سعد الدين إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: بكيت مرتين في السجن.. ولم أتوقع الإفراج عني في الجلسة الأولى لمحكمة النقض

الرئيس مبارك يرفض أي تدخل.. بالعكس محاولات التدخل الخارجي كانت سبب إطالة أجل قضيتي * لا يمكن أن يوضع رأسي برأس مصر أو في ميزان العلاقات الدولية والقضية استنزفت رصيد مصر لدى العالم الحر

TT

* تلقينا أموال من إسرائيل كذب وكل ما أخذناه 120 دولاراً اشتراك جامعة حيفا في نشرات المركز * ضغوط منظمات حقوق الإنسان وراء تدخل بوش بعد 3 سنوات قضيتها في السجن * لم نقل أن هناك اضطهادا للأقباط ولكن تفرقة.. والقول بأنني رجل أميركا مؤسف خاصة أن الدولة تتباهى بأن علاقتها مع واشنطن استراتيجية.

* قال سعد الدين ابراهيم استاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية، والذي افرج عنه اخيرا، بعدما قبلت «محكمة النقض» في 3 الشهر الجاري طعنا في حكم ضده بالسجن 7 سنوات، لتعيد نظر قضيته يوم 7 الشهر القادم، أنه يستبعد وجود أي تدخل سياسي وراء قرار المحكمة، لان «النظام المصري، بطبيعته، لا يقبل الضغوط، وأن شخصية الرئيس حسني مبارك ترفض أي تدخل خارجي».

وقال ابراهيم في حديث خص به «الشرق الأوسط» ان الرئيس الاميركي جورج بوش تدخل في قضيته بسبب ضغوط منظمات حقوق الانسان، وليس من أجل زوجته (الاميركية) أو الجنسية الأميركية التي يحملها. وتحدث عن أيام سجنه وملابسات قضيته وما يرتب لحياته الشخصية والعملية في المستقبل.

سألته

* هل تشعر بخوف من محاكمتك أمام محكمة النقض خاصة وأن قرارها سيكون هو نهاية المطاف في قضيتك، فاما البراءة واما السجن بدون وجود فرصة أخرى؟

قال ـ حقيقة لا أشعر بخوف، ولكن حينما يوجه لي سؤال مثل سؤالك يبدأ شعور بالخوف يلوح أمامي، فأنا لا يخيفني الا خوف الآخرين عليّ، وهم بالتحديد أفراد أسرتي.. أنا شخصياً لا خوف لدي والحمد لله، وأؤمن بقضاء الله في كل الأمور وفي كل الأحيان، وأملي أن تنصفني محكمة النقض، كعادتها، ففي كل مرة نظرت محكمة النقض في قضيتي أنصفتني، على عكس المحاكم الاستثنائية مثل «أمن الدولة»، فكلما نظرت في قضيتي أرسلتني الى السجن، وإذا سرنا على التقاليد السابقة فأملي كبير أن تستمر محكمة النقض في انصافي، وبالتالي نغلق هذا الفصل الحزين في تاريخي وتاريخ مصر.

* كيف قضيت الأيام الماضية منذ الافراج عنك؟ وهل كنت تتمنى أن تؤجل المحاكمة أمام محكمة النقض الى وقت أبعد من 7 الشهر المقبل حتى تستريح فترة أطول؟

ـ إجازة عيد الفطر المبارك قضيتها مع أسرتي.. أسرتي الصغيرة زوجتي وابنتي وأحفادي وأيضاً أسرتي الممتدة في قريتي «بدين» بالمنصورة، في القاهرة والاسكندرية والاسماعيلية، وكانت فرصة لالتقاط الأنفاس والتعبير عن مشاعر الحب والامتنان، أما فيما يتعلق بالقضية فأملي كبير أن تبرأ ساحتي لأستطيع السفر للخارج للعلاج، لأن حالتي الصحية كانت في تدهور مستمر طوال السنوات الثلاث الماضية.

