واشنطن تعيش أجواء الحرب المتوقعة في العراق وتتوقع أن يضم التحالف الدولي معها 60 دولة

البعض ما زال يأمل في سيناريو بديل يعرف باسم «القتل الناعم» ويذهب فيه صدام إلى المنفى طواعية

TT

تزينت المدينة لاعياد الميلاد، لموسم السلام. مجموعات من الشباب دون العشرين يرددون اهازيج السلام. وتسمع اصداء معزوفة موزارت «إله السلام» منطلقة من مجمعات التسوق، في هذا الوقت الصقيعي من العام. ومع ذلك فان الاحاديث في هذه العاصمة المشدودة الاعصاب تدور كلها حول الحرب: الحرب المقبلة لاسقاط صدام حسين من السلطة في بغداد.

ورغم ظهور حركة سلام خجولة، فان الجمهور الاميركي مصمم على اعطاء الرئيس جورج ووكر بوش، الحرية كاملة في استخدام القوة ضد القيادة العراقية. وقال نيفيل تشوكر، صاحب المطعم في جورج تاون: «انني اكره الحرب. ولكنني اقبل تأكيد الرئيس بأن صدام قنبلة زمنية من الضروري ابطال مفعولها قبل ان تنفجر في وجوهنا».

وهذه هي المرة الاولى خلال نصف قرن التي يتحقق فيها اجماع قوي من قبل الحزبين الرئيسيين في واشنطن، على دعم العمل العسكري.

قال مايكل ليدين، احد المساعدين السابقين للرئيس ريغان: «مهما كان حجم الادعاءات العراقية، فانه لا يوجد ما يغير من حقيقة ان العالم لن ينعم بالسلام ما دام صدام حسين في السلطة في بغداد. ان العمارة السياسية للشرق الاوسط يجب ان تتغير، بدءاً بالعراق».

ويردد السناتور الكبير، جوزيف بيدين نفس الافكار عندما يقول:

«هناك دعم لا مثيل له لسياسة الرئيس حول العراق. ولا يحمل احد محمل الجد فكرة ترك صدام حسين في السلطة لاي وقت اضافي».

وقد تخلى الجمهوريون المعتدلون عن كل تحفظاتهم من اجل اعطاء الرئيس بوش ذلك النوع من الدعم والتأييد الذي لم يحظ به أي من اسلافه من الرؤساء. ولعلنا نذكر ان الرئيس بوش الأب نال تأييد الكونغرس لحربه لتحرير الكويت عام 1991 بأغلبية صوت واحد فقط. اما في هذه المرة فقد اعطى الكونغرس بمجلسيه تأييدا اجماعيا للرئيس بوش في مشروعه لشن الحرب ضد صدام حسين. وقبل اسبوعين فقط كانت هناك مخاوف وسط الدوائر السياسية بواشنطن، من ان الولايات المتحدة ربما تجد نفسها وحيدة اذا استخدمت القوة لازاحة النظام العراقي. ولكن يسود الشعور حاليا، بأن الرئيس بوش، قد نجح وهو يعمل من وراء الكواليس، في بناء تحالف يدعم سياسته نحو العراق.

يقول السناتور بيدين: «سيحصل الرئيس على كل الدعم الدولي الذي يحتاجه. وعندما تحين ساعة الجد، فان دولة واحدة لن تكون راغبة في الوقوف في صف صدام، وهو الصف الخاسر».

وحتى الدول العربية تعتبر حاليا «شريكة فاعلة» في التحالف المقبل بقيادة الولايات المتحدة. قال هاغل: «الدول العربية ستعبر عن بعض الاحتجاجات مجتمعة، ولكنها ستتعاون على انفراد. وفي ما يتعلق بالدعم العملي فاننا سنحصل على كل ما تستطيع الدول العربية تقديمه».

وهناك على الاقل 11 دولة عربية وافقت على تقديم عدد من التسهيلات العسكرية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، بما فيها اربع قواعد كبرى لشن الحرب ضد العراق. وقد اتسعت فرص اقامة تحالف واسع الاسبوع الماضي عندما قررت الحكومة ذات الميول الاسلامية في تركيا، ان ترمي بثقلها خلف سياسة بوش نحو العراق.

وقد جرت مباحثات كذلك مع ايران من خلال وسطاء. وتبودلت بعض الرسائل حول «بعض اوجه الوضع في المستقبل» بوساطة البريطانيين الذين اقاموا علاقة عمل وطيدة مع طهران. وقد نقلت رسالتان بصورة غير رسمية لبعض اهم الملالي بايران عن طريق رجال اعمال اميركيين من اصل ايراني. ولتسهيل هذه المهام وضعت الادارة كل انتقاداتها للنظام الايراني في الرف الخلفي، على الاقل في الوقت الحالي.

