أميركا تخطط للسيطرة على حقول النفط الرئيسية في شمال العراق بوحدات خفيفة التسليح تنقل بالهليكوبترات من قواعد جوية تركية

قوات خاصة من الفيلق الخامس في ألمانيا ستفتح جبهة شمالية بالتزامن مع هجومين أوسع نطاقا من الجنوب والغرب

TT

تضع وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) خططا لنقل آلاف الجنود الأميركيين بطائرات الهليكوبتر من تركيا إلى العراق في الأيام الأولى من أي غزو محتمل بهدف فتح جبهة شمالية يراها مخططو الحرب جزءا أساسيا من أي عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة ضد حكم الرئيس العراقي صدام حسين. وتأتي هذه الخطط، جزئيا، تلبية للمعارضة التركية لوضع عدد كبير من الجنود الأميركيين فوق أراضيها. ووفق هذا المخطط سيتم نقل الجنود الأميركيين إلى القواعد التركية أولا لينقلوا منها بسرعة بالهليكوبترات إلى شمال العراق حيث سيتولون حماية الحقول النفطية الرئيسية وفرض النظام على المناطق التي هي حاليا بيد الأكراد المعارضين لنظام الرئيس العراقي.

وستستخدم هذه الخطط التي ما زالت في طور الصياغة، القواعد التركية كنقاط انطلاق للوحدات البرية ذات التسليح الخفيف التي سيتم نقلها جوا، ومن المتوقع أن تأتي هذه الوحدات من الفيلق الخامس الموجود في ألمانيا والفرقة العسكرية 101 الموجودة في قاعدة كامبل بولاية كنتاكي الأميركية. وسيتم نقل عدة آلاف من الجنود إلى تركيا في كل مرة، لكن قبل وصول الدفعة الجديدة ستكون الدفعة السابقة قد نُقلت إلى العراق. وقال ضابط أميركي إن تنفيذ هجوم من الشمال، إضافة إلى هجوم أوسع من الغرب والجنوب «سيرعب صدام» ويجبره على توزيع قواته وموارده لصد التقدم الأميركي على عدة جبهات.

لكن نجاح هذه الخطط مرهون بموافقة المسؤولين الأتراك الذين كانوا مركز اهتمام الدبلوماسية الأميركية خلال الأسابيع الأخيرة. وظلت تركيا، البلد الإسلامي الوحيد العضو في حلف شمال الاطلسي (ناتو)، تسمح لعدد صغير من القوات الخاصة الأميركية بالانتقال بشكل سري إلى المناطق الكردية في شمال العراق، لكنها في الوقت نفسه لا تريد حضورا عسكريا أميركيا كبيرا داخل أراضيها.

ومنذ عدة أشهر و«البنتاغون» يعزز قواته في دول الخليج بحيث تكون قادرة على شن غزو بري ضخم على العراق، وهذا يتضمن تحرك قوات إلى داخل العراق من الغرب والجنوب، وقد يصل عدد المشاركين في هذا الهجوم إلى 100 ألف عسكري. وهناك في المنطقة حاليا ما يقرب من 50 ألف عسكري أميركي، من المشاة والقوات الجوية وقوات مشاة البحرية (المارينز)، فيما يتم نقل الدروع الثقيلة وأجهزة أخرى إلى المنطقة باستمرار. ويبقى انطلاق الطائرات الحربية من تركيا شرطا أساسيا لأية حملة عسكرية في العراق. فالقواعد الجوية الموجود في تركيا ذات تسهيلات حديثة بنيت كي تتمكن تركيا من تنفيذ الالتزامات المفروضة عليها كعضو في «ناتو»، وهذا ما جعل هذه القواعد تتناسب مع عمل الطائرات الأميركية وجعلها أفضل من كل القواعد الأخرى الموجودة في المنطقة.

وكانت تركيا قد لعبت دورا أساسيا في حرب الخليج الثانية حينما فتحت قواعدها للطائرات العسكرية الأميركية كي تقوم بهجماتها ضد أهداف عراقية. واتخذ القرار الذي يسمح للأميركيين باستخدام القواعد التركية في آخر لحظة. مع ذلك ظلت الولايات المتحدة تطور خططها حتى وقت قصير على أساس عدم إدخال تركيا كنقطة انطلاق أساسية للقوات البرية الأميركية، بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي في ذلك البلد إضافة للمخاوف التركية من أن تمتد طموحات أكراد العراق في الاستقلال إلى أكراد تركيا أيضا. لكن ذلك تغير الشهر الماضي حينما قام نائب وزير الدفاع الأميركي بول وولفوويتز بزيارة إلى تركيا للضغط على حكومتها كي تقدم دعما أكبر لخطط «البنتاغون» الحربية. وقال وولفوويتز بعد لقائه بالمسؤولين الأتراك في أنقرة: «نحن مرتاحون لما يمكننا القيام به من الجنوب. بالتأكيد، إذا تمكنا من أن نضع عددا ضخما من القوات البرية في الشمال فإن تركيا هي البلد الذي ستأتي هذه القوات عبرها. ليس هناك أي خيار آخر».

