعتذار في خطابه الا اننا نقول ان الاعتذار المطلوب ان يبديه اولا يكون للشعب العراقي الذي ظلم وما زال يزج به وبمقدراته في حروب ومغامرات». وأضاف أن «الاعتذار المطلوب ايضا الى الكويت يكمن في قول الحقيقة واعادة اسرانا واحترام سيادتنا واستقلالنا وحدودنا وحقوقنا وهو ما خلا منه الخطاب والا يكون هذا الخطاب تكرارا للمزاعم التي تذرع بها لارتكاب فعلته الشنعاء في غزوه الكويت في 1990».

ووصف نائب رئيس مجلس الامة جاسم العنجري الخطاب بانه مليء بالمغالطات والاكاذيب. وقال ان عدم تطرق الخطاب الى قضية الأسرى انما يعني انه لا يضع اي اعتبار للشعب الكويتي. وشدد على ان صدام حسين «عودنا دائما على اضمار الحقد والعدوان للشعب الكويتي». وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الامة محمد جاسم الصقر ان خطاب صدام هو «خطأ اخر ودعوة صريحة للحرب وتهديد لكل دول الخليج». ووصفه بانه «اعتذار اقبح من الذنب يعود بالمنطقة كلها الى المربع الاول في مسلسل خطايا وجرائم النظام العراقي». ورأى عضو مجلس الامة الدكتور وليد الطبطبائي «ان الخطاب مليء بالافتراءات والاكاذيب ومحاولة فاشلة لدق اسفين بين الكويتيين حكومة وشعبا». وشدد على ان موضوع تواجد القوات الاميركية والصديقة في الكويت ليس موضوع خلاف بين احد في الكويت وجاء بناء على اتفاقيات رسمية موقعة وللاسباب الموضوعية التي خلقتها احداث اغسطس (اب) .1990 وقال ان الخطاب «يؤكد النوايا الشريرة للنظام العراقي التي سيواجهها الكويتيون بالتفاف مع حكومتهم».

وقال النائب الدكتور احمد الربعي ان اخطر ما في الخطاب هو تحريضه للشعب الكويتي، مشيرا الى «ان الرئيس العراقي استخدم فيه كلمات اسامة بن لادن نفسها عندما اشاد بمن قاموا بعمليات ضد القوات الاميركية». وقال «ان صدام حسين لم يبد في خطابه كذلك اي تحول في اللهجة التي كان يتبناها عندما قامت قواته بغزو الكويت واحتلالها 1990 من خلال ترديده عبارة الشعب في الكويت لا الشعب الكويتي كما انه لم يذكر اسم دولة الكويت». واكد عضو مجلس الامة الكويتي النائب عبد الله النيباري ان لهجة النظام العراقي لم تتغير على الاطلاق منذ غزوه الكويت في اغسطس (آب) .1990 واشار الى ان الخطاب «لم يجد اي صدى لدى الشعب الكويتي الذي حاول رئيس النظام العراقي فيه الاستخفاف بالكويتيين وبذكائهم». واضاف ان الخطاب «ما هو الا اكاذيب وتلفيقات بالنسبة للحالة التي كانت قبل الغزو او في الوقت الراهن». واشار الى ان الخطاب «هو مجرد ورقة تكتيكية يرميها ربما تفيد ولا تضر». واوضح ان النظام «يحاول المحافظة على وجوده وعلى شخص الرئيس»، مطالبا صدام بازاحة نفسه عن السلطة لتجنيب شعبه والمنطقة اخطار الحرب. وقال وزير الاعلام السابق الشيخ سعود ناصر الصباح ان خطاب الرئيس العراقي مرفوض جملة وتفصيلا، واعتبره «محاولة فاشلة لشق الصف الكويتي الداخلي والصف العربي». واضاف ان الهدف منه هو «محاولة انقاذ نفسه ونظامه».

وعبر نائب رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى والمفقودين ابراهيم الشاهين عن استنكاره الشديد «لخلو الخطاب من اية اشارة للأسرى الكويتيين ومن رعايا دول اخرى في السجون العراقية منذ 12 عاما وحتى اللحظة». واشار الى انه بينما «توقعت الكويت حكومة وشعبا ان يعلن الخطاب الرسمي عن عزم العراق تنفيذ القرارات الدولية الملزمة عليه وقرارات القمة العربية بما يختص بقضية اسرى الكويت والاعلان عن اطلاق سراحهم والكشف عن مصيرهم، فوجئنا بتجاهل هذه القضية تماما وكانها لم تكن مع انها اعمق المآسي التي يعانيها الشعب الكويتي وهي الوسيلة الوحيدة التي يمكن للعراق ان يخاطبه بها ان رغب حقا بالمخاطبة». وقال رئيس جمعية المعلمين الكويتيين عبد الله الكندري ان خطاب رئيس النظام العراقي «يبرهن بصورة جلية مرحلة الخوف والضيق التي بدأت تنتابه جراء ما يعانيه النظام العراقي مما اقترفت يداه من جرائم بحق الانسانية منذ استيلائه على السلطة عام 1979». وأكد الكندري الذي يترأس الجمعية التي تمثل شريحة هامة في المجتمع الكويتي وقوف هذه الشريحة المثقفة وراء الشرعية الكويتية. وذكر بان «الشعب الكويتي يعرف رئيس النظام العراقي واركانه جيدا». واكد ان الشعب الكويتي «لم ولن ينساق وراء شعارات النظام العراقي». وقال ان «هذه الادعاءات لا تنطلي على احد محليا وعربيا ودوليا».

