أوراق الظواهري السرية (3) ـ الظواهري لقادة «الجماعة الإسلامية»: مصيركم سيكون الاغتيال بالرصاص في شوارع القاهرة مثل حسن البنا

هجوم حاد من زعيم الجهاد على الزيات محامي الأصوليين في مصر لتبنيه مبادرة «وقف العنف» والترويج لها ونشر أفكارها

TT

تعكس مجموعة من الوثائق السرية حصلت عليها «الشرق الأوسط» من كومبيوتر الظواهري حجم القلق وحالة الازعاج التي اصابت زعيم «الجهاد» المصري الحليف الاول لابن لادن من الانقلاب الجذري الذي اقدمت عليه «الجماعة الاسلامية» بالتحول نحو العمل السلمي ووقف كل العمليات العسكرية داخل وخارج مصر.

وتكشف ثلاث وثائق متبادلة مع «ابو ياسر» هو رفاعي طه المسؤول العسكري لـ «الجماعة الاسلامية» وعضو مجلس شورى التنظيم السري ان الظواهري حاول بكل الوسائل إثناء قادة التنظيم عن الاستمرار في النهج السلمي.

وحاول الظواهري في الرسائل دفع ابو ياسر مرة اخرى الذي تسلمته مصر من دمشق منتصف العام الجاري الى العودة الى احضان «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين» التي تحولت لاحقا الى تنظيم «قاعدة الجهاد» بعد ان انسحب منها في بيان اثار الجدل في يوليو (تموز) 1998، قال فيه ان استهداف المصالح الاميركية ليس من اولويات «الجماعة الاسلامية». وتاريخ الرسالة يعود الى تسعة شهور بعد تفجير السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام.

واستخدم الظواهري مرة توقيع «اخوكم المحب عبد المعز»، ومرة اخرى توقيع «ابو محمد». وهناك تعليق من الظواهري على ردود تلقاها من ابو ياسر (رفاعي طه) حملها «ابو حازم» مصطفى حمزة المسؤول الحالي لمجلس شورى «الجماعة الاسلامية» حول مسألة المبادرة وانسحاب طه من جبهة بن لادن.

وفسر قيادي اصولي مصري هجوم الظواهري على مبادرة وقف العنف بعد ان اطلع على بعض الرسائل السرية بقوله: «ان جماعة الجهاد المصرية من منهجها انه لا حوار مع الانظمة الطاغوتية المرتدة. وان هذه الانظمة في نظر جماعة الجهاد هي التي تحمي مصالح الاميركيين واليهود، وان هذه الانظمة بالتجربة خادعة كاذبة لا يمكن الوثوق بها، ولذا كان من المفترض ان يبدأ بها».

ويتابع الاصولي قوله ان قيادات الجهاد كانت على قناعة بان انظمة المنطقة لن تقدم لمن يتحاور او يتصالح معها سوى السراب، وهو ما تطرق اليه الظواهري في الاشارة الى حسن البنا مؤسس جماعة «الاخوان المسلمين» الذي قتل في الشارع في الساعة الثانية عشرة بعد منتصف ليل 12 فبراير (شباط) عام 1949 كهدية في ليلة عيد ميلاد الملك فاروق ابان حكومة السعديين بعد ان اطلق بيانه الشهير «ليسوا اخوانا ولا مسلمين» في اعقاب إعلان النقراشي حل جماعة الإخوان المسلمين في 9 يناير كانون أول 1948 ومصادرة أموالها واعتقال معظم أعضائها.

وهو ما فسره اصولي مصري يقيم في لندن ان الظواهري ان يريد ان يقول صراحة ان مصير قادة «الجماعة الاسلامية»، سيكون مماثلا لمصير البنا الذي تصالح مع الحكومة، ويقول ان رسالة الظواهري واضحة فهي مليئة بلغة الترهيب بدعوتها الى عدم مد اليد للحكومة حتى تسلم، وما دامت لا تطبق الشرع الاسلامي فلا يجوز الاقتراب منها والتعامل معها.

وتنشر «الشرق الاوسط» نصوص الرسائل كما هي بعدما عرضتها على خبراء في شؤون الحركة الاصولية من المحسوبين على جماعة «الجهاد» المصرية «لفك طلاسمها والقاء الاضواء على الغازها، وحل رموز الكنى المستخدمة لقيادات «الجهاد» ومنها «ابو خالد» وهو محمد شوقي الاسلامبولي شقيق قاتل الرئيس الراحل انور السادات عضو مجلس شورى «الجماعة الاسلامية» الذي كان يقيم مع والدته في افغانستان حتى قبل شهور من سقوط طالبان، ويعتقد انه يقيم حاليا في ايران مع مجموعة من قيادات «القاعدة» الكبار.

والرسائل مكتوبة باسلوب ادبي تعكس تذوق الظواهري للشعر واستخدامه لالفاظ بليغة. وفي ختام احدى الرسائل يطلب الظواهري من رفاعي طه العفو والصفح عما نبا فيها من قول او شطط في اللفظ.

وضمن الاسماء الكودية التي وردت في الوثائق السرية اسم ابو الدردير الذي يعتقد انه القيادي عصام مطير، واخر اسمه ابو الحسن، ولم يكن من السهل فهم الالغاز دون ربطها بالاحداث التي مرت بها مسيرة الجهاد«بعد ان تعرضت لضربات متتالية ادت الى اعتقال العشرات من قيادتها في الخارج وتسليمهم الى مصر من البانيا واذربيجان وبعض الدول العربية والخليجية والذين ظهرت اسماؤهم في القضية رقم 8 لسنة 1998 جنايات عسكرية في مصر، والتي اشتهرت إعلامياً باسم «العائدون من ألبانيا»، والتي ضمت 107 متهمين، في مقدمتهم المتهم الأول أيمن الظواهري جنباً إلى جنب مع عناصر من «الجماعة الاسلامية» وفي الصدارة جاء ايضا اسم محمد شوقي الاسلامبولي في لائحة الاتهام تحت رقم 27، واكدت القضية على استمرار المحطات التقليدية للأصولية في إفراز المزيد من العناصر كأفغانستان وبيشاور والسودان، وهو ما أشارت إليه بوضوح اعترافات المتهمين في هذه القضية، واشهرهم اعلاميا أحمد ابراهيم السيد النجار الذي كشف الكثير من المعلومات حول شبكات الأصولية داخل مصر وخارجها فأدلى بمعلومات كانت بمثابة نواة القضية برمتها.

* هجوم على الزيات محامي الأصوليين

* وفي الرسائل السرية كثير من الهجوم الحاد من الظواهري على منتصر الزيات محامي الاصوليين في مصر، لتبنيه مبادرة وقف العنف والترويج لها ونشر افكارها.

ويسأل الظواهري ويلح عن اسباب القوة والجرأة والصلاحيات التي يتمتع بها الزيات بعد قراءته لحديث «الشرق الاوسط» مع الزيات بتاريخ 9 ابريل (نيسان) 1999 ويظهر قلقه من احاديث الزيات كذلك مع مجلة «السنة» في عدد شعبان / رمضان بتاريخ 1418 هجرية، والتي اشار فيها الزيات الى ان «الجماعة الاسلامية» لن تشارك في اي عمل ضد الاميركيين. اما غضب الظواهري الذي لم يستطع ان يخفيه فقد جاء بسبب البرقية التي ارسلها قادة «الجماعة الاسلامية» المحتجزون في ليمان طرة الى رؤساء «الاحزاب المصرية» والتي نشرتها جريدة «الوفد» في عنوانها الرئيسي، وهم يطلبون دعم المبادرة ومناشدة رئيس الجمهورية والحكومة الاستجابة لها والتفاعل معها.

وهنا نص الرسالة.

الاخ الكريم ابو ياسر (حفظه الله) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ارجو ان يوفقكم المولى لما يحب ويرضى، وان يجعلكم سلما على اوليائه حربا على اعدائه، وان ينصر بكم دينه وكتابه وشريعته وعباده المؤمنين، وان يشفي صدوركم وصدور المؤمنين من اولياء الشيطان، وان يتم عليكم نعمته ويتم عليكم منته، وان يمكن لكم دينكم الذي ارتضاه لكم، ويبدلكم من خوفكم امنا، وان يعيدكم الى اوطانكم سالمين غانمين منتصرين قريبا ان شاء الله. واسأل الله ان يبارك الله في ولدك واهلك وصحتك، وان يعافيك من كل مكروه.

اخي الكريم. ترددت ان اكتب اليكم بعد ان سمعت في الاذاعات ما اعلن من انكم قد اعلنتم من وقف جميع العمليات العسكرية، ثم ما علقت به الاذاعات والصحف من ان هذا الاعلان يعد نهاية لفترة من الخلاف ما بين الداخل والخارج، ويعتبر ان سياسة الحكومة المصرية في الضرب بلا هوادة ضد الجماعات الاسلامية قد اتت ثمارها وحدثتني نفسي في اني قد تكلمت معكم في هذا الموضوع وكتبت اليكم فيه اكثر من مرة، ولم يصلني رد على ما كتبت، وحدثتني نفسي ايضا ان الكتابة اليكم مرة اخرى، قد يعدها بعض الاخوة تدخلا فيما لا يعنيني، وحشرا لانفي في امور الاخرين.

ولكني راجعت نفسي وقررت، ان اكتب اليك لما اعلمه، من حسن ظنك بي، ولما اعتقده من وجوب النصيحة، في هذا الامر الهام، ومن وجوب الايضاح منكم مباشرة في هذا الشأن.

فأولا: اريد ان اسألك هل هذا الذي نشر فعلا قد تم كما نشر؟ واذا كان قد تم فعلا كما نشر فما تفاصيل هذا الامر، وعندئذ تنشأ اسئلة كثيرة مفزعة.