وقال مسؤولون أميركيون كبار إنه على الرغم من أن أية حملة عسكرية ضد النظام العراقي سيحالفها النجاح بدون مشاركة تركيا فيها لكن دعمها سيساعد كثيرا لجعل الحملة «أقصر وأقوى ولتقليل عدد النازحين». وكانت قاعدة انجيرليك التركية موقعا أساسيا في السنة الماضية لرحلات طائرات الشحن العملاقة سي ـ 17 من وإلى أفغانستان. وظلت الطائرات الأميركية والبريطانية تستخدم هذه القاعدة لأكثر من عقد لتنفيذ قرار الحظر الجوي الذي فرض على العراق منذ سنة 1991 بعد انتهاء حرب الخليج الثانية لحماية 3.5 مليون كردي يعيشون في المنطقة الشمالية من العراق.

ومع العدد المحدود من القواعد الجوية المتوفرة أمام القوات الأميركية جنوب العراق فان عدد الطائرات التي تنطلق من خارج تركيا يشكل ثلث العدد الكلي للطائرات التي ستشارك في اي هجوم على العراق. فالولايات المتحدة قادرة على استخدام ثلاث قواعد في عُمان، واثنتين في الكويت وواحدة في قطر وربما واحدة أخرى في الإمارات العربية. ولم تمنح السعودية بعد موافقتها على استخدام قواعدها في مهمات حربية ضد العراق. وفي هذا الصدد قال مسؤول سابق في القوة الجوية الأميركية «نحن بحاجة إلى قاعدة انجيرليك الجوية، فبدون وجود قاعدة جوية حديثة واحدة على الأقل لن نتمكن من توفير غطاء جوي كاف لأي شيء نقوم به». كذلك تشكل قواعد تركيا الأخرى أهمية خاصة لتوفير دعم جوي للعمليات الحربية في شمال العراق، وتعتبر قاعدة ديار بكر الجوية الواقعة في شرق تركيا واحدة من النقاط التي تلبي حاجة من هذا النوع إضافة إلى مطارين عسكريين صغيرين يقعان في أقصى شرق تركيا ظلت الولايات المتحدة تستخدمهما لعمليات قواتها الخاصة في شمال العراق في السابق ولعلها ستستخدمهما مرة أخرى.

ومن المتوقع أن يقرر المسؤولون الأتراك أيا من هذه القواعد ستكون تحت تصرف القوات الأميركية وفيما إذا كانوا سيسمحون للقوات البرية الأميركية بالتحرك صوب العراق عبر الأراضي التركية. وقال أحد مستشاري الحكومة التركية الذي هو على معرفة بما يجري من نقاشات في هذا المجال إن البلدين ما زالا مختلفين. فتركيا عرضت على الولايات المتحدة استخدام ثلاث من قواعدها الجوية بضمنها انجيرليك وتريد في الوقت نفسه تحديد وجود عدد هذه القوات فوق الأراضي التركية، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام أربع قواعد أخرى ومنحها حرية أكبر لتحريك قواتها فوق التراب التركي. وقال مسؤول في الإدارة الأميركية تعليقا على هذا الوضع «إنها عملية استشارية وستستغرق بعض الوقت».

ولن تكون الجبهة الشمالية التي هي ما زالت في طور التخطيط مثل أية جبهة تقليدية أخرى، إذ لن تكون هناك دبابات تجتاح الأراضي العراقية من الشمال، بل كل ما سيكون هناك هو عدد محدود من القوات الخاصة التي تدخل العراق من تلك الجبهة. كذلك فإن الطبيعة الجغرافية لشمال العراق تجعل فكرة وجود جبهة تقليدية شيئا لا قيمة له حسبما قال بعض المسؤولين والمحللين. فحدود تركيا مع العراق التي يبلغ طولها 206 أميال تتقلب بين سهول واسعة مرتفعة وهضاب وعرة إلى جبال مرتفعة يصل ارتفاعها إلى 8 آلاف قدم مثل سلسلة جبال زاغروس. وليس هناك سوى خط سكة حديد واحد وثلاثة طرق تخترق تلك المنطقة.

وستكون وحدات العمليات الخاصة هي الأولى التي تدخل العراق من تركيا بعد حملة مكثفة من القصف الجوي التي ستستغرق عدة أيام. وستصل هذه الوحدات إلى قاعدة جوية واقعة في مدينة كركوك وإلى حقول نفط كركوك أيضا، كذلك ستحتل هذه الوحدات مصفاة النفط والمجمع البتروكيماوي والقاعدة الجوية الموجودة في الموصل. وقد تكون أمام هذه الوحدات مهمة أخرى تتمثل في شل وحدات عسكرية نظامية عراقية إضافة إلى عرقلة عمل سربي الطائرات المرافقة للفيلقين العراقيين الخامس والأول اللذين مقرهما كركوك، إضافة إلى شل عمل الفيلق الشمالي من قوات الحرس الجمهوري التي يقع مقرها في الموصل. وحالما يتم السيطرة على القواعد الجوية العراقية ستبدأ طائرات الشحن العملاقة «سي ـ 130» بالهبوط فيها حاملة على متنها عربات مصفحة خفيفة وتجهيزات أخرى لدعم القوات البرية، في الوقت نفسه سيتم نقل وحدات برية مزودة بأسلحة خفيفة بواسطة طائرات الهليكوبتر المقاتلة من نوعