بن عيسى لـ«الشرق الأوسط»: العلاقات المغربية ـ الإسبانية تحتاج إلى توضيح عدد من الأمور ونريد فتح حوار من القلب إلى القلب بين بلدينا

وزير خارجية المغرب يأمل أن يجري لقاؤه مع بالاثيو من دون أن يحدث ما يعكر الأجواء

TT

يلتقي محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب اليوم في مدريد بنظيرته الاسبانية آنا بلاثيو، وهو اللقاء الذي تأجل اكثر من مرة بسبب الازمة التي تعرفها العلاقات المغربية ـ الاسبانية منذ 14 شهرا.

وقالت بالاثيو أمس ان هدف اللقاء الذي ستعقده مع نظيرها المغربي اليوم هو «اعادة بناء بوادر الثقة والحوار السلس بين البلدين». وأكدت بالاثيو للصحافيين لدى وصولها الى مجلس الاتحاد الاوروبي ان «لقاء غد (اليوم) مهم، ولكن ليس باعتبار ان هذا الاجتماع سيؤدي الى اتخاذ قرارات من شأنها ان تغير مجرى الامور جذريا».

«الشرق الأوسط» التقت وزير خارجية المغرب عشية سفره الى مدريد، وسألته عن الاجتماع وجدول اعماله، والآمال المعقودة عليه لعودة العلاقات المغربية ـ الاسبانية الى مجراها الطبيعي.

* ماذا أعددتم للقائكم المرتقب بنظيرتكم الاسبانية اليوم في مدريد؟

ـ هذا اللقاء نعتبره بمثابة رفع الستار عن مرحلة نتمنى ان تكون بداية لتناول مختلف الملفات العالقة بين البلدين، ونحن نأمل ان نتوصل مع اصدقائنا الاسبان الى وضع جرد كامل لكافة القضايا العالقة، وان نتحدث بشفافية ووضوح وموضوعية عن ما يشغلنا وما يشغلهم بدون شروط او قيود، وان نبدأ مسيرة جديدة في علاقاتنا الثنائية. كما نأمل ان يؤسس هذا اللقاء لمرحلة جديدة من الصداقة والتعاون، ولشراكة فاعلة ثنائية ومتعددة داخل الفضاء الاوروبي ـ المتوسطي.

* لقاء اليوم تأجل اكثر من مرة بسبب الشروط التي كان يضعها كلا الطرفين لعقده، هل يعني عقده اليوم انكم توصلتم الى تجاوز كل الشروط التي كان يضعها كل طرف؟

ـ خلال اجتماعنا في الرباط في يوليو (تموز) الماضي، اتفقنا ان يكون لقاؤنا المقبل في مدريد خلال شهر سبتمبر (ايلول) الماضي، الا أنه طرأ للاسف الشديد ما تسبب في إرجائه، ونأمل ان يجري اجتماع اليوم دون ان يحدث ما يعكر الاجواء او الظرف القائم، وأن لا يطرأ ما قد يؤجله مرة اخرى.

نحن منذ البداية كنا واضحين، وقلنا ان مباحثاتنا مع الجانب الاسباني يجب ان تكون مفتوحة، وتتناول القضايا العالقة، بوضوح وشفافية وموضوعية وجدية وعمق. بعد ذلك سنرى كيف يمكن وضع رزنامة لهذه المباحثات، آملين ان نتوصل الى وضع برنامج نبدأ فيه بمعالجة هذه الملفات. ومن بين هذه الملفات هناك الثوابت التي تتعلق بالقضايا السيادية بالنسبة للمغرب، وايضا مجالات التعاون الثنائي في مجال التنمية وقضايا الهجرة بصفة عامة، ووضع الجالية المغربية في اسبانيا، وكذلك وضع الهجرة السرية التي نعتبرها قضية مهمة، فهي لا تتعلق فقط بالمغاربة وانما تشمل ايضا المهاجرين من دول افريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وهناك ايضا موضوع المياه الاقليمية بين المغرب واسبانيا، وهذا جزء من الملفات او القضايا العالقة التي سنبحثها مع الجانب الاسباني.