* هل تنوي احداث تغيير في فريق دفاعك من المحامين أمام محكمة النقض، خاصة وأنه في الجلسة الأولى لم يرض رئيس محكمة النقض المستشار «فتحي خليفة» عن مرافعتهم وخروجهم عن الموضوع، وقاطعهم 6 مرات متتالية مطالباً بالدخول في صلب القضية؟

ـ سيضاف الى فريق الدفاع المكون من المستشار عوض المر ود. ابراهيم صالح وأحمد عبد الحفيظ وعبد الفتاح مصطفى وجه جديد هو المستشار محمد أبو الفتوح، وهو أحد الذين ترافعوا عني، متطوعاً، أمام محكمة النقض، وأظن أنه الوحيد الذي لم يقاطعه رئيس المحكمة، هو رئيس سابق لمحكمة الاستئناف، ويعمل في المحاماة «كهاو» في القضايا التي تعجبه، ويبدو أنه تأثر بما قرأه في الصحافة فتبرع بالدفاع عني رغم أنني لم ألتقه ابدا.. وحتى الآن.

* كم كلفتك فاتورة الدفاع عنك في هذه القضية؟

ـ هذه المسائل لا يتم التطرق لها على صفحات الصحف، ونصف فريق الدفاع عني يعمل متطوعاً والنصف الآخر يعمل بأجر.

* هل تكفلت أنت بمصاريف الدفاع، أم أن هناك «جهات» شاركت في تحمل هذه النفقات؟

ـ لا طبعاً أنا الذي تكفلت بكامل المبلغ.

* كم يوماً قضيت في السجن منذ القاء القبض عليك في 30 يونيو عام 2000 وحتى الافراج عنك في 3 الشهر الجاري؟ وما هو أصعب أيام سجنك؟

ـ فترة السجن على مدد مختلفة تصل الى نحو 16 شهراً، وتنقسم الى ثلاث مرات. الأولى على ذمة التحقيق 45 يوماً، والثانية بعد الحكم الأول نحو عام، والثالثة بعد الحكم الثاني، وبلغت حوالي 5 أشهر.

وأصعب فتراتها عادة هي الأيام الأولى، اما المرة الأخيرة فكانت صعبة للغاية لأنني بقيت في حجز الترحيلات بقسم الخليفة في مشهد أقل ما يقال فيه أنه غير آدمي، لأنني تواجدت مع نحو مائة انسان في ساحة لا تتجاوز 4 في 5 متر مثل هذه الصالة (وأشار الى صالة منزله الفسيح الأنيق )، ولك أن تتصور الزحام والتكدس في جو خانق في يوليو(تموز) الماضي.

* بكيت مرتين

* وهل بكيت ؟

ـ لا لم أبك

* بطبيعتك لا تبكي؟

ـ لا أنا أبكي.. وقد بكيت مرتين في السجن خلال الأشهر الستة عشر الأولى، حينما انتقل الى الرفيق الأعلى صديقي دكتور ابراهيم شحاتة نائب رئيس البنك الدولي سابقاً، وكان آخر من شهد في قضيتي قبل أن توافيه المنية بنحو شهر، وكان حزنه شديدا على أوضاع مصر، وسجل ذلك في كتاب نشره مركز ابن خلدون عنوانه (وصيتي لبلادي)، وكان الرجل متألما لأوضاع مصر، فكان خبر وفاته صعبا عليّ، مع ما أعرفه عن حزنه عما آلت إليه أحوال مصر، كما أحسست أنا بأحوال مصر من خلال قضيتي.. هذه الخلطة أبكتني.

المرة الثانية بكيت حينما قررت أميركا أن تحجز أو تعلق طلب المعونات الاضافية لمصر بسبب هذه القضية، فقد أحسست بألم شديد، لأن علاقة مصر ساءت بعدد من الدول بسبب القضية، وهي في حقيقتها لا شئ، ولا تستحق قضية مركز ابن خلدون من بدايتها لنهايتها كل ذلك. فشعرت أن الجميع قد خسر، وهذه الخسارة من جميع الجوانب أحزنتني وأحزنني ما تنبأت به، وما حدث بالفعل وهو أن هذا القرار بتعليق طلب المعونة الاضافية سيستغل أسوأ استغلال بطريقة غوغائية ديماغوجية من بعض من لا يحبون مصر، ولا يحبون سعد الدين ابراهيم ويرغبون في تصفية حساباتهم، مستغلين قضيتي.

* كيف كانت أيامك الأخيرة في السجن وهل كنت تتوقع أن يفرج عنك في الجلسة الأولى أمام محكمة النقض؟

ـ بداية لم أتوقع الافراج عني في الجلسة الأولى، وأسعدني ذلك بالطبع، وطوال الشهرين الأخيرين في السجن تحسنت المعاملة كثيراً لأنهما تزامنا مع اصابة قدمي في السجن ووضعها في الجبس.

