عسكريون أميركيون: 10 في المائة من معتقلي غوانتانامو لا علاقة لهم بـ«القاعدة»

أحد المعتقلين من أصل عربي أصيب قبل الحرب في رأسه حتى أصبح عاجزا حتى عن النطق ورغم ذلك أرسلوه إلى كوبا

TT

افادت مصادر عسكرية أميركية، ان من بين عشرات السجناء الذين تحتجزهم الولايات المتحدة في معسكر غوانتانامو بكوبا، اشخاصا لا تربطهم اية علاقة ذات شأن بتنظيم «القاعدة» او حركة طالبان، وانهم ارسلوا الى قاعدة ذات حراسة مشددة رغم احتجاجات ضباط الاستخبارات في افغانستان الذين اوصوا باطلاق سراح هذا النفر من المعتقلين.

وقد تم تصنيف 59 من هؤلاء المعتقلين، أي 10 في المائة من المعتقلين في القاعدة البحرية الاميركية بكوبا، انه لم تعد لهم قيمة استخباراتية بعد التحقيقات التي اجريت معهم في افغانستان. ووضعت اسماء هؤلاء جميعا تحت عنوان «مرشحون لاطلاق السراح» حتى قبل ارسالهم الى غوانتانامو، التي خصصت لاحتجاز اكثر الارهابيين خطرا.

والعشرات من هؤلاء المحتجزين هم من اصول افغانية وباكستانية، وتصنفهم التقارير الاستخباراتية كمزارعين وسائقي سيارات اجرة واسكافيين وعمال غير مهرة، وبعضهم جنود بسطاء جندتهم حركة طالبان اجباريا في الايام الاخيرة قبل سقوط نظام حكمها اواخر العام الماضي.

وتقول المصادر العسكرية ان ايا منهم لا يلبي الشروط الاميركية لارسالهم الى غوانتانامو، ولكنهم نقلوا مع ذلك الى هناك بصورة اثارت دهشة ضباط الاستخبارات. وما تزال الاسباب مجهولة لديهم بعد اكثر من عام على ارسال هؤلاء الرجال الى تلك القاعدة. وقال احد الضباط «هناك الكثيرون من المذنبين داخل تلك القاعدة، ولكن هناك الكثير من المزارعين ايضا».

وتقول معلومات هذا المصدر انه كان هناك صراع خفي وسط العسكريين حول طريقة التعامل مع المعتقلين. وقيل ان بعض كبار القادة العسكريين اصابهم القلق من جراء تلك الصراعات. وقد سافر الى افغانستان، خلال الربيع الماضي، الميجور جنرال مايكل دنلافي، القائد الميداني في غوانتانامو حتى اكتوبر (تشرين الاول)، ليحاجج بان الكثيرين من المعتقلين على شاكلة «ميكي ماوس» يرسلون الى القاعدة البحرية «التي لا تناسبهم».

وتعتقد هذه المصادر ان المشاكل نجمت من عدة اسباب منها الثغرات في اساليب الفحص والتصنيف الاميركية واللوائح التي تجعل شطب احد المعتقلين من سجلات غوانتانامو شبه مستحيل والخوف من فقدان مصدر يمكن ان يتضح فيما بعد انه كان مهما من الناحية الاستخباراتية. وقال احد الضباط «لم يكن احد راغبا في ان يكون ذلك الشخص الذي اطلق سراحه الخاطف رقم 21».

ومع ان هذه المخاوف مشروعة، فان بقاء عشرات المعتقلين رهن الحبس لاكثر من عام اصبح يسبب قلقا عميقا للمسؤولين العسكريين المشاركين في الحرب ضد الارهاب على النطاق العالمي. ويخشى الكثيرون ان يؤدي اعتقال الابرياء، وحرمانهم من اية آلية قانونية للاستئناف، الى تعميق عدم الثقة ونزعات العداء للولايات المتحدة، ليس فقط بالنسبة للمعتلقين، بل كذلك بالنسبة لاقطارهم وحكومات بلدانهم. وقال مسؤول عسكري كان من كبار المحققين في غوانتانامو «لقد حكمنا على هؤلاء الرجال بالاعتقال الطويل». وقال «انه رغم الحراسة المشددة، فان الاصوليين المتطرفين وسطهم يمارسون تأثيرا كبيرا على الآخرين، ويحولونهم الى اصوليين على مثالهم».

