خبراء أميركيون: صدام ينتهج استراتيجية من شقين في المواجهة مع واشنطن

TT

يعتقد الخبراء الاميركيون ان الرئيس العراقي صدام حسين قد تبنى سياسة من شقين في مواجهته للولايات المتحدة. فهو يرغب أولا في تأجيل الحرب الى أطول فترة ممكنة. ويعد شعبه لمنازلة شرسة ومديدة يمكن ان تجعله بطلا في العالم الإسلامي، إذا فشل في تأجيل الحرب. وقد استطاع العالم أن يلقي نظرة سريعة على استراتيجية الرئيس العراقي لافشال الرئيس الاميركي جورج بوش في مسعاه وخداعه والتفوق عليه، في مقابلة نادرة اجراها مع صدام الشهر الماضي صحافي عربي، وكانت تلك مقابلته الاولى مع اية وسيلة إعلامية لأكثر من 10 سنوات. وقد تحدث صدام قبيل القرار 1441 الذي اتخذه مجلس الامن باجماع اعضائه الـ 15 والذي يطالب العراق بنزع اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها . وقال الرئيس العراقي ان شروخا ستظهر في التحالف الاميركي البريطاني الذي يبدو مصمما على اطاحته. واضاف في مقابلته مع محرر صحيفة الاسبوع المصرية المعارضة «ان الوقت في صالحنا» وانه سيستخدم الرأي العام العالمي لابطاء خطة الغزو الاميركية. وكانت رسالته الثانية هي ان العراق لن يكون مثل افغانستان، حيث استطاعت الولايات المتحدة إسقاط نظام حركة طالبان عن طريق القصف الجوي وبمشاركة قوات المعارضة وبأقل الخسائر في الأرواح الاميركية. وقال صدام متوعدا «لن نجعل الحرب نزهة بالنسبة للجنود الاميركيين والبريطانيين. لا يوجد مثل هذا الاحتمال. فالأرض تحارب دائما مع أصحابها».

ويقول الخبراء الاميركيون الذين درسوا شخصية صدام وحكمه الذي استمر 30 عاما، انه سيكون خصما صعب المراس. وهو يتصرف بطريقة تجمع بين القسوة والخطوات المحسوبة، مما يعكس المهارات التي اكتسبها اثناء صعوده الى السلطة في العراق، والدروس التي تعلمها من مواجهاته السابقة مع الولايات المتحدة، وخاصة حرب الخليج عام .1991 وقال جيرالد بوست، البروفسور بجامعة جورج واشنطن، الذي شارك في دراسة شخصية صدام لحساب الحكومة الاميركية «كثيرا ما وصف صدام بانه مجنون الشرق الاوسط. ولكنه ليس مجنونا بل هو مصاب بهاجس يجعله يتصور على الدوام ان هناك اعداء يخططون لاسقاطه وقتله. يضاف الى ذلك انه لا يتورع عن فعل كل ما يمكن ان يحقق اهدافه. وهذا مزيج بالغ الخطورة». ويقول الخبراء الاميركيون ان صدام لم يظهر حتى الآن اية علامات تدل على الخوف أو القلق. وقد رفض الاعتراف بانه ما يزال يملك اسلحة الدمار الشامل مما كان سيتيح حلا سلميا للازمة مع واشنطن. وهو لم يقم حتى الآن باعادة نشر جيشه بصورة كبيرة، ليواجه الهجوم الاميركي المتوقع من الحدود الكويتية جنوب البلاد، وما تزال اغلبية الجيش بشمال العراق في مواجهة القوات الكردية.

والمعركة الاساسية بين صدام حسين والرئيس بوش، ما تزال تدور حول كسب الرأي العام العالمي. وعندما سمح لمفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة بالتجول بحرية كاملة في كل ارجاء بلاده، بما فيها قصوره ، فانما كان يرمي الى اقناع ما يسميه «الشارع الاميركي والبريطاني» بانه يسعى لتحقيق تسوية سلمية مع الولايات المتحدة. وهو يحاول في نفس الوقت تحسين صورته في العالم العربي بفتح ابواب سجونه والاعتذار للكويتيين على غزوه لبلادهم. ومن العوامل الهامة في كسب الرأي العام العالمي، توفر الادلة القوية على ان العراق ما يزال يملك اسلحة الدمار الشامل. وتصر ادارة بوش على ان واجب صدام ان يبرهن بصورة لا يرقى اليها الشك انه لم يعد يصنع اسلحة نووية او كيماوية او بيولوجية، بينما يصر المسؤولون العراقيون ان مسؤولية الإثبات تقع على المدعي. ويكتسب حسم هذا الامر اهمية خاصة لانه ربما يحدد حجم وقوة التحالف الدولي الذي يتكون ضد صدام حسين. وإذا كان من غير الممكن للرئيس العراقي ان يقنع الادارة بانه تخلى عن انتاج الاسلحة الأثيرة الى قلبه، فإنه يمكن على الاقل ان يعرقل صدور قرار آخر من مجلس الأمن باستخدام القوة ضد بغداد. وفي غياب مثل ذلك القرار فإنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة الحصول على التأييد الدولي لغزو العراق. ويقول بوست «هناك فرق هائل بين ان نشن الحرب منفردين او نفعل ذلك ضمن تحالف ومن خلال الامم المتحدة. وبقدرما تكتسب هذه الحرب طابعا شخصيا، بقدر ما ينظر الناس في الشرق الاوسط الى صدام حسين كقائد صمد في وجه اعتى قوة على وجه الأرض».