وقد أصبت أثناء السير حول ملعب تنس بالسجن، ولظروف وضعي في الجبس ووجودي في كرسي متحرك «أوصى» المسؤولون في السجن، اما بالعطف علي، أو لانهم «قدروا» عدم قدرتي على القيام بأي شيء، ففتحت أبواب الزنزانة ساعات أطول، وسمح لي بتلفزيون وبأشياء أخرى لم يكن مسموحاً بها من قبل.

لقد كانت المعاملة في الشهرين الأخيرين طيبة جداً، وفي شهر رمضان سمح لي ولبقية السجناء في العنبر رقم 6 بالاختلاط والحديث، وكان ذلك ممنوعاً قبلاً بشكل صارم، فكنا نزلاء عنبر 6 والذي يضم 20 سجيناً نفطر سوياً على مائدة واحدة مع السجانين، أيضاً وكان بين السجناء وزيران سابقان هما محيي الدين الغريب وتوفيق عبده اسماعيل، فضلا عن محافظ الجيزة السابق المستشار ماهر الجندي، وعدد من نواب البرلمان السابقين الذين أدينوا في قضية القروض(كلهم يقضون احكاما بالسجن لادانتهم في قضايا فساد)، وأيضاً عدد من رجال الأعمال وعدد من ضباط الشرطة المدانين في قضايا تعذيب وقتل خطأ

* ماهي رؤيتك لقضاياهم المختلفة وماهي طبيعة الأحاديث التي دارت بينك وبينهم؟

ـ المجموعة التي كانت ترافقني في السجن وجلست معي على مائدة افطار رمضان كانت تضم مرتكبي كل الجرائم، باستثناء جرائم الآداب، فقد كان هناك متهمون بجرائم قتل، وهم ضباط شرطة (سابقون)، وكان هناك متهمون بارتكاب جرائم مخدرات، او نصب، او استيلاء على المال العام والرشوة واستغلال النفوذ، ثم متهمون بجريمة «الاساءة لمصر في الخارج»، وهي الجريمة التي أدنت بسببها.

لقد تحدث كل منهم عن قضيته.. والطريف أنه لم يسألني أحد عن قضيتي، وقد شرح لي كل منهم ملابسات وظروف قضيته، وجميعهم قالوا أنهم أبرياء، ولم يرتكبوا الجرائم التي نشرتها الصحف، وعلى سبيل المثال محيي الدين الغريب، قال لي انه لا يملك الا تأشيرات لمن تحته من موظفين، أما تأشيراته كوزير فلا يعاقب عليها القانون، لأنه دائماً، كما قال لي، يقول تنفذ التأشيرة في ضوء اللوائح والقوانين، وبالتالي لا ينبغي أن يحاسب عليها، أما المستشار «الجندي» محافظ الجيزة فقد قال لي إنه لم تثبت عليه أية جريمة، ومن وجههوا اليه اتهامات لم تكن لديهم أدلة بل أقوال مرسلة، وجميعهم فسروا قضاياهم المعروفة كقضايا رأي عام، باعتبارها تصفية حسابات وانتقام، وأنا الوحيد الذي كنت أقول على سبيل الدعابة أنني ارتكبت كل ما اتهمت به.

* وماذا عن الاصوليين؟ هل كان في عنبر ستة الذي تواجدت فيه أي منهم؟

ـ في العنبر لم يكن هناك «اسلاميون»، ولكنهم كانوا موجودين في السجن معي، والتقيت بهم وهم كانوا حريصين على ذلك اللقاء، والتعامل معي من خلال شبكة الخدمات التي سمحت لهم بها ادارة السجن، وهذه الخدمات عبارة عن مشاريع صغيرة مثل مغسلة ومكوة وورشة نجارة وكهرباء وخياطة، وكل ملابسي في السجن صنعها اسلاميون من الاخوان والجهاد والتكفير والهجرة متهمين في قضايا مختلفة من زارك من السياسيين والدبلوماسيين سواء من الغربيين أو العرب والمصريين؟

معظم من زاروني كانوا سفراء المجموعة الأوروبية الـ15، وقد زارني سفراء الدول الخمسة عشر، وأيضاً زارني ثلاث سفراء من خارج المجموعة الأوروبية، وهم سفراء استراليا وكندا و الولايات المتحدة، وزارني بعض ممثلي جماعات حقوق الانسان والمحامين والأسرة والأهل.