* يبدو من خلال حديثكم انكم ستلتقون بلاثيو اليوم بدون جدول اعمال محدد مسبقا؟

ـ الاجندة كما قلت هي رفع الستار، وطرح كافة القضايا، وسنقوم بفتح حوار من القلب الى القلب كدولتين جارتين صديقتين لهما دور فاعل ومؤثر في التطورات التي تعرفها المنطقة، سواء في ما يتعلق باوروبا او بالمغرب العربي.

* الملاحظ انكم لم تشيروا الى عودة السفيرين ضمن الملفات العالقة، هل نفهم من ذلك ان عودة السفيرين الى عاصمتي البلدين ستكون تحصيل حاصل اذا ما تم تناول كل القضايا التي ذكرتم في لقاء اليوم؟

ـ استدعاء سفير جلالة الملك في مدريد للتشاور جاء نتيجة تراكمات حصلت في العلاقات المغربية ـ الاسبانية. وكما تذكرون لم يتفهم الجانب الاسباني حينئذ تراكم هذه القضايا، لانه لم يكن من الطبيعي أن نبقي على علاقاتنا عادية مع اسبانيا وأمامنا كل هذه الرزم من المشاكل. والظروف اثبتت ان هناك قضايا عالقة لا يمكن ان نضعها جانبا ونعتبر علاقاتنا عادية. الآن وقد قبل الجانب الاسباني تناول هذه القضايا وقبل ان نفتح هذه الملفات، من الطبيعي انه في خضم ذلك ستعود العلاقات الى طبيعتها وفق التناول الذي ستعرفه هذه الملفات.

* تمنيتم قبل قليل ان لا يطرأ أي طارئ يرجئ لقاء اليوم، هل تعتبرون ان الظروف الحالية مواتية لعقد هذا اللقاء؟

ـ حتى الآن الرسائل التي اطلقها بعض المسؤولين الاسبان تنم عن وجود رغبة لدى الجانب الاسباني في ان نمضي قدما في تناول القضايا العالقة بيننا، وهذه ايضا هي رغبة المغرب، واملنا ان يستمر هذا المناخ وان تستمر هذه الرغبة وان نتعامل مع القضايا وفق الظروف وما تعرفه العلاقات المغربية ـ الاسبانية من تطورات. لقد كنا دائما نقول ان المغرب يعرف عهدا جديدا، ويعيش تطورات جديدة في مختلف المجالات، وبالتالي يجب ان تكون العلاقات بين بلدينا مستجيبة لهذه التطورات، وبالمقابل فنحن نعتبر ان هناك تطورات ومستجدات في اسبانيا، نأخذها بعين الاعتبار. فلكلا البلدين رأي عام ومؤسسات تحاسب الحكومات. نحن لنا ايضا رأي عام مغربي واحزاب ونقابات وقطاع خاص، ومقاولون وصحافة وبرلمان ومجتمع مدني بكل تنظيماته غير الحكومية، ولاسبانيا نفس المؤسسات، ونحن نحترم المؤسسات الاسبانية ونعتقد ان على اسبانيا أن تحترم هي الاخرى المؤسسات المغربية. واذا ذهبت مسيرتنا في تناول مختلف الملفات العالقة بيننا على هذا الاساس وبهذه الروح وبهذا الانفتاح، اعتقد اننا سنصل ان شاء الله الى تطبيع العلاقات، ونبدأ مسيرة جديدة من الصداقة والتعاون بين البلدين.

* هل تعنون بالرسائل تصريحات كبار المسؤولين الاسبان التي رحبت بتعيين الوزير الاول المغربي الجديد وبالحكومة الجديدة؟

ـ هذا جزء من تلك الرسائل. هناك تصريحات صدرت عن مسؤولين اسبان تختلف عما كان يصدر عنهم في الماضي. هناك توجيهات نعتقد انها مشجعة، نحن عبرنا دائما عن رغبتنا في اقامة علاقات تعاون صريحة وواضحة مع جيراننا الاسبان. ونحن نأخذ بعين الاعتبار وبجدية معاهدة الصداقة والتعاون المبرمة بيننا، واذا ما عملنا في هذا الاطار وبهذه الروح اعتقد اننا سنصل الى حصيلة ستكون في مستوى التطلعات وتلبي رغبة الشعبين الاسباني والمغربي لاعادة القاطرة المغربية ـ الاسبانية الى سكتها الطبيعية.

