انخفاض الزكوات والتبرعات للمراكز والجمعيات الخيرية في أميركا بسبب الحملة ضد الإرهاب

TT

بعد شهر رمضان، الذي انتهى هذا العام يوم الخميس الماضي، يندفع المسلمون الاميركيون لاخراج الزكاة، التي تقدر بنسبة اثنين ونصف في المائة من صافي الدخل السنوي. ولكن طريقة اخراج الزكاة اختلفت هذا العام، اذ تقول الجمعيات الخيرية الاسلامية، ان كثيرين من المسلمين قدموا زكواتهم دون اعلان عن ذلك، او قدموها نقدا. وجاءت مساهماتهم للمساجد وللجمعيات الخيرية العالمية بنسب اقل من المعتاد، كما زادت المبالغ المقدمة للجمعيات التي تدافع عن حقوق المسلمين الاميركيين المدنية.

وقال بعض المسلمين الاميركيين انهم تفادوا كلياً تقديم زكواتهم للمؤسسات الخيرية، واختاروا تقديمها اما الى المحتاجين في مجتمعاتهم المحلية بصورة مباشرة، او ارسلوها الى اقاربهم لتوزيعها في بلدانهم الاصلية. ويقول قادة الجاليات الاسلامية ان هذا التحول كان نتيجة للهجمة التي قامت بها ادارة الرئيس جورج بوش على الجمعيات الخيرية المتهمة بجمع الاموال وتحويلها الى تنظيم «القاعدة» وغيرها من المنظمات المشتبه في علاقتها بالارهاب.

وكانت الادارة الاميركية، قد اغلقت، بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، ثلاثا من اكبر خمس جمعيات خيرية اسلامية عالمية، تعمل في الولايات المتحدة، وجمدت حوالي 8 ملايين من الدولارات من اموال هذه الجمعيات الثلاث. وقد استأنفت هذه الجمعيات الحكم الصادر ضدها، ولكنها لم تصب نجاحا حتى الآن.

وقال المسلمون الذين ادوا الصلاة في مساجد واشنطن، انهم يقدمون الزكاة، التي هي واحد من اركان الاسلام الخمسة، برضى وسرور. ولكنهم قالوا انهم يشعرون هذا العام ببعض القلق، لانهم يريدون ان يتأكدوا ان اموالهم تصل الى الفقراء، ويخشون الانحراف بها الى جهات اخرى، كما يخافون كذلك استهداف الحكومة لهم لهذا السبب.

وقال محمد ارض الله، 66 سنة، بالمركز الاسلامي بميريلاند «لا نريد ان تصل اموالنا الى منظمات سيئة. ولا اريد ان ارى اسمي في احدى شبكات المعلومات». كما قال سلام المرياتي، المدير التنفيذي لمجلس الشؤون العامة الاسلامي، ان الرقابة الحكومية الصارمة أخافت الناس من تقديم صدقاتهم الى المؤسسات الخيرية الاسلامية. واضاف المرياتي «هناك خوف من الحكومة، وشعور بان هذه اداة لاسكات صوت المسلمين الاميركيين. ولكن الناس سيجدون طريقة ما لاخراج زكواتهم» لان هذا فرض على كل المسلمين. وتابع قائلا «اذا كانت اساءة استخدام هذه الاموال والانحراف بها هي القضية، فانني اعتقد ان الحكومة جعلت مراقبة الجهات التي تصل اليها هذه الاموال اكثر صعوبة. وهناك على الاقل نظام للمراقبة بالنسبة للمنظمات غير الربحية. والآن يقوم الافراد باعطاء الاموال الى افراد آخرين، فمن يعرف اين تذهب هذه الاموال؟».

ونسبة لعدم وجود سلطة مركزية في الاسلام، ولهشاشة الروابط القائمة بين المسلمين الاميركيين، فانه لا يوجد من لديه معلومات موثوقة حول حجم المبالغ التي تجمعها الجاليات الاسلامية كل عام، او حول الجهات التي تتلقى هذه الاموال. ولكن اسلام عبد الله، محرر مجلة «المنارة» الاسلامية الشهرية التي تصدر بلوس انجليس، قال انه استطلع آراء 56 مسجدا ومركزا اسلاميا على مستوى البلاد، وهو يعد لمقالة بمجلته. وقال ان استجابات هذه المساجد والمراكز اوضحت ان الزكوات المقدمة اليها انخفضت بنسبة 20 في المائة هذا العام. واضاف اسلام عبد الله انه يشعر ان المسلمين يقدمون مبالغ اكبر من أي وقت مضى لان المسلمين «يمرون باوقات صعبة في هذه البلاد» ولان «الروحانية والتدين اصبحا اكثر عمقا وسطهم».