* ماذا كان موضوع الحديث الرئيسي بينك وبين السفراء والدبلوماسيين الغربيين؟

ـ كانت القضية هي القاسم المشترك في كل الأحاديث، ايضا كانت العلاقات الثنائية بين مصر وكل بلد من هذه البلدان، وكيف تأثرت العلاقة بالقضية . ايضا كان الوضع العام في المنطقة، وقضايا العراق والسودان وفلسطين، محاور للحديث في كل لقاء مع الزوار الأجانب والدبلوماسيين.

* اذا عدنا الى قضيتك، فبعد ثلاث سنوات من البداية، ماذا وراء هذه القضية ولماذا تضخمت بكل هذا الحجم؟

ـ هذا السؤال وجه لي مرات عديدة، وقلت وأكرر أنني حقيقة لا أعلم السبب الحقيقي وراء هذه القضية، ولكن التخمينات أنت تسمعها وأنا أسمعها والعالم كله يسمعها، ومعظم التخمينات التي يقال انها السبب الحقيقي وراء هذه القضية يسأل عنها من تسببوا في هذه القضية وهم المسؤولون المصريون.

* التخمينات تدور حول دخولك في موضوعات سياسية تعتبر نقاطاً حمراء لا يجب الدخول فيها؟

ـ ممكن.. وبالقطع حدث ذلك، ففي ضميري كمفكر وكعالم اجتماع سياسي ليس لدي خطوط حمراء، وأتحدث فيما يمليه علي ضميري كعالم وكمراقب وكمحلل

* ما هي هذه الموضوعات باختصار؟

ـ أنت تعرفهم فقل أنت.. أنا لن أقول مرة أخرى، ولكن كل ماخمن بشأن الانتخابات حصل، والحديث عن الأقليات حصل، ولا أنكره، والحديث عن «الخلافة» (خلافة السلطة)في الجمهوريات العربية حصل ولا أنكره، وقلت فيه رأيي، وبعد أن قلت رأيي قبل ثلاث أو أربع سنوات العالم كله يتحدث عنه، وكل ما تكلمت فيه من قبل من سنوات عاد العالم يتحدث عنه وخاصة بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) من العام الماضي، بل أصبحت هذه الموضوعات على الأجندة العالمية وليس الأجندة المصرية والعربية فحسب، وأنا ليس لدي ما أعتذر عنه، وليس لدي ما أندم عليه، لأنني في كل الأحوال لا أتعمد الاساءة لأحد.

* الدور الاميركي

* الدور الأميركي في قضيتك كان مثار تساؤل ودهشة لدى الجميع.. فهل أنت أميركي؟؟ وكيف استقبلت وصفك «بالمواطن الأميركي» في بيان السفارة الأميركية عقب ادانتك للمرة الثانية امام محكمة أمن الدولة؟ وما هي حقيقة علاقتك بأميركا ودور زوجتك الأميركية السيدة بربارة في حشد التأييد الأميركي لك؟

ـ هذه مجموعة تساؤلات.

اولا: أنا أحمل الجنسية الأميركية، حيث عشت هناك(في اميركا) 13 سنة، وسحبت مني الجنسية المصرية في عهد عبد الناصر، ولم يكن أمامي وقتها الا قبول الجنسية الأميركية لأتمكن من السفر والاقامة في ذلك الوقت، وحينما ألغيت الحراسة وأعيدت إلي الجنسية المصرية عدت الى مصر واحتفظت بالجنسيتين المصرية والأميركية، كما حصلت زوجتي على الجنسية المصرية، وكانت قد سحبت مني الجنسية المصرية بسبب الخطوط الحمراء أيضاً وقتها.

فقد هاجمت تقاعس الأنظمة العربية في الدفاع عن تحويل نهر الأردن والتقيت بالعاهل السعودي الراحل الملك فيصل في واشنطن كرئيس لاتحاد الطلبة العرب، في وقت كانت مصر على خلاف مع السعودية، واعتذرت عن عدم حضور مؤتمر للمبعوثين المصريين في الخارج حضره الرئيس جمال عبد الناصر.

