واشنطن: أخذنا الوثيقة الأصلية من التقرير العراقي لأننا خشينا من تأخر عملية النسخ في الأمم المتحدة

TT

بدأت الولايات المتحدة، بعد التغلب على الاعتراضات المبدئية من بعض اعضاء الامم المتحدة، في تحليل تقرير العراق الضخم حول الاسلحة بعدما بذلت جهدا كبيرا في عطلة الاسبوع الماضي للحصول على النسخة الاصلية من مقر الامم المتحدة في نيويورك.

والجدير بالذكر ان الجزء الوحيد الذي اذيع علنا من التقرير الواقع في 11807 صفحات هو الفهرس الذي يشمل محتويات التقرير مثل «المواد النووية» و«مشروع القنبلة الاشعاعية الملغى» و«انتاج سم الريسين».

وفي واحد من التحليلات الاولية للملف، ذكرت وكالة الطاقة الذرية في فيينا ان تقرير بغداد الواقع في 2400 صفحة حول الاسلحة النووية، الذي يتم تحليله بمعزل عن التقارير الثلاثة الاخرى حول الاسلحة الكيماوية والبيولوجية وصناعة الصواريخ، يبدو متطابقا بدرجة كبيرة مع بياناتها قبل عام 1998، عندما غادر، طبقا لمارك غوزدكي المتحدث باسم الوكالة.

وتتضمن التقارير ابحاث العراق في مجال تطوير الاسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، بالاضافة الى الصواريخ البالستية. ويحتوي على طرق انتاج العناصر والاسلحة ويشمل اسماء الشركات الاجنبية التي امدت العراق بالعناصر الرئيسية.

وقد تم نقل التقرير من نيويورك الى واشنطن، حيث بدأت عملية تحليله وعملية النسخ لاتزال جارية للمتخصصين في الاسلحة في الامم المتحدة والاعضاء الدائمين لمجلس الامن.

وبالرغم من ان الامر قد يستغرق عدة ايام قبل ان تنهي وكالات الاستخبارات الاميركية تحليلها، فإن ادارة الرئيس جورج بوش بدأت بالفعل في الاعراب عن شكوكها في ان بغداد قد كشفت تماما عن ترسانتها. وعبر البيت الابيض اول من امس عن قلق خاص بخصوص اعتراف العراق يوم الاحد بأنه كان قريبا للغاية من انتاج قنبلة نووية.

وقال المتحدث باسم البيت الابيض اري فلايتشر «في ما يتعلق بالبيانات العراقية، كل ما عليك فعله هو الاطلاع على الطريقة الكئيبة التي يصف بها جنرالات عراقيون كم كانوا قريبين من الحصول على الاسلحة النووية. وهذا هو السبب في ان الولايات المتحدة متشككة في النوايا العراقية».

واضاف ان الطريقة التي «يتطلع» بها نظام صدام حسين الى بناء ترسانة نووية «تبرر التوقف والاعتراف بأن العراق يمثل تهديدا».

وحدد التقرير العراقي اين تم العمل بخصوص هذه الاسلحة، ولكن السلطات في بغداد تدعي ان كل منشآت الاسلحة المحظورة تم تدميرها او تحولت الى استخدامات مدنية.

وكانت الولايات المتحدة قد حصلت على الاعلان الضخم بعد عطلة اسبوع بعد اتصالات دبلوماسية مكثفة لوزير الخارجية كولن باول وممثل الولايات المتحدة في الامم المتحدة جون نغروبونتي الذي ساعد في اقناع باقي اعضاء مجلس الامن (14 دولة) بتغيير الترتيبات الخاصة بالاطلاع على الوثائق.

وتجدر الاشارة الى ان مجلس الامن كان قلقا بخصوص انتشار الوثيقة، ليس فقط لانها تقدم معلومات حول تقنيات صنع الاسلحة العراقية، ولكن لانها تحتوي على اسماء دول وشركات ساعدت العراق بالمعدات والمعرفة.

