الأسد يبدأ اليوم زيارته التاريخية إلى بريطانيا

لندن حريصة على دعم التوجه التجديدي في دمشق والرئيس السوري يرغب في زيارة المستشفى الذي تدرب فيه

TT

أكد متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية تقدير بلاده لدور سورية بالمنطقة العربية في ظل الرئيس بشار الاسد، الذي يبدأ اليوم زيارة رسمية غير مسبوقة الى لندن تستغرق اربعة ايام. ولفت المتحدث الى رغبة بريطانيا في دعم نهج الرئيس الاسد التجديدي، موضحاً ان للبلدين وجهات نظر متباينة بخصوص جملة من القضايا. وفيما اعتبر اللورد تشارلز باول، وهو مهندس التقارب البريطاني السوري الذي بدأ العام الماضي، ان العلاقات قد تحسنت اخيراً بين البلدين، إلا أنه شدد على انها لا تعيش حالياً عصرها الذهبي بسبب خلافات حول قضايا مهمة.

ومن ناحيته، اكد مسؤول سابق في الخارجية البريطانية ان العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين ستحظى باهتمام الرئيس الأسد ورئيس الحكومة البريطانية توني بلير، فضلاً عن العراق وفلسطين. واجمع المعلقون على ان الزعيمين أسسا لعلاقة شخصية متينة من خلال الزيارة التي قام بها بلير الى دمشق العام الماضي. ويصل الرئيس الاسد مساء اليوم الى مطار هيثرو اللندني على رأس وفد رفيع المستوى يتقدم اعضاءه وزراء: الخارجية فاروق الشرع، والاقتصاد والتجارة الخارجية غسان الرفاعي، والمواصلات محمد بشير المنجد. وتشتمل الزيارة التي ترافقه فيها عقيلته السيدة اسماء، على اجتماع مع بلير يوم غد، يعقد بعده الزعيمان مؤتمراً صحافياً مشتركاً. كما يلتقي الرئيس السوري الملكة اليزابيث الثانية وولي عهدها الامير تشارلز يوم الثلاثاء المقبل. واشارت مصادر سورية مطلعة الى ان الرئيس الأسد راغب بزيارة المستشفى الذي تدرب فيه لحوالي سنتين كطبيب اختصاصي بجراحة العيون، قبل ان يضطر الى قطع دراسته والعودة الى الوطن. بيد ان المصادر قالت إن تنفيذ هذه الرغبة ليس مؤكداً بسبب برنامج الرئيس المزدحم بالالتزامات. واشارت الى ان السيدة السورية الأولى ستلتقي عقيلة رئيس الوزراء شيري بلير في موعد لم يُحدد بعد بصورة نهائية، موضحة ان السيدة اسماء ستقوم بنشاطات تشتمل على زيارة لمتحف التاريخ الطبيعي اللندني المشهور. وفي هذه الاثناء، قال متحدث باسم الخارجية البريطانية في اتصال اجرته معه «الشرق الاوسط» إن لندن تثمن عالياً علاقاتها مع سورية، خصوصاً في ظل الرئيس الاسد. وقال «مع اننا لا نتفق مع دمشق حول كافة المسائل، فإننا نعتبر ان سورية بلد مهم في المنطقة ونفضل استمرار الحوار معها على عدم وجوده». واضاف إن «الدور السوري يتمتع بالأهمية لجهة التأثير على الرأي العام العربي وتشجيع الجهود الرامية الى إحلال السلام في الشرق الاوسط». ولفت المتحدث الى ان «بريطانيا تعمل (منذ حوالي سنتين) على دعم التوجه الجديد لسورية في ظل الرئيس الاسد الذي اعلن في خطابه يوم تولي الرئاسة بانه راغب في التجديد والانفتاح وتبني نهج ديمقراطي». وتابع إن «ثمة أدلة واضحة على أن الرئيس الاسد يقرن قوله ذاك بالفعل». وأشار الى ان «التعاون البريطاني مع سورية في المجال التعليمي والاقتصادي والمصرفي، وثيق». وكشف عن ان لندن تقدم منحاً دراسية (بمبلغ 310 آلاف جنيه) سنوياً لـ25 سورياً كي يتابعوا تحصيلهم الدراسي في «مجالات تناسب عملية التطور والتنمية السورية الراهنة». كما أوضح ان خبراء بريطانيين في المجال المصرفي يتعاونون مع زملائهم السوريين على تعزيز عملية تطوير النظام البنكي السوري التي اطلقها الرئيس الاسد قبل فترة. وقال إن «تكنولوجيا المعلوماتية السورية الجديدة قد طُورت وفق النموذج البريطاني»، الامر الذي يؤكد على متانة العلاقات الاقتصادية وضرورة تعزيزها لما فيه خير البلدين. ومن جهته، نفى اللورد تشارلز باول ان تكون الزيارة «مكافأة» للرئيس الاسد في أعقاب تصويت سورية في صالح قرار مجلس الامن 1441 المتعلق بالعراق، مؤكداً عدم صحة هذه المزاعم التي رددتها صحف بريطانية أخيراً. وقال عراب زيارة بلير التاريخية الى دمشق في اكتوبر (تشرين الاول) عام 2001،إن «هذا الكلام غير صحيح على الاطلاق، فهي تأتي جزءاً من الحوار المستمر بين رئيس الوزراء (بلير) والرئيس الاسد والذي بدأه الزعيمان في دمشق العام الماضي». وأضاف الشقيق الاكبر لرئيس مكتب بلير جوناثان باول، إن الزيارة الحالية قد تقررت في سياق لقاء الزعيمين الاول في السنة الفائتة، الامر الذي يعني ان لاعلاقة لها البتة بالتصويت الذي تم قبل اسابيع. ورأى ان الزيارة تمثل «خطوة إيجابية للغاية، كونها تساهم في تعميق العلاقات الشخصية الجيدة التي تأسست بين الزعيميين خلال القمة الاولى». وقال اللورد باول الذي كان لحوالي عشر سنوات من كبار مساعدي رئيسي الوزراء السابقين مارغريت ثاتشر وخلفها جون ميجر، إن العلاقات السورية ـ البريطانية قد تحسنت بشكل ملحوظ عما مضى. بيد ان المسؤول السابق الذي كان يشغل منصب مستشار رئيسة الوزراء ثاتشر للشؤون الخارجية حين قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1986، استبعد