أما زوجتي «بربارة» فهي عالمة اجتماع، وهي ترأس فرع المجلس الدولي للسكان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومقره القاهرة، ولم يكن لها دور في الدور الدبلوماسي والسياسي الأميركي تجاه قضيتي، لانها لم تطلب.. وأنا لم أطلب تدخل أي حكومة في هذا الموضوع، ولكن كان لزوجتي دور كبير في تحريك المجتمع المدني العالمي، بمساعدة ابنتي وبدرجة أقل ابني، بحيث أن كل منظمات حقوق الانسان في العالم والمهتمين بالحريات ودعاة الديمقراطية في العالم تبنوا قضية سعد الدين ابراهيم ومركز ابن خلدون والعاملين فيه، وما كان لها أن تفعل ذلك الا لأن القيم التي تدعو اليها يشاركنا فيها المجتمع المدني العالمي.

اما مسألة دخول حكومات أو جهات مسؤولة على الخط، فجاءت نتيجة لضغط الرأي العام في كل هذه البلدان، اذ بدأت قضيتي عام 2000، ولم يتدخل فيها بوش الا عام 2002، نتيجة لجهود المنظمات الحقوقية. والبرلمان الأوروبي لم يتدخل الا بعد بداية القضية بعام كامل، والدول الأوروبية وغيرها تدخلت لأن الهيئات الأكاديمية والجامعات وروابط حقوق الانسان تحركت تحركاً فعالاً.

* هل توقعت أن يصل الأمر في قضيتك أن ترهن مسألة معونات اضافية لمصر بالافراج عنك؟

ـ لا لم تخطر ببالي.. وكانت مفاجأة لي كما كانت مفاجأة لمصر والمصريين، ولم أستقبلها بسرور بل حزنت جداً.. بل بكيت فعلاً بالدموع بسبب ذلك، فقضيتي التي لم يستفد منها أحد وخسر فيها الجميع، كانت وراء ذلك.

* في تقديرك هل أفادك أم أحزنك علاقتك بأميركا وتدخلها في قضيتك؟

هذه مسألة تخضع لتقديرات الآخرين، ولا أستطيع أنا أن أحكم فيها، وفي تقديري أن قضيتي هي قضية الحرية والديمقراطية، وهذا هو المعيار الوحيد، سواء تدخلت أميركا وأوروبا أو لم تتدخل.

* الشارع المصري غضب منك لأنه شعر أن أميركا تتعامل معك باعتبارك رجلها ؟؟

ـ الشارع المصري يفكر كما يريد، فأنا من دعاة الحرية والناس أحرار فيما يفكرون فيه، لكن اعتقد أن هناك دورا كبيرا قامت به الصحافة المغرضة في هذا الوضع. اما أن يتعامل معي الناس باعتباري رجل أميركا فمسألة مؤسفة، خاصة وأن مصر تتباهى حكومة ودولة بأن علاقتها بأميركا علاقة استراتيجية وقوية، وتتلقى منها مساعدات كما تفعل مع دول أخرى، فاذا كانت أجهزة رسمية تروج لهذا فلا بد أن تسأل هذه الأجهزة.

* هل كان، في تقديرك، هناك ضغط سياسي أميركي ـ غربي وراء الافراج المبكر عنك من قبل محكمة النقض، والاسراع بتحديد جلسة لمحاكمتك مجدداً؟

ـ للأمانة لا أدري.. وفي أكثر من مناسبة قلت ان النظام المصري لا يقبل الضغوط، وبالقدر الذي أعلم به شيئاً أو أعرف به شخصية الرئيس حسني مبارك فهو يرفض أي تدخل، وبالعكس ربما كانت محاولات التدخلات، اذا حدثت وأنا لا أدري شيئاً عنها، ربما هي التي أطالت في أجل هذه القضية، فالجزء القانوني فيها جزء تافه للغاية، بل يكاد لا يعتد به في أية محكمة محترمة مستقلة، وبالتالي لم اطلب، لا انا ولا أسرتي تدخل أحد.. ولم يقل لي أحد من هذه الحكومات مقدماً أنه سيتدخل، وعلمت بقرار أميركا فيما يتعلق بالمساعدات من الصحف كما علم به الآخرون.