وقالت الولايات المتحدة، بدعم من بريطانيا، انه يجب حصولها على مجموعة الوثائق والاقراص المدمجة الموضوعة في صناديق مغلقة عقب وصولها الى نيويورك لان خدمات النسخ في الامم المتحدة بطيئة وغير آمنة للتعامل مع مثل هذا العمل. وتعكس الاتصالات التي جرت في هذا الخصوص المستوى الذي سيطرت فيه واشنطن على الازمة العراقية، حتى تحت السلطة الدولية. ففي صباح السبت، اتصل نغروبونتي بالسفير الكولومبي الفونسو فالديفيسو، رئيس مجلس الامن، لابلاغه باتفاق يتبلور بين الاعضاء الخمسة الدائمين في المجلس.

وكانت سورية هي الدولة الوحيدة التي وقفت ضد هذه الترتيبات، طبقا للمصادر الدبلوماسية. وقد قاومت المكسيك في البداية، حيث كانت تضغط يوم الجمعة الماضي لحصول كل الاعضاء في المجلس على التقرير العراقي في الوقت ذاته، وذلك من منطلق العدالة. ولكن وزير الخارجية الاميركي اغرى وزير خارجية المكسيك خورجي كاستانيدا بقبول التعديلات، طبقا لدبلوماسي غربي.

وفي النهاية، كان القرار قرار كولومبيا. ففي الساعة 11.30 مساء الاحد، قرر فالديفيسو السماح للولايات المتحدة بالحصول على نسخة الامم المتحدة الوحيدة. واوضح «لقد اتخذت القرار. انه من حق الرئيس، ولكنه اتخذ على اساس الاتصالات مع المجلس». ووصف نغروبونتي في تصريحات للصحافيين يوم الاثنين الامر بأنه «موقف لا يمكن معه الخسارة» ووصف القرار بأن الولايات المتحدة تقدم خدمة الى باقي الدول الاعضاء في المجلس (14 دولة)، ولا تحاول تخريب المجلس. ورفض ما وصفه بـ«المقارنة الضارة» بحصول الدولة دائمة العضوية على نسخة كاملة بينما تحصل باقي الدول الاعضاء على نسخ مختصرة، وقال «الموضوع لا يتعلق بالحصول على مميزات خاصة بالنسبة للدول الخمس، بل هو يتعلق بالاستفادة من خبرات الدول المالكة للاسلحة النووية»، والتي يمكنها المساعدة في «هذا النوع من التحليل بالذات الذي يحاول البعض الحصول عليه».

واضاف نغروبونتي ان نسخ التقرير «هو ببساطة خدمة نقدمها الى الدول الاخرى».

الا ان سورية احتجت بشدة يوم الاثنين معتبرة ان الولايات المتحدة قد دمرت بروتوكول مجلس الامن وحصلت على نسخة المجلس بدون الاتفاق مع الاعضاء.

وقال السفير ميخائيل وهبي مندوب سورية في الامم المتحدة «نحن غير سعداء حقا. والامر يتعارض مع المنطق السياسي، ومع المنطق الاجرائي، ومع انواع المنطق... وهو ضد وحدة المجلس ايضا ـ يجب حصول كل الدول الاعضاء على نسخ».

وقد انتقد مندوب النرويج اولي بيتر كولبي كولومبيا على قرار التوزيع غير العادل للتقرير العراقي. واوضح «يجب حصول كل الاعضاء على نفس المعلومات من اجل تقدير ما اذا كان العراق مؤديا لالتزاماته».

وبالرغم مما تردد من ان الامين العام للامم المتحدة كوفي انان غير سعيد بالقرار فإنه ايده علنا. واوضح «اذا قرر المجلس القيام بذلك، فهذا حقه، ولن اماحك في ذلك». ولكنه اشار الى ان «الحرب غير محتمة. واذا استمر صدام في تعاونه الواضح مع المفتشين والامم المتحدة ونزع سلاحه فلا اجد مبررا للحرب».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»