فمثلا اولا هل هناك اتفاق بينكم جميعا على هذا الامر؟

وما هي سياستكم التي اتفقتم عليها تجاه الحكومة؟

واذا كان وقع بينكم وبين الحكومة اتفاق، فما هي تفاصيل هذا الاتفاق، ولماذا لم يعلن اذا كان قد تم، وهل هو اتفاق سري في مجموعه او بعضه، وهل يكون هذا السر معلوما للحكومة خافيا علينا؟

واذا كان وقع اتفاق مع الحكومة فماذا ستسمح الحكومة لكم بناء على هذا الاتفاق؟

ثم ما هي اسباب الاعلان والتوضيح في امور مثل الانسحاب من الجبهة العالمية والسكوت عن امور اخرى؟

ما هي صفة منتصر (يقصد منتصر الزيات محامي الاسلاميين في مصر) بالنسبة لكم وحقيقة تمثيله لكم؟

واذا كان وقع بينكم وبين الحكومة اتفاق فماذا سيكون موقفكم من الجماعات المجاهدة الاخرى، بناء على هذا الاتفاق؟

ثم ما حقيقة ان صلاح هاشم ( محتجز في سجن استقبال طرة منذ عدة شهور)، يدعو الى انشاء حزب سياسي جديد، وصلاح هاشم يعتبر من مؤسسي الجماعة، كما انه يقوم فعلا بالتفاوض بين الحكومة والاخوة في السجون، وهو الامر الذي اكده لي ابو حازم (مصطفى حمزة المسؤول الحالي لمجلس شورى «الجماعة الاسلامية» مهندس عملية محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في اديس ابابا عام 1995).

واذا كان ما نشر غير حقيقي، فما هي الحقيقة تفصيلا، وما قدر الاتفاق، والاختلاف بينكم في هذا الامر، وهل الحكومة على علم بهذا الاختلاف ان كان موجودا؟

وان كان ما نشر غير حقيقي فلماذا تسكتون عن الرد، والتوضيح، مع انه في مواقف اخرى مثل الجبهة (جبهة بن لادن) لم تختاروا الصمت؟ ولكن اريد ان اسألك عن موقفكم انت بالذات في كل هذا الذي يحدث؟

لقد ابلغني ابو خالد (محمد شوقي الاسلامبولي شقيق قاتل الرئيس السادات والرئيس السابق لمجلس شورى الجماعة الاسلامية)، انه قد استقال حتى لا يتحمل اي مسؤولية ما يمكن ان يحدث.

وفهمت من ابي حازم (مصطفى حمزة المسؤول الحالي لمجلس شورى الجماعة) انكم ستتعاملون مع المبادرة بايجابية، وان الموقف معلق لحين حل الخلاف، مع الاخوة في السجن حول اسلوب قيادة الجماعة، وان هذا الاعلان يراد به تهدئة الاوضاع حتى لا يصدر من الاخوة في السجون بيانات اخرى تزيد من تعقيد المشكلة، ولكن الحاصل ان الاخوة في السجون، لم يتوقفوا عن اصدار البيانات، وانتم في الخارج صامتون حتى جاء الاعلان الاخير. لذا فاني مهتم جدا لمعرفة رأيك انت في الامر بالذات.

* راجعوا مصير مؤسس «الإخوان المسلمين»

* واود ان اعيد التأكيد ان هذا الذي اعلن، وهو على الاقل رأي عدد كبير من الاخوة عندكم كما اخبرني ابو خالد (محمد الاسلامبولي) بذلك، يعد تراجعا خطيرا عما قامت عليه «الجماعة الاسلامية» من اسس وتناقضا صريحا عما تفخر به من موقف وتراث. فاذا اضيف الى ما نشر من تعليقات وتفسيرات وشروحات، لصار الامر نكسة خطيرة، خصوصا مع ما يصاحبها من صمتكم الذي يعطي الانطباع بموافقتكم على كل هذا الذي يقال. وما قصة حسن البنا (المرشد العام للاخوان المسلمين) رحمه الله مع حكومة السعديين ببعيد وكانت النهاية بعد ان مدح الطواغيت، واصدر بيانه الشهير (ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين) ان قتلوه في الشارع هدية للملك. (الظواهري الف كتابا مهما اسمه «الحصاد المر» خصصه للهجوم على الاخوان المسلمين). ولو كان الاتفاق مع الحكومة مجديا ومفيدا لاستفاد منه الاخوان من قبل.

وكل معتبر يرى الحكومة تزج بهم في السجون كل يوم. فاحذروا من خسارة الدنيا والاخرة.

ويجب ان يكون ولاؤك لله والرسول هو الاصل الذي يتعارض منه كل ولاء، ثم اذا تعارض الاصل مع الفروع، فالزم الحق الذي ينجيك، في الدنيا والاخرة، وختاما اؤكد عليك الحضور الينا للاهمية القصوى، لتتشاور تفصيلا مع جميع الاخوة. كما ارجو ان اجد من حلمك وحسن ظنك المعهود بنا ما يفسح لهذه الرسالة في قلبك وعقلك، منزلا سهلا رحبا وان تعفو عما نبا فيها من قول او شطط بها من لفظ. وفقك الله ورعاك وهداك الى الخير وثبتك على الحق الذي يرضيه حتى تلقاه وقد تقبل عملك وغفر ذنبك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* اخوكم المحب عبد المعز. الاثنين 4 محرم 1420 هجرية ـ 19 ابريل .1999