آراء متضاربة في قطر حول الوجود العسكري الأميركي المتزايد

TT

على بعد 10 أميال فقط الى الشمال من مركز القيادة الاستراتيجي حيث كان جنرال اميركي ينصرف الى تنسيق معاركه الحربية الافتراضية، كان واحد من قدامى المحاربين يشق بغنائه على مسرح يطل على شاطىء الخليج سكون الليل. وفي البداية خاطب المغني الجامايكي الاميركي «شاغي» اكثر من 3000 من الاجانب وبضعة قطريين قائلا «هالو قطر، سمعت من مصادر موثوقة ان لا احد يحتفل مثلما يحتفل القطريون». لم يضيع شاغي، هذا الجندي السابق من مشاة البحرية الاميركية «المارينز»، اي وقت بل شرع يؤدي اغانيه الراقصة عن الاولاد غير المهذبين والبنات المشاكسات والنساء المثيرات. والرجال القطريون الذين لم يتعدوا بضع عشرات، تجمدت اوصالهم واتسعت عيونهم، وهم يعلقون على هذه الاغاني الهابطة. وهذا شاهد على التناقضات الواسعة في قطر التي تشهد وتيرة تغيير عاصفة وصارت الموقع المرشح للقيادة الاميركية في حالة اشعال حرب ضد العراق. وقد اندفعت قطر، لا تلوي على شيء، لتقيم هذه العلاقة الجديدة مع الولايات المتحدة. واذا كانت هذه العلاقة ثمينة بالنسبة للطرفين، فانها هشة بنفس القدر. وقد التفتت الانظار الى التحالف القطري الاميركي، هذا الشهر، اثر التدريبات التي اجرتها القوات الاميركية، بقيادة قائد القيادة المركزية للجيش الاميركي الجنرال تومي فرانكس. وقد شارك في تلك التدريبات اكثر من 1000 من الضباط والفنيين، من كل انحاء هذه المنطقة، وتشرف عليهم قيادة متنقلة بقاعدة السيلية بدولة قطر. وانشىء مركز القيادة الذي اقيم في قطر على نموذج مركز آخر بقاعدة الامير سلطان الجوية في السعودية، التي رفضت دعم حرب يشنها على العراق تحالف بقيادة الولايات المتحدة. لكن تلك التدريبات التي حملت اسم «نظرة داخلية» كانت تتويجا فقط لعلاقة استراتيجية ظلت قائمة منذ عدة سنوات. وانفقت قطر اكثر من مليار دولار في تحديث قاعدة العديد الجوية لتستخدمها القوات الاميركية. وقد توقف وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد بالدوحة اخيرا لتوقيع اتفاقية تقضي بتمديد استخدام الولايات المتحدة للقاعدة. وتضم قاعدة العديد مدرجا لهبوط الطائرات يبلغ طوله 15 الف قدم ويقيم فيها حاليا 5000 جندي اميركي.

ويعكس الحفل الغنائي الذي اقامه شاغي واشرفت عليه اللجنة الاولمبية القطرية، بالاشتراك مع شركة تديرها الدولة، علاقة ثقافية اميركية قطرية عمرها سبع سنوات حاليا. وتنفق قطر مليار دولار على «مدينة تعليمية»، اقيمت على شكل مزيج من العمارة الاسلامية والغربية، يديرها اساتذة اميركيون وفق مقاييس اميركية، ومن المقرر ان تفتتح في يونيو (حزيران) المقبل. وينتظر ان تربط المدينة التعليمية مستقبلا، عن طريق الاقمار الصناعية، بمدرسة ويل الطبية التابعة لجامعة كورنيل، وجامعة الكومنولث بفيرجينيا، والعديد من المعاهد التعليمية الاميركية. وقد بدأت جامعة كورنيل بالفعل فصولها الاعدادية لدراسة الطب، في بناء مؤقت قبل افتتاح المدينة. وتشرف على هذا المشروع وتديره الشيخة موزة ناصر مسند، حرم امير قطر. وقد اختارت الشيخة موزة الجامعات الاميركية وحدها لاقامة المدينة الجديدة التي تأمل ان يقصدها الطلاب من كل العالم العربي.

ويقوم في قلب الدوحة مجمع التسوق «ذي مول» وهو قلعة لرموز المال والاعمال الاميركية والغربية: ستاربكس، كي إف سي، ماكدونالدز، ذي بودي شوب. وتنتشر المحلات على جانبي الممر المؤدي الى المجمع السينمائي، حيث يعرض فيلم «هاري بوتر وغرفة الاسرار». وفي بداية هذا الشهر استبدلت سفن الصيد القطرية التقليدية ومجالس القهوة العربية، بطاقم من أشجار ورموز اعياد الميلاد ومعها «بابا نويل» يقدم هداياه. مع ذلك فان بعض القطريين لاحظوا نوعا من السخط المتنامي على الوجود العسكري الاميركي وعلى قوانين الهجرة المتشددة التي اعتمدتها اميركا. وقال شاب تلقى تعليمه بانجلترا، عمره 21 سنة، عن القوات الاميركية: «فليذهبوا، وكلما كان ذلك اسرع،4 كان افضل». وقال رجل قطري آخر اكتفى بذكر اسمه الاول عمر «أنا شخصيا لا استطيع الذهاب الى الولايات المتحدة. اذا ذهبت الى لوس انجليس فان شرطة المدينة ستطاردني. انني اخشى الذهاب الى هناك. ما الذي يأتي بكم اذن الى بلادنا؟». وقال خالد راشد المنصوري، مدير الشؤون الاوروبية والاميركية بوزارة الخارجية القطرية، وهو يعلق على آراء عمر «هذا عبء نتحمله معا، قطر واميركا».

وعمل المنصوري بسفارة قطر بالولايات المتحدة لمدة 6 سنوات، وساهم في تحقيق التحالف القطري الاميركي. ولاحظ ان قطر هي الاخيرة من بين كل اقطار الخليج من الكويت الى عمان، التي تستضيف منشآت اميركية، لكنه يعترف بان تلك الروابط كانت مفاجئة بالنسبة لكثير من القطريين. وقال «قل إننا انتقلنا من المرحلة الثالثة، الى المرحلة العاشرة مباشرة، بين عشية وضحاها. ولكننا تصرفنا بامانة مع الاميركيين ومع شعبنا. قلنا لهم ان لدينا قاعدة. لنا علاقة مع الاميركيين، وصورناها تلفزيونيا حتى يراها الجميع».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»