أن تكون الصلات المتبادلة بينهما حالياً على أفضل ما يرام. وقال في رد على سؤال لـ«الشرق الاوسط» إن الحديث عن تمتع العلاقات الثنائية الراهنة بفترتها الذهبية ينطوي على قدر من المبالغة، مع ان العلاقات قد تحسنت عما كانت عليه في الثمانينات بصورة واضحة». ورد عدم جواز الحديث عن «فترة ذهبية» للعلاقات البريطانية ـ السورية الى أن «خلافات عدة لا تزال موجودة بين الدولتين، كما قال الرئيس الاسد في المقابلة الاخيرة مع صحيفة التايمز». وعلى الرغم من وجود «خلافات جدية فعلاً بين البلدين» في رأيه، فقد شدد اللورد باول على شعوره بأن «العلاقات قد تحسنت كثيراً». واعتبر المسؤول السابق أن التحسن الملوس في علاقات لندن ودمشق يعود في جانب اساسي منه الى «النهج الجديد الذي يتبعه الرئيس الاسد فضلاً عن شخصيته الشابة» مما ساهم في إرساء أسس علاقة قوية بينه وبين بلير. وأشار اللورد باول الذي اجرى العام الماضي في دمشق مباحثات مهدت لزيارة رئيس الوزراء البريطاني واشتملت على اجتماع مع الرئيس الاسد، الى أن التقارير الصحافية التي تحدثت عن بروز خلافات عميقة بين الزعيمين خلال لقاء القمة الاول كانت عارية عن الصحة. وقال «لا اريد ان أنتقد الصحافة بشدة وأنا اتحدث الى صحافي، لكن للأسف يركز الاعلام أحياناً على مسائل ثانوية متجاهلاً القضايا الاساسية». وذكر ان هذا «الانطباع الخاطئ» تعزز بسبب المؤتمر الصحافي الذي عقده الزعيمان «وبدا فيه الاسد وكأنه يلسع بسياط كلماته ـ كما نقول في احد تعابيرنا التقليدية ـ رئيس الوزراء». ومعروف ان الرئيس الاسد وقتذاك شدد على الموقف السوري من الاحتلال الاسرائيلي والمقاومة الفلسطينية المشروعة بطريقة بدت متباينة جداً مع الموقف البريطاني. وقال إن محادثاتهما في الحقيقة «قد اسفرت عن تقدم ملموس على اكثر من صعيد». وعما إذا كان اندلاع الحرب المفترضة في العراق سيؤثر سلباً على العلاقات البريطانية ـ السورية، لم يستبعد اللورد باول ان «يشعر السوريون العاديون بكثير من الضيق» لرؤية صور الضحايا العراقيين المدنيين على شاشات التفزيون «في حال وقوع هذه الحرب». بيد انه أعرب عن رأيه بأن هذه الحرب التي لا يعتبرها حتمية، لن تؤثر على العلاقة الشخصية الدافئة بين الزعيمين. واعتبر أن بلير «يشارك الاسد في رغبته تجنيب العراق هذه الحرب» مما يعني ان الرئيس السوري لن يجد صعوبة «في مناقشة مساعي السلام الخاصة بالعراق مع بلير، فرئيس وزرائنا يرغب ايضاً في التوصل الى حل سلمي للأزمة العراقية». وإذ استبعد اللورد باول ان يناقش بلير مع ضيفه مبادرة سلام جديدة يرغب بإطلاقها، فقد توقع ان تشمل مباحثات الزعيمين قضايا الارهاب والازمة العراقية فضلاً عن العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وقال «لا اعتقد ان رئيس الوزراء عازم حالياً على طرح مبادرة جديدة للسلام في الشرق الاوسط خصوصاً ان الانتخابات الاسرائيلية صارت على الابواب». والى جانب حرب الارهاب وموضوع العراق، قال اللورد باول إن الزعيمين سيناقشان على الارجح كيفية تنفيذ برامج استثمارية واقتصادية بين البلدين وضعت العام الماضي. غير انه لفت الى أن «المستثمرين البريطانيين لا يبدون أي حماس لبدء مشاريع في سورية، هناك من يقول أن دمشق «لم تعمل بالسرعة الكافية» على تنفيذ بعض البنود التي اتفق عليها في إطار مؤتمر الاستثمار في سورية والذي عقد بلندن في يوليو (تموز) .2001 وقال إن عدداً من هذه البنود «لا تزال تنتظر التطبيق، ويجب ان اقول ان سورية كانت بطيئة في تنفيذها». غير ان وكيلاً سابقاً لوزارة الخارجية البريطانية طلب عدم ذكر اسمه أكد في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الاوسط» ان العلاقات الاقتصادية والتجارية بين لندن ودمشق «جيدة للغاية». وقال الدبلوماسي البارز المتقاعد الذي يعمل منذ سنوات في مجال تشجيع التعاون الاقتصادي بين بلاده والعالم العربي، إن «هناك قاعدة اقتصادية سورية متينة في بريطانيا حيث يعمل العديد من رجال الاعمال السوريين الاصل». ولفت الى ان «سورية تعتبر من الدول البارزة على خريطة الصناعة السياحية البريطانية»، موضحاً ان «سورية تستقطب أعداداً كبيرة من السياح البريطانيين». وعزا ذلك الى ان «منظمي الرحلات السياحية يعتبرون سورية دولة تتمتع بالامن والاستقرار الامر الذي يدفعهم الى وضعها في طليعة الدول العربية التي يرغبون بأخذ زبائنهم اليها». واعتبر الدبلوماسي السابق الذي مثل بلاده في دول عربية رئيسية وساهم لسنوات بقيادة سياسة بلاده في الشرق الاوسط أن «تعزيز العلاقات الاقتصادية المتبادلة» سيكون على اجندة الزعيمين خلال «الزيارة التي يبدو لي أن توقيتها مهم للغاية». واضاف إن «الجانبين راغبان بتمتين روابطهما الاقتصادية التي تتمتع بقوة لا بأس بها حالياً في ميادين النفط والتجارة وتكنولوجيا المعلوماتية». وزاد أن الزيارة ستكون ايضاً على الصعيد الشخصي «مناسبة كي يقوم الرئيس وعقيلته بتجديد علاقتيهما القويتين ببريطانيا».