وناقشت الحكومتان الافغانية والباكستانية هذه القضية مع واشنطن. وقال مسؤول بالسفارة الباكستانية في واشنطن، رفض الكشف عن هويته، ان حكومته مقتنعة بان الكثيرين من بين 58 معتقلا باكستانيا ربما يكونون قد انضموا الى طالبان، ولكنهم لا يعرفون كيف يكتبون اسم «القاعدة». وتقول مصادر الاستخبارات العسكرية ان كثيرا من المعتقلين الذين صنفوا باعتبارهم عناصر خطرة، لا قيمة لهم من الناحية الاستخباراتية، ولم يكن صحيحا ارسالهم الى غوانتانامو منذ البداية.

وارسل احد المعتقلين الى غوانتانامو لانه عربي بالميلاد وقد حارب في صفوف طالبان في وقت سابق، مما جعله يستوفي معيارين اساسيين للتصنيف. ولكنه اصيب قبل الحرب اصابة بالغة في رأسه جعلته غير قادر على اكثر من نطق اسمه وكان يعرف وسط المحققين بانه «الابله بوب». وقال المحقق معه «اصابته في القتال كانت بمثابة جراحة في المخ. وكانت كل التقارير الاستخباراتية تشير الى ان اعتقاله لا ينطوي على ادنى فائدة وتوصي بعدم ارساله الى غوانتانامو».

ورفض المسؤولون في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) مناقشة الحالات الفردية، ولكنهم يصرون على ان الولايات المتحدة لديها اسباب مقنعة لاحتجاز كل المعتقلين بـ«غوانتانامو باي». وقال الكولونيل مايكل فلين، اكبر ضباط الاستخبارات الاميركية عندما ارسل المعتقلون الى غوانتانامو «كل من ارسل الى هناك كان مستوفيا للشروط التي حددتها قيادتنا العليا. لقد ارسلنا الاشخاص الذين كان الواجب ارسالهم».

وتشير الموجهات السرية التي وضعها البنتاغون، الى ان غوانتانامو خصصت للاقامة الطويلة لعناصر «القاعدة» ولقادة طالبان، وللمقاتلين الاجانب، ولكل من يمثل خطرا على الولايات المتحدة، وكل من يمكن ان يوفر معلومات استخباراتية او تتوفر ادلة لتقديمه للقضاء الاميركي. ولكن المصادر تقول ان افرادا لا يستوفون هذه الشروط ارسلوا مع ذلك، ومنذ البداية.

وفي حالات عديدة كان المعتقلون ذوو الاهمية المتدنية يوضعون في مؤخرة القوائم. ولكن مع بداية ارسال المعتقلين الى كوبا، قفزت الى المقدمة الاسماء التي كانت في ذيول القوائم، وبدأ اصحابها يوضعون على قوائم المنتظرين للترحيل. وقال المسؤولون انه بمجرد ظهور تلك الاسماء على قوائم المنقولين فان نقلهم يصبح امرا حتميا لان احدا لا يستطيع ان يزيل اسما من تلك القوائم. فمثل ذلك العمل يتطلب تدخل ضباط استخبارات كبار في افغانستان والكويت ليخترقوا طبقة كثيفة من الاجراءات البيروقراطية. وكان ذلك يقتضي كذلك ان يثق هؤلاء الضباط الكبار في تقييم صغار الضباط، وهذه مغامرة غير مأمونة العواقب في تلك الاجواء الخطرة.

وكانت القرارات تتخذ، في اغلب فترة الحرب، بعيدا عن ميدان القتال، ومن قبل ضباط يقيمون في الكويت او الولايات المتحدة. وقد اصيب ضباط الاستخبارات داخل افغانستان باحباط شديد نتيجة كثرة المعتقلين من غير ذوي الاهمية الاستخباراتية. وقال احد الضباط «كنا نرى ان ذلك العمل يمكن ان يدمر ثقة المواطنين، وفي معركة يعتمد النصر فيها على ثقة المواطنين فان كسب عقولهم وقلوبهم يبقى من الامور الحيوية».