* ما أثير حول القضية أعطى انطباعا بأن ثقلك السياسي والفكري دفع اميركا للتدخل؟

ـ قرأت شيئاً من هذا القبيل، وأنا لا أعتقد أنه دقيق، ولا أعتقد أن دولتين محترمتين كمصر والولايات المتحدة يفعلان ذلك، واذا كان قد حدث ذلك فربما للحظة عارضة.. انما بالقطع لا يوضع رأس سعد الدين ابراهيم برأس مصر أو في ميزان العلاقات الدولية، لكن أعتقد أن هذا جزء من الاضطراب الذي أحاط بهذه القضية، فكل شيء اضطرب وأخذ حجماً أكبر من حجمه، بما في ذلك حجم سعد الدين ابراهيم فهو لا يستحق كل هذه الضجة.. حقيقة.

أنت تقول أنك لا تستحق كل هذه الضجة؟

ـ لا طبعاً أنا لا أستحق كل هذه الضجة، لا مصرياً ولا عالمياً، فأنا انسان كل مايفعله هو أنه يعلم في الجامعة، ويقوم بالدراسات الاجتماعية، يقول رأيه ويعبر عنه في القضايا العامة، وينادي بالديمقراطية وحقوق الانسان، وينشط في هذه المجالات بشكل سلمي وهو لا يملك لا ميلشيات ولا يستخدم سلاحا في سعيه نحو هذه الأهداف، ولا يملك أموالا ولا حزبا ولا صحيفة، كل ما يملكه هو ضمير وقلم ومنهج فقط، واذا كان ذلك يضخم سعد الدين ابراهيم الى الحد الذي تتحدث به بعض الجهات فالخطأ يكون لدينا، فمن المفترض أن ما أقوم به شيء عادي جداً في أي بلد ديمقراطي حر .. فالعيب هو نقص الحريات والديمقراطية.

* وهل اخطأت السلطات المصرية، في تقديرك، باحالتك الى القضاء والاصرار على استمرار قضيتك وصدور أحكام بالسجن، بشكل أفادك وصنع منك بطلاً، وأنت لم تكن تحلم بذلك، ولم يكن أحد يتوقع أن تصبح بهذا الحجم من التواجد الاعلامي والدولي والسياسي؟

ـ لا أستطيع أن أقول أن مصر أو المسؤولين أو الدولة أخطأت أو لم تخطئ، انما بالقطع لم تصب، اذا لم تكن لم تخطئ، فهي لم تصب، وبالتالي تضخمت الأمور بشكل لا أظن أنه كان في مخيلة من بدأوا هذه القضية، وقد يكون لديهم مبررات لبدئها، لكن كان عليهم، وهذا ما أعاتبهم عليه، أن يقفلوا هذا الملف بسرعة، وخاصة بعد قرار محكمة النقض الأول بقبول الطعن، ولكن الاستمرار في القضية هو الذي أحدث تضخما للموضوع، فهذه الأبعاد العالمية لم تكن موجودة في المرحلة الأولى، فالاهتمام العالمي تزايد مع كل مرحلة للقضية، وبعد أحداث 11 سبتمبر زاد الاهتمام بشكل أكبر بالمنطقة التي تفرز التطرف والارهاب، ووجدوا أنه مع التطرف والارهاب يوجد استبداد في الأنظمة الحاكمة يدفع بعض الشباب الى هذا السلوك المتطرف المجنون، فبدأ الاهتمام بقضية سعد الدين ابراهيم يدخل هذا الجانب، ثم جاء تقرير منظمة الأمم المتحدة الذي صاغه عدد من المفكرين والعلماء العرب، والخاص بالتنمية البشرية، وقيل فيه أن المنطقة تشكو من ثلاث نواقص هي الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان والمعرفة والتكنولوجيا، كل ذلك أعطى لقضية مركز ابن خلدون ولأصحابها، وأنا منهم، حجماً أكبر مما كان ينبغي أن يأخذوه.

* أنت سعيد بالمحصلة النهائية للقضية بأنك أصبحت بطلاً؟

ـ مسألة البطولة التي تلح عليها لم تكن في خاطري، وليست في خاطري الآن، أنا أريد أن أعيش انساناً بسيطاً أكاديمياً، لا ولم أسع لسلطة، وبالتالي كل ما أتمناه أن أعود لأجندتي سواء أكاديمية أو انسانية أو ديمقراطية.