وفي إطار تحضيره للحرب، يحاول صدام حسين ان يستغل مستودعا ضخما من الغضب الإسلامي ضد الولايات المتحدة، ويردد كثيرا من الشعارات التي طرحها اسامة بن لادن زعيم القاعدة. وقد استطاع صدام من خلال هذه العملية ان يحول نفسه من زعيم عربي علماني، الى مسلم تقي يؤدي صلواته الخمس كل يوم ويفتتح خطبه بالعبارات الدينية. وتكتيكات صدام بالتقرب الى اعدائه القدامى، تستدعي الى الذاكرة تلك التي استخدمها مثله الأعلى، الدكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين، عندما تعرض نظامه للخطر النازي أثناء الحرب العالمية الثانية. فقد بادر ستالين بتخفيف القيود المفروضة على الكنيسة الارثوذكسية بعد سنين من القمع الشرس للمتدينين. وقد تخلى عن الايديولوجية الشيوعية وتبنى نسخة قديمة من النزعة الوطنية الروسية، لتعبئة الجماهير من أجل معركة الحياة والموت ضد الغزاة النازيين، والتي نجح فيها في النهاية. ولكن نجاح هذه التكتيكات في حالة صدام حسين، يبقى أمرا مفتوحا. خاصة وانه خلال العقود الثلاثة التي استولى فيها على الحكم، كسب عداء شرائح عديدة من المجتمع العراقي، نتيجة لسياساته التي تراوحت بين استخدام الغازات السامة ضد الاكراد الى القمع الوحشي لانتفاضة الشيعة بعد حرب .1991 وفي نفس الوقت فان خبراء الولايات المتحدة يقولون ان غزو العراق من قبل قوة بقيادة الولايات المتحدة لن يكون بساطا لعرض الأزياء كما يتصور بعض الصقور في ادارة بوش. وقال جو ويلسون، المسؤول الاميركي الأخير الذي التقى بصدام حسين عندما كان رئيسا بالانابة للبعثة الدبلوماسية الاميركية في بغداد بعد غزو العراق للكويت «العراقيون يتمتعون بحس وطني عميق وشرس. ومع ان الجنود العراقيين ربما لم يكونوا راغبين في القتال من اجل الكويت، فان صدام يتوقع انهم سيقاتلون من اجل العراق. وبعد مرور ثلاثة او اربعة أيام سينظر إلينا الناس هناك باعتبارنا قوة غازية».

وفي محاولة منه لإيقاف الغزو الاميركي القى صدام بتلميحات قال فيها انه مستعد لتحويل بغداد الى «ستالينغراد عراقية»، في اشارة منه لاشرس معركة جرت في الحرب العالمية الثانية. وقد نقل ذلك عنه كينيث بولاك الخبير في الشأن العراقي الذي يعمل لدى معهد بروكنغز . واضاف بولاك« رسالة العراقيين واضحة: إذا جئتم الى بلادنا فاننا سنحولها الى حمام للدم».

كما طرح صدام اساسا اخلاقيا وتبريرا ايديولوجيا لاستخدام الاسلحة الكيماوية، عندما ردد حجة بن لادن التي يدعي فيها ان الولايات المتحدة ارتكبت جرائم افظع ضد البلدان العربية، بما فيها موت 1.5 مليون عراقي نتيجة العقوبات الاقتصادية بعد حرب الخليج. في الرسالة المفتوحة التي ارسلها الى الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، على نيويورك وواشنطن، كتب الرئيس العراقي يقول: «على الاميركيين ان يذوقوا طعم الألم الذي سببوه لبقية شعوب العالم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»