وأشار السفير السابق الى ان اللقاء الوشيك «سيسمح للزعيمين بأن يناقشا بصورة مكثفة الوضع في العراق ومهمة المراقبين (التابعين للامم المتحدة) هناك وبرنامج التفتيش، خصوصاً ان سورية قد صوتت في صالح قرار مجلس الامن 1441». واعتبر ان هذا التصويت السوري كان «خطوة مهمة على الصعيد الدبلوماسي» أثنت عليها بريطانيا التي ستحاول «الحفاظ على التوافق في وجهات النظر مع دمشق حول المسألة العراقية». واكد ان هذا التوافق يتمثل خصوصاً في «الرغبة في إعطاء الامم المتحدة الفرصة الكاملة لحل المشكلة، لاسيما ان عدداً من الوزراء البريطانيين اشاروا الى رغبة الحكومة بذلك». ورأى ان «إيضاح بريطانيا (رأيها القائل بأن الرئيس العراقي) صدام حسين يمثل خطراً على شعبه وشعوب المنطقة، للوفد السوري سيكون في طليعة اهداف لندن من القمة الوشيكة». ومن ناحية ثانية، توقع المسؤول السابق ان مسألة السلام في الشرق الاوسط تأتي على رأس أولويات الضيوف السوريين. وقال وكيل الخارجية البريطانية سابقاً إن «زيارة رئيس الوزراء بلير الى دمشق كانت مفيدة من الناحية التعليمية، إذ أنها سمحت له بلمس مدى عمق الاحساس العربي حيال القضية الفلسطينية». واوضح ان «زيارة بلير للعاصمة السورية أثارت الاستياء في أوساط إسرائيل». وأضاف ان «الجانب السوري سيسعى على الارجح الى تشجيع بريطانيا على لعب دور أكثر فاعلية».