وقال مدير معهد الكويت للدراسات الاستراتيجية الدكتور سامي الفرج ان خطاب الرئيس العراقي «ليس رسالة اعتذار وانما هو الالتفاف على الحقائق». واضاف ان خطاب صدام «غير موجه الى الشعب الكويتي وانما موجه لاثبات موقفه في ما يتعلق بما سيحدث في ما بعد أهو حرب او سلام ثم يضع اللوم علينا»، مضيفا «ليس هناك حل الا بازالة النظام العراقي».

واعتبر الاتحاد العام لعمال الكويت خطاب الرئيس العراقي صدام حسن امس «بمثابة اعلان حرب مبيت» وانه لا يختلف بشيء عن خطاب قيادة النظام العراقي نفسها عشية غزوها على الكويت في .1990 ودعا الاتحاد في بيان اصدره امس الكويتيين الى تعزيز الجبهة الداخلية وتشديد اواصر الثقة المتبادلة بين الشعب والقيادة واتخاذ كافة اشكال الحيطة والحذر للتصدي للمؤامرات الدنيئة ولمحاولة زعزعة الامن والاستقرار وخلق الفتنة ولوأد كافة اشكال الدعوات الى التخريب والارهاب تحت اية ذريعة كانت. واكد وقوف الاتحاد وكافة منظماته النقابية مع الاجراءات التي تتخذها القيادة السياسية من اجل حماية الكويت وصيانة استقلالها والذود عن ترابها الوطني وحماية ابناء شعبها. ووصف خطاب صدام بانه «مخيب للامال ويحتوي على العديد من المغالطات والاكاذيب والتحريض والاساءة التي ان دلت على شيء تدل على سوء النوايا التي كان وما زال يبيتها هذا النظام ضد دولة الكويت». ورفض الاعتذار «الباطل» للشعب الكويتي عن جريمة احتلال العراق الكويت في 1990 نظرا لان اثار هذا الاحتلال ما تزال باقية الى يومنا الحاضر وفي مقدمتها قضية الاسرى الكويتيين وغيرهم الذين ما زالوا يقبعون في سجون النظام العراقي. واشار الى ان «اصرار رئيس النظام العراقي على تجاهل هذه القضية الانسانية ما هي الا زيادة في التأكيد على النوايا الخبيثة والعدوانية التي يبيتها هذا النظام للشعب الكويتي».

واتفقت الصحف الكويتية الخمس الصادرة باللغة العربية (جميعها صحف خاصة لا تملك الحكومة فيها اي نسبة) امس في افتتاحياتها على رفض الخطاب. واكدت صحيفة «الانباء» انه في الكويت «لا نستطيع ان نفصل بين شعبها وشرعيتها فقد كان هذا عنوان اجدادنا في الاختيار». واشارت الى ان «هذه الخصوصية اصبحت واقعا مجسدا في الثاني من اغسطس 1990 حين احتل العراق الكويت. وتابعت ان التاريخ «سطر شهادة نادرة يصعب تكرارها حين بايع شعب باكمله شرعيته رغم القتل والتشريد والاغتصاب الذي كان عنوانا لاحتلال العراق لارضنا الطاهرة». وقالت صحيفة «الوطن» ان صدام «لا تقاس تصرفاته بالمنطق العادي ففي الوقت الذي يحتاج هو فيه الى تحسين صورته يعود الى تهديد الكويت وتحريض مواطنيها على قتل الاميركان». ورأت ان «خطاب صدام هو ما يحتاجه المجتمع الدولي كدليل اضافي على همجية هذا الرجل واجرامه فالدعوة الى قتل الاميركان دعوة كريهة». واشارت الى ان العلاقات الكويتية الاميركية لا تتأثر بخطاب هزيل يصدر من صدام حسين. اما صحيفة «الرأي العام» فقالت ان اعتذار صدام «جاء مغلوطا بالخطاب الكاذب نفسه الذي سبق الغزو اذ حمل الكويت مسؤولية التسبب به وباتهامات بالجملة للكويت وبدعوات تحريضية الى حمل السلاح ضد الوجود الاجنبي وبمحاولة فاشلة لدق اسفين بين الشعب وحكامه». من جانبها استهجنت صحيفة «السياسة» خطاب صدام وقالت «اي اعتذار هذا الذي قدمه صدام في كلمة متلفزة بل واي اسف هذا الذي ادعاه مشفوعا بانفته الزائفة وعنجهيته الفارغة ومعلوماته المغلوطة التي ما فتىء يرددها منذ 1991». وقالت صحيفة «القبس» ان «صدام لا يتعلم شيئا من تجارب الماضي ولا يتعظ من الكوارث التي سببها للعراق والكويت والمنطقة عموما». واضافت «ها هو الطاغية يقول للعالم مجددا انه لم ولن يتغير ويقنع كل من لم يقتنع بعد انه خطر داهم على جيرانه ومحيطيه ويؤكد لكل من لم يتأكد انه قنبلة موقوتة تهدد السلام العالمي».