وقد نالت الولايات المتحدة تأييدا من دول الاتحاد الاوروبي. وتعتبر بريطانيا وايطاليا واسبانيا حليفة لا شك في ولائها. اما المانيا التي اعلنت انها لن تشارك في اية حرب ضد صدام، فقد اقترحت دورا بديلا بتوفير 10 آلاف جندي يمكن ان يحلوا محل الاميركيين في افغانستان. ويمكن اعادة نشر القوات الاميركية التي يتم استبدالها لتشارك في حرب العراق. وستقدم دول اوروبية اخرى، ابرزها بولندا وتشيكيا، جنودا ومعدات ثقيلة في اطار التحالف.

وتعبر الدوائر السياسية بواشنطن عن ثقتها بأن اسقاط صدام من السلطة لن يجد مقاومة من فرنسا وروسيا والصين، هذه الدول التي هددت من قبل باستخدام حق «الفيتو» لمنع وصول مجلس الامن الى قرار بالموافقة على الحرب ضد صدام حسين. وقد التقى بوش مؤخرا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبالرئيس الفعلي للصين جيانغ زيمين، وتقول التقارير انه اقنعهما بأن تغيير النظام في العراق سيكون في مصلحة الجميع. وقال روبرت ايكرت، المحلل الاستخباراتي: «لا تندهش اذا قدم الروس قوات الى التحالف. فهم يعرفون انهم اذا ارادوا مصلحة في العراق، فان عليهم ان يكونوا جزءا من التحالف».

ويستبعد المحللون بواشنطن كذلك ان تقوم فرنسا بأي دور يساعد على بقاء صدام في السلطة. قال مصدر بالادارة اشترط عدم ذكر اسمه: «هناك شيء واحد مؤكد: ستكون فرنسا في صفنا عندما يبدأ اطلاق النار».

ويقول نفس المصدر ان التحالف الجديد المعادي لصدام يمكن ان يضم اكثر من 60 دولة، وهو بالتالي اكبر من تحالف عام 1991 من اجل تحرير الكويت. ومع ذلك يبقى السؤال الاساسي: هل قرر الرئيس بوش شن الحرب ضد العراق؟

وقال فريتز إيرمارث المستشار الأمني للرئيس الأسبق بوش الأب: «أظن أن الرئيس مصمم على إسقاط صدام حسين وأسلحته ذات الدمار الشامل. ومن الخطأ اعتبار استخدامه للعمل الدبلوماسي تغييرا في الاستراتيجية».

مع ذلك فهناك شكوك لدى أولئك الصقور المنادين بإجراء تغيير للنظام العراقي. وهذه الشكوك انعكست في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في الأسبوع الماضي وفيه حذر ريتشارد بيرل رئيس صقور واشنطن من أي تردد في إسقاط صدام حسين. وعلى الرغم من التسريبات الدورية للمعلومات السرية المتعلقة بخطط الحرب، تؤمن بعض الدوائر السياسية في واشنطن أن الرئيس بوش ما زال يأمل بإمكانية تحقق تغيير للنظام في العراق بدون الحاجة إلى شن حرب كبيرة ضد العراق. والسيناريو البديل الذي يقف وراء تسويقه وزارة الخارجية الأميركية يُعرف باسم «القتل الناعم» ويستند إلى افتراض مفاده أن صدام يمكن في لحظة ما أن يُجبر على التنازل عن منصبه والذهاب إلى الخارج. لكن لا يوجد لحد الآن أي شخص مستعد للتحدث عن هذا السيناريو البديل بشكل علني خوفا من إرسال «إشارات خاطئة». مع ذلك، ليس هناك شك في أن هذا الخيار هو موضوع للدراسة العميقة. فهناك افتراض يرى أن صدام يريد قبل كل شيء تحقق أمرين: أن يبقى حيا وأن يظل في السلطة. وإذا عرّضت الأسبقية الثانية للخطر الأسبقية الأولى فإنه سيكون مستعدا للتخلي عنها. وأحد الدلائل على أن واشنطن تريد إبقاء هذا الخيار مفتوحا هو رفض إدارة واشنطن للخطة البريطانية الهادفة إلى محاكمة صدام حسين رسميا مع 63 من أقرب المساعدين له بتهمة قيامهم بجرائم حرب وجرائم ضد البشرية. وقال مصدر رسمي في واشنطن: «توجيه الاتهام لصدام والقريبين منه لا يضع أمامهم أي خيار سوى البقاء والقتال حتى النهاية. والخيار الأفضل هو ترك طريق مغادرة الحكم مفتوحا أمامه».

وحُدد مكانان يستطيع صدام ومساعدوه أن يلجأوا إلى أحدهما. الأول هو روسيا حيث أظهر الرئيس الروسي بوتين قدرا من الاهتمام بالفكرة. والمكان الثاني هو موريتانيا وهي البلد الذي اقترحته فرنسا سنة 1991 لصدام كي يلجأ إليه. وتساءل المصدر نفسه إن كان صدام سيقبل بالذهاب إلى المنفى طوعا، ليقدم هو الإجابة أيضا: «لا أحد يعلم. لكن علينا أن نعطي هذا الخيار فرصة للتحقق».