* هل حقاً ما قلته في رسالتك عند منحك جائزة بيت الحرية بأنه عرض عليك اغلاق ملف القضية مقابل الصمت؟

ـ نعم عرض علي ذلك.. وهذا قاله المحامي فريد الديب الذي تولى الدفاع عني في بداية التحقيقات في التلفزيون في حوار صريح جداً.

* من طلب منك الصمت؟

ـ فريد الديب نقل لي ذلك بناء على طلب مسؤولين كبار.

* لم يذكر لك أسماءهم؟

ـ هو قال لي اسم المسؤول، ولكن أنا لست في حل لاعلان ذلك، ويسأل عنه فريد الديب فهو الذي قال لي بثقة وصدق، تماماً كالمصدر الصحافي الذي لا تبوح أنت باسمه حتى أمام القضاء.

* قال لك اصمت وستغلق القضية فلماذا لم تصمت؟

ـ بل أن «فريد الديب» قال لي اذا لم تصمت سأنسحب.. وانسحب فعلاً، وأنا لم أصمت لأنني لم أقل الا ما أعتقد أنه حق، سألني طلابي بعد التحقيق وسجني على ذمة التحقيقات، بعد أن قضيت صيف 2000 في السجن، فكان لا بد أن أقول لهم أين كنت، ولماذا، ولا بد أن أجتهد في «لماذا»، ولكي يصمت مفكر واستاذ أكاديمي عن أن يتحدث في الشأن العام، وأنا تخصصي هو الشأن العام، فهذا معناه الموت، واذا كان الموت أو السجن فالسجن أخف من الموت المعنوي والأدبي فلا قيمة لمفكر لا يتحدث، لا يكتب لا يقول كلمة حق.

* هل أنت مستعد الآن للصمت؟

ـ لا لن أصمت.. اذا كانت هناك قضية ينبغي أن أتحدث فيها ولدي ما أقوله فيها فسأقوله.

* يبقى في قضيتك جزء غامض، وهو الفاكس الذي أرسلته للجمعية البروتستانتية الألمانية والذي أوردت فيه أن هناك اضطهاد للأقباط في مصر، هذا الفاكس كيف تراه خاصة وأنه أعتبر مستنداً رئيسياً في ادانتك؟

ـ الفاكس حقيقي، وأنا لم أرسله ولكن أرسلته احدى مساعداتي بمركز ابن خلدون وموقع في النهاية عن سعد الدين ابراهيم (ايفت فايز)، وهي أرسلته كمسؤول عن مشروع التعليم والتسامح، ونحن لم نقل أن هناك اضطهادا، ولكن قلنا أن هناك تفرقة، ومازلت أقول أن هناك تفرقة، وقالها البابا شنودة بطريرك الأقباط منذ عدة أسابيع، وقالها آلاف الأقباط، وقالها مئات المسلمين.

والخلاف ليس في ارسال الفاكس، ولكن في تكييف ما قلناه، والذي حرفته مباحث أمن الدولة ونيابة أمن الدولة، ويسأل الأقباط في ذلك، ويسأل المسلمون ايضا، ولا أعرف لماذا، حينما تحدثت كمسلم متخصص في تناول نبض المجتمع، اعتبروا ذلك جريمة.

* أموال اسرائيل

* جزئية أخرى في قضيتك غير واضحة وهي تلقي أموال من الخارج فكم تلقيت؟

ـ ربع مليون دولار.. كل هذه (الهيصة) على ربع مليون دولار على مدار 3 سنوات.. مبلغ تافه، وأنا أتلقى أموالاً منذ سنة 1988، وفي نفس الوقت الذي تلقينا فيه هذا المبلغ تلقينا مبالغ من جهات أخرى، ولكن لأن المبلغ الذي تلقيناه كان من أجل أبحاث عن الديمقراطية والانتخابات ثم رصده، علماً بأننا تلقيناه بشكل قانوني، ودفعنا عليه ضرائب، وبالتالي علمت جهات رسمية به، والادعاء بأننا فعلنا ما فعلناه دون الحصول على اذن رسمي غير صحيح، فلم يكن مطلوباً من كل شركة أن تحصل على تصريح رسمي بكل تعامل تقوم به، والا كانت الحياة الاقتصادية قد توقفت وشركتي تتعامل مع العالم.