ولاثارة الاهتمام بهذه القضية، بدأ البعض يوزعون قوائم باسماء بعض السجناء الذين يعتقدون ان وضعهم على قوائم السفر الى غوانتانامو، كان خطأ. وقد اطلع على تلك القوائم مسؤولون كبار في افغانستان والكويت والولايات المتحدة. وشملت احدى تلك القوائم اسماء 49 افغانيا و10 باكستانيين، كانوا يحتجزون بقاعدة قندهار الجوية حتى اغلاقها، مما عجل بنقلهم الى غوانتانامو.

وتوضح القائمة أعمال المعتقلين، والظروف التي احاطت باعتقالهم، وتلخيصا للاستجوابات التي تمت معهم والاسباب التي اوردوها لبراءتهم. ويتراوح عمر هؤلاء المعتقلين بين 16 و50 سنة، وغالبيتهم اما اميون او على قدر ضئيل من التعليم. ولم يثبت ان لاي منهم علاقات ذات شأن مع «القاعدة» او طالبان.

والمعلومات التي وردت عن احدهم، وتعطي صورة دقيقة عن الآخرين، تشير الى انه مزارع افغاني يبلغ 30 سنة من العمر، وان القوات الافغانية ضمته الى صفوفها «لانها كانت تريد الحصول على سيارته وامواله. وهناك حالة شاب افغاني، عمره 22 سنة، كان يبيع حطب الوقود باحدى محطات الباصات في قندز (شمال افغانستان)، وقد اعتقلته قوات التحالف الشمالي وهو في طريقه الى كابل ومعه ستة من رفاقه. وجاء في تقرير المحققين «أجاب على كل الاسئلة اجابات سريعة وكاملة. الرواية التي حكاها منطقية ومقنعة، ولا يوجد دليل واحد على انه عمل مع القاعدة او طالبان او انه يعرف أي شيء عنهما».

ومن ضمن المعتقلين الباكستانيين هناك شاب عمره 16 سنة، جاء الى افغانستان في بداية الحرب بغرض مساعدة طالبان. ولكنه غير موقفه بعد ذلك، وقد القت القبض عليه قوات التحالف الشمالي وهو يهم بالعودة الى بلاده. وقال عنه المحققون «لم يبد اية رغبة في الخداع. انه لم يحارب مطلقا في صفوف طالبان».

وتقول المصادر ان هؤلاء المعتقلين كان من الممكن اطلاق سراحهم لولا انهم اعتقلوا في بداية الحرب، أي قبل مراجعة نظم الفحص وتغييرها لتسهيل اطلاق سراح المعتقلين الاقل اهمية.

واعترف وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد في مارس (آذار) الماضي ان عدد المعتقلين في غوانتانامو تخطى «النواة الصلبة» التي انشئ من اجلها. وقال رامسفيلد «الاشخاص الاوائل الذين وصلوا الى هناك كانوا اكثر العناصر خطورة. اما الآن فهم يمثلون خليطا. انهم يمثلون تقريبا كل الفئات. وربما ينقل بعضهم الى اقطار اخرى، وربما يطلق سراح بعضهم، ويمكن ان يحتجز بعضهم حتى نهاية المدة، وربما يحاكم بعضهم وفق واحد من النظم والآليات المتوفرة».

ولكن بعد تسعة اشهر من تصريحات رامسفيلد لم يطلق سراح اكثر من خمسة اشخاص، من بين عدد المعتقلين الـ 625 الذين يمثلون حوالي 43 دولة. وكان احد الذين اطلق سراحهم في ابريل (نيسان) الماضي فاقدا للعقل تقريبا. وقال عنه احد كبار المحققين «كان يأكل فضلاته. وكان يدلق الماء النقي ويتبول على إنائه ويشرب البول». وكان تحليل الاطباء انه «مصاب بالجنون».

واطلق سراح اربعة آخرين في اواخر اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، ثلاثة منهم كانوا افغانا والرابع باكستانياً. وكان من بينهم احد صغار المحاربين في صفوف طالبان، كما ان اثنين من بينهم، كانا في السبعينات من العمر، قالا انهما لم يحاربا مطلقا في صفوف طالبان.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»