* وكيف تصفون العلاقات بين المغرب واسبانيا في الوقت الحالي؟

ـ علاقات تحتاج الى توضيح عدد من الامور، لتكون اكثر وضوحا واكثر عمقا. العلاقات القائمة الآن لا ترضينا ولا ترضيهم، ومن ثم هناك رغبة في هذه اللقاءات وتناول مختلف الطروحات. اذا كانت العلاقات طبيعية وعادية ما كان لنا ان نكون حيث نحن الآن.

* هناك من ربط بين الزيارة الخاطفة للرئيس الفرنسي جاك شيراك الى المغرب قبل ايام، ولقاء اليوم بينكم وبين نظيرتكم الاسبانية، للحديث عن وساطة فرنسية لتقريب وجهات نظر البلدين، فهل تؤكدون وجود مثل هذه الوساطة؟

ـ خلال الزيارة التي قام بها الرئيس شيراك الى المغرب اجرى مباحثات رأسا لرأس مع جلالة الملك، وصدر بيان حول تلك المباحثات. من ناحية أخرى، هناك العديد من الدول الأوروبية والعربية التي عبرت عن رغبتها في تقريب الهوة بين المغرب واسبانيا، بما في ذلك فرنسا التي صرح وزير خارجيتها أنها على استعداد للعب دور بغرض تسهيل مهمة التواصل بين الرباط ومدريد. غير أن الحكومة الاسبانية عبرت في مناسبات عدة عن رفضها لكل وساطة في ما يتعلق بالعلاقات المغربية ـ الاسبانية. ومهما يكن فإن الاتصال قائم بيني وبين زميلتي السيدة بلاثيو. فقد تحدثنا عبر الهاتف أكثر من مرة، والتقينا في سبتمبر (ايلول) الماضي على مأدبة الغذاء التي اقامها السيد كوفي انان الامين العام للامم المتحدة على هامش انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، وكانت لنا لقاءات جانبية في ردهات مبنى الامم المتحدة، واثناء الفيضانات التي اجتاحت بعض المناطق المغربية خلال شهر رمضان الماضي، كانت لنا اتصالات مباشرة، وعرضت علينا اسبانيا مساعداتها، كما اتصلنا بدورنا بالاسبان بعد وقوع حادثة الناقلة «برستيج» وعرضنا على الاسبان تقديم مساعدتنا لهم.

* تحدثتم قبل قليل عن القضايا السيادية بالنسبة للمغرب، هل نفهم من ذلك ان قضية سبتة ومليلية والجزر المجاورة المحتلة من طرف اسبانيا، وقضية الصحراء الغربية، ستكون ضمن المواضيع التي ستطرحونها للنقاش؟

ـ موقف المغرب من قضية سبتة ومليلية واضح. واعتقد ان جلالة الملك محمد السادس كان واضحا في خطاب العرش الاخير عندما تحدث عن استكمال المغرب لتحرير كل ترابه الوطني. وكذلك الشأن في ما يتعلق بالصحراء المغربية. نحن نريد استجلاء موقف واضح من الجانب الاسباني يأخذ بعين الاعتبار الواقع فوق الارض، والمواقف التي يتخذها مجلس الامن في هذا الموضوع. علما انه الى جانب الملفات المرتبطة بالسيادة المغربية، هناك ملفات يتطلب تناولها أولوية اعتبارا لاهميتها الظرفية. ومن ثمة علينا ان نضع رزنامة لتناول جميع القضايا العالقة بين البلدين.

* ما هو الامل الذي تحملونه معكم الى مدريد، وماذا تتمنون ان يتمخض عنه لقاء اليوم؟

ـ املي ان نحدد مختلف القضايا التي تحتاج الى دراسة وافية ومعمقة. وان نصل الى الصيغ التي يجب ان نتناول بها كل موضوع. هناك مواضيع قد تحتاج الى لجان متخصصة مثل قضايا المياه الاقليمية، وهناك قضايا تحتاج الى اتصال مباشر بين وزيري خارجية البلدين. ونحن نأمل التوصل الى وضع صيغ من شأنها ان تجعل علاقات بلدينا طبيعية.

* هل هناك زمن محدد تتوقعونه لعودة سفيري البلدين؟

ـ لننتظر وقائع لقائنا في مدريد وما سينتج عنه، وحينئذ يمكن الاجابة عن سؤالكم.