أكاديمية المملكة المغربية تبحث ظواهر الحروب الإقليمية وآثارها على التنمية الاقتصادية والتطور الحضاري

TT

واصلت أكاديمية المملكة المغربية أمس مداولات دورتها الموسمية حول موضوع «الحروب الإقليمية والمحلية وآثارها على التنمية الاقتصادية والتطور الحضاري». وتركزت مداخلات المشاركين على ظواهر الحروب الأهلية واستشفاف أسبابها فضلا عن التعرض لآثارها السلبية على مسلسل التنمية في البلدان والمناطق الأكثر تعرضا لهذه الظاهرة.

وقدم جان لوي أركان في مداخلته إحصائيات حول الحروب الأهلية والصراع بين الحكومات وحركات التمرد، مركزا على النماذج البحثية لفهم نشوب النزاعات الأهلية والمحددات الاقتصادية لها والمستفيد منها وتأثير الدعم الخارجي على نشوب النزاعات.

وعزا أركان استنادا إلى نتائج مبنية على أبحاث تمت عبر اختيارات معينة شملت 100 بلد، نشوب الحروب الأهلية إلى فقر البلد واتساع عدد سكانه فضلا عن النظام الديمقراطي المتذبذب فيه وفرضية الاستيلاء على موارده الأولية، معتبرا أن تحقيق نمو اقتصادي في البلد الفقير هو أفضل وسيلة لتجاوز الحرب الأهلية.

ومن جهته، قال أوطو دو هابسبورغ ان اندثار الأديان في أوروبا الوسطى يعد أحد الأسباب المباشرة في اندلاع الحروب الأهلية بها وأن السلم الذي يفرض بالقوة لا يحقق الأمن مستدلا في هذا الإطار بحالات الشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفو.

وأكد أن تقرير مصير الشعوب واحترام إرادتها هما الكفيلان باستتباب الأمن والسلام، وأن السلم يجب أن يكون في خدمة الشعوب وليس في خدمة الدول، معربا عن اعتراضه على الفرضية التي تقول إن الدين هو عنصر الخطر في العملية السلمية.

اما صاحب زاده يعقوب خان وزير الخارجية الباكستاني الأسبق وعضو أكاديمية المملكة المغربية، فقال ان افغانستان تشهد منذ الغزو السوفياتي سنة 1979 حربا مدمرة خلفت تدميرا للمؤسسات الوطنية وبروز عدد من زعماء الحرب في هذا البلد، وظهور مشاكل ديمغرافية وتدفق الهجرات نحو باكستان.

وربط خان بين حركة طالبان وأحداث 11 سبتمبر (ايلول) التي أظهرت أن الإرهاب بدأ يهدد الحضارة برمتها وأن أفغانستان البلد الذي يواجه مصيره لوحده في حاجة إلى دعم دولي لتعزيز بنياته التحتية وتوحيد مكوناته الإثنية وتحقيق التنمية، مشددا على ضرورة جعل أفغانستان مختبرا لقياس العمل الدولي من أجل التنمية.

ودعا الدكتور عبد الهادي بوطالب، عضو أكاديمية المملكة المغربية إلى تفادي إصدار حكم مطلق على القارة السوداء بأنها مسعرة الحروب وموقدة النزاعات المسلحة، واعتبر أن أفريقيا يمكن تقسيمها إلى قارتين. إحداهما تعيش في فقر وتوجد خارج التنمية والاستقرار والثانية تندرج على سلم النماء والحداثة.

وذكر أن الحروب الإقليمية في القارة نشبت إبان الحرب الباردة واستمرت حتى نهاية القرن المنصرم نتيجة للشرخ الذي وزع الحكام بين موال للاتحاد السوفياتي سابقا والنهج الشيوعي وبين موال للغرب الليبرالي الديمقراطي.

وعدد بوطالب أسباب هذه الحروب التي نشبت في الوقت الذي عجزت فيه الأمم المتحدة أحيانا عن لعب دور الوسيط أو الراعي لفك نزاعاتها وارتفاع الشعار الغربي القائل بـ«حل أفريقي للنزاعات الأفريقية». ولاحظ أن النزاعات المسلحة في بؤر التوتر بالقارة تلتقي في خلفية وهي انتشار التربية على ثقافة العنف والعدوانية، معتبرا أن التخلص من الحروب هو السبيل إلى تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية في مناطق الصراع بالقارة.

وبرأي أمادو مختار امبو، المدير العام الاسبق لمنظمة اليونيسكو، وعضو أكاديمية المملكة المغربية، فإن مسلسل التحرير والاستقلال في عدد من البلدان الأفريقية انطلق مباشرة بعد «ثورة الملك والشعب في المغرب» سنة 1953، وأنه بعد استقلال هذه البلدان حدثت صراعات داخلية خاصة في الكونغو (زائير سابقا) ونيجيريا وتشاد والسنغال ومالي والنيجر، مشيرا الى أن آخر هذه الحروب هي التي تعرفها ساحل العاج.

كما ذكر بأن الصراعات نشبت أيضا بين دول مثل بوركينافاسو ومالي وبين موريتانيا والسنغال وبين افريقيا الوسطى و تشاد وبين الصومال واثيوبيا وبين اثيوبيا واريتريا، معتبرا أن هذه الحروب أفرزت مشكلة التسلح الذي اضطرت بسببه الأطراف المتناحرة إلى تغليب جانب الإنفاق العسكري على حساب التنمية مما جعل من المستحيل إقامة تجمعات إقليمية تخدم القارة.