* جاء في حيثيات الحكم الصادر ضدك في 29 يوليو (تموز) عام 2002 أنك تلقيت أموالا من اسرائيل من جامعة حيفا، فما هي حقيقة تعاملك مع جهات اسرائيلية؟

ـ هذا كذب.. ما تلقيناه كان اشتراكاً في نشرة من نشرات مركز ابن خلدون وكان المبلغ 120 دولارا فقط، ولذلك لم يذكر المبلغ من تفاهته، ولكن ذكر تلقي أموال من اسرائيل ليحشدوا الرأي العام ضدنا، ولم يكن هذا أول ولا آخر مبلغ نتلقاه من جامعة أجنبية سواء في اسرائيل أو زنزبار أو الصين، ولكن الانتقاء كان مقصوداً لاغتيال «الشخصية العامة».

* ماذا عن موقفك من التطبيع مع اسرائيل؟

أنا مع السلام ولا أستخذم كلمة «التطبيع»، ولم أدع له.. ولكن أنا داعية للسلام هل ترى السلام ممكناً في ظل كل ما يحدث في الأراضي الفلسطينية؟

نعم السلام ممكن، وأنا مؤمن بالسلام مثل ايماني بالديمقراطية، ولا حل للقضية الفلسطينية الا من خلال السلام، فبالسلام حصل الفلسطينيون على بعض حقوقهم، وبالسلام سيحصلون على بقية حقوقهم، وبغير السلام لن يحرروا شبراً واحداً من أرضهم، وبغير السلام ما كان لنا أن نسترد بقية سيناء.

* حملة التوقيعات التي جمعها (مجدي خليل) من مفكرين وكتاب عرب تطالب الرئيس مبارك بالافراج عنك.. هل كنت على علم بها؟

ـ لا لم أكن على علم بها، ولم أكن أعلم أن مجدي خليل «مسيحيا»، ولم أكن أعلم أن الذين قاموا بها كانوا في الخارج.. أنا علمت بها من هجوم الصحف عليها، وكانت مفاجأة لي فأنا في السجن لا حول لي ولا قوة.

* هل فكرت في ارسال التماس للرئيس مبارك تطلب الافراج عنك لظروفك الصحية؟

ـ لا أنا لم أفعل ذلك، ولا أرفض، ولكن لا أريد أن ألتمس شيئاً خارج اطار القانون، ولا أريد أي معاملة خاصة، سواء معاملتي كأميركي أو كاستثناء .. وأنا مصري في هذه القضية أي كانت النتيجة أن أعامل كمصري وكمواطن عادي.

* هل تتوقع البراءة أمام محكمة النقض؟

ـ أتمنى هذا.. وأرجو أن ينتهي هذا الفصل لان قدر الضرر الذي وقع بسبب هذه القضية على كل الأطراف كان فادحاً، فقد استنزف رصيد مصر عند العالم الحر، واستنزف المجتمع المدني المصري واستنزف طاقتي وأسرتي.. ولم يستفد أحد.

* هل سيعاد فتح مركز ابن خلدون حال اغلاق ملف القضية؟

ـ هذا قرار لا أتحدث فيه الآن، وحين نأتي الى هذا الجسر سنعبره، والقرار فيما يتعلق بعملي بالحياة العامة أصبح قراراً أسرياً، وليس قرارا فرديا، لأن أسرتي عانت الكثير خلال السنوات الثلاث الماضية.

* ستبقى في مصر أم ستغادرها في حالة انتهاء هذه القضية؟

ـ سأبقى في مصر ان شاء الله، ولن أغادرها الا طلباً لعلاج أو لحضور مؤتمر دولي

* ماذا استفدت من تجربة السجن وماذا خسرت؟

ـ استفدت أنني أصبحت أكثر حكمة وأكثر تأملاً وأكثر تواضعاً، وخسرت ثلاث سنوات كان من الممكن أن أؤدي فيها الكثير لوطني ولأسرتي وللعالم، وخسرت قدراً كبيراً من مدخراتي بل تكاد تكون كل مدخراتي قد خسرتها بسبب القضية.

* ماذا عن مذكراتك في السجن؟

ـ تحمل عنوان «يوميات سجين»ولم أنته، منها وكتبت منها حوالي 480 صفحة، وسأنشرها ربما بعد انتهاء القضية، وستكون شاملة لكل ما مررت به في السجن.