وتذهب بعض الاموال الى مجموعات الحقوق المدنية، مثل مجلس العلاقات الاميركية الاسلامية (كير) الذي يتخذ من واشنطن مقراً له. وقد برهن المجلس على متانة الموقف المالي للجالية الاسلامية عندما تحصل على مبلغ 523 الف دولار، خلال عشاء واحد اقامه في لوس انجليس، في 19 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. كما تحصل المجلس كذلك على 650 الف دولار خلال مناسبة لجمع التبرعات اقامها بضواحي واشنطن. وقد جمع المجلس هذين المليونين من الدولارات خلال الاسابيع الثمانية الاخيرة، اي ضعف التبرعات التي تلقاها خلال كل عام 2001، حسب تصريحات ادلى بها مديره عمر احمد.

ويبدو ان مزيدا من الاموال تذهب حاليا الى المشاريع الاجتماعية المحلية، مثل مطاعم الفقراء والمراكز الصحية. وقد انشئ مطعم بلوس انجليس في الآونة الاخيرة قدم وجبات الى اكثر من 1500 شخص ممن لا منازل لهم في واشنطن. وقد نسق متطوعون مسلمون مع احدى الكنائس المحلية لتقديم وجبات لنساء بلا مأوى، ويجمعون الاموال حاليا لاقامة مركز صحي يقدم خدمات مجانية. وفي هيوستون يقوم الاطباء المسلمون بادارة مثل هذا المركز الذي يقدم خدماته بصورة اساسية لمرضى من اصول اسبانية.

وقال سيد محمد سعيد، رئيس الجمعية الاسلامية لاميركا الشمالية «هذا من آثار 11 سبتمبر. فعندما اعلنت اسماء الخاطفين اصيب المسلمون بصدمة عميقة. ولكن سرعان ما جاءت فترة النشاط. وتنتشر من الساحل الى الساحل المشروعات التي يشارك فيها المسلمون وحدهم او من خلال التعاون مع مؤسسات من الاديان الاخرى».

جدير بالذكر ان الجمعية الاسلامية لاميركا الشمالية تضم 300 منظمة، من مساجد الى مراكز جاليات وجمعيات مهنية. اما الجمعيات الاسلامية التي تركز على اعمال وراء الحدود فانها تواجه صعوبات جمة. فوكالة «الحياة للاغاثة والتنمية»، ومقرها ميشيغان، ترسل مواد الاغاثة الى افغانستان والعراق. وقد جمعت 4،4 مليون دولار العام الماضي، ولكن احد ممثليها قال انهم «سيكونون محظوظين» اذا جمعوا 4 ملايين هذا العام.

وقالت مؤسسة «الرحمة الاميركية للاغاثة والتنمية»، وهي جمعية اخرى مقرها ميشيغان، تنشط على مستوى العالم، ان مانحيها تملكهم الخوف نتيجة الاتهامات الموجهة للجمعيات الاخرى بانها حولت مبالغ من المال الى الارهابيين. وقال انهم بذلوا مجهودات كبيرة من خلال البريد العادي ومن خلال موقع على الانترنت لابراز حقيقة ان المجموعة تتلقى تمويلا من الحكومة الاميركية.

وكانت وزارة الخزانة الاميركية قد اصدرت يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استجابة لرغبة الجمعيات الاسلامية، توجيهات اختيارية لكل الجمعيات الخيرية، مركزة على اهمية الشفافية والحسابات السنوية ومراجعة المتلقين الاجانب للمعونات. وقال المنظمون في مجلس الشؤون العامة الاسلامي، ان الاجتماع السنوي للمجلس الذي يعقد بلوس انجليس يوم 21 ديسمبر (كانون الاول) الجاري ويتوقع ان يشترك فيه 2000 ممثل للجمعيات الاسلامية، سيناقش تكوين معتمدية تكون اختامها موثوقا بها من قبل المانحين.

وقد ظهرت كثير من الوكالات الاسلامية التي تركز على الشفافية. ولكنها ما تزال صغيرة وغير معروفة بالمقارنة مع الجمعيات الثلاث التي اغلقتها الحكومة. والجمعيات الثلاث هي: مؤسسة الاراضي المقدسة للاغاثة والتنمية، والهيئة الخيرية العالمية، والمؤسسة العالمية للاغاثة. وكانت هذه الجمعيات الثلاث تجمع اكثر من 20 مليون دولار في العام.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»