تطعيم 11 مليون أميركي ضد الجدري خوفا من هجوم بيولوجي

تحفظات بين الأوساط الطبية على الحملة ضد مرض اختفى من العالم منذ 24 عاما

TT

ادى القرار بتطعيم 11 مليون اميركي ضد مرض لم يصب به انسان في الكرة الارضية منذ اكثر من 24 سنة، الى حالة غريبة ومميزة في تاريخ الصحة العامة في الولايات المتحدة.

وهي اول مرة تتم فيها حملة تطعيم اميركية ليس باسم منع انتشار مرض، ولكن في اطار حماية «امن الوطن» ـ وهو الامر الذي لا يزال في مرحلة التطوير من الاستعدادات العسكرية والضمانات النفسية والصحة العامة. وفي الواقع، يستحيل، وللمرة الاولى، القول ما اذا كان اي شخص قد استفاد من حملات التطعيم الجماعي.

وقال وزير الصحة والخدمات الانسانية تومي تومسون «سنتعلم الكثير ولا بد من ظهور بعض العوائق».

وبالرغم من ذلك فإن الادارة الاميركية قد توصلت الى قناعة بأن تطعيم 450 الفاً من العاملين في المستشفيات، بداية من اول يناير (كانون الثاني) المقبل ـ وحوالي 10 ملايين من رجال الشرطة والاطفاء والخدمات الطبية بحلول بدايات فصل الصيف ـ فإن الولايات المتحدة ستكون مستعدة لمواجهة هجمات بيولوجية بالجدري.

ومع اواخر فصل الصيف، يمكن ان يتوفر الطعم الى اي مواطن ـ وإن كان لم يوص به ـ وهو الامر الذي يؤدي الى ما يطلق عليه «حصانة القطيع» بين سكان الولايات المتحدة. ويعتقد بعض الخبراء ان الخطة يمكن ان تساعد على اخراج فيروس الجدري من ترسانة الارهابيين ـ اذا كانت موجودة، وهو ما لا يعرفه احد على وجه التحديد.

والامر المؤكد هو ان العديد من ادارات الصحة العامة على مستوى الولايات والمدن والمقاطعات الاميركية وفي مستشفيات الولايات المتحدة التي تصل الى 5 الاف مستشفى، غير متحمسة بخصوص البرنامج، وذلك ليس بسبب ضرورة تطبيق البرنامج الضخم المعقد، ولكن لانهم الجهات التي ستضطر الى التعامل مع مشاكل مثل هذا البرنامج.

المسؤولون عن الشؤون الصحية في الولايات وخبراء الاوبئة والاداريون في المستشفيات، واقسام الطوارئ والممرضات سيفعلون ما تطلبه الحكومة الفيدرالية. بينما تدخل المشاعر الوطنية في الاعتبار. ولكن ترددهم واضح في اللهجة التي يتحدثون بها وفي اختيارهم واختيار الكلمات في المناقشات.

وقال توماس ترندروب رئيس طب الطوارئ في جامعة الاباما في برمنغهام، المهتم بالتخطيط لمواجهة الارهاب البيولوجي «بسبب التزامنا بالتصرف، نحن في حاجة للاستعداد، واكثر الادلة توفرا هي التطعيم وكيف نستعد له. وقد اقتنعنا بقبول ما لفكرة التطعيم».

واضاف «ما اسمعه من الاخرين هو تساؤل لماذا: كيف توصل (صانعو القرار) الى اتخاذ مثل هذا القرار؟ ما هي المعلومات التي استخدموها»؟

وتجدر الاشارة الى ان هذا وضع غريب بالنسبة للمسؤولين عن الصحة العامة الذين يؤمنون بالوقاية ويؤيدون دائما التطعيم. وبالنسبة لطعم الجدري ـ فإن الرأي المنتشر هو كلما قل انتشاره كان افضل.

ففي استطلاع في يونيو (حزيران) الماضي عارض 91% من اعضاء جمعية المسؤولين الصحيين في الولايات، اية سياسة تسمح للجمهور بالتطعيم ضد الجدري قبل اي هجوم. وفي شهر اكتوبر، رفضت اللجنة الاستشارية للممارسين في مجال التطعيم ـ وهي جماعة تضم خبراء الاوبئة والاطباء الاكاديميين، وهي المستشار الرئيسي للحكومة حول قضايا التطعيم ـ الاقتراح بتطعيم عشرة ملايين شخص، وايدت فقط تطعيم نصف مليون من العاملين في المستشفيات.

وتتركز المعارضة على التطعيم ضد الجدري من ثلاثة مصادر: نفسية وطبية واجتماعية.

فمن الناحية النفسية يتعلق الامر بتاريخ الجدري ذاته. فهو المرض الوحيد الذي تم القضاء عليه.

واوضح جورج بنجامين المدير التنفيذي للجمعية الاميركية للصحة العامة والمدير السابق للشؤون الصحية في ولاية مريلاند ان القضاء على مثل هذا الانجاز، بنشر فيروس الجدري يعتبر «جريمة ضد الانسانية ذات ابعاد لا يمكن تخيلها». واضاف ان التطعيم يجعل مثل هذا الحدث ممكنا ـ وهو امر يجد بعض الناس صعوبة كبيرة في قبوله».

اما السبب الطبي لمعارضة التطعيم على نطاق واسع هو المخاطرة النسبية للطعم وصعوبة الحد من المخاطر. فربع عدد المحتمل حصولهم على التطعيم ـ وربما اكثر من ذلك ـ يجب فحصهم اولا. ويشمل ذلك اي شخص مصاب بفيروس الايدز او النساء الحوامل، او الذين يتناولون ادوية للحد من المناعة او اي شخص مصاب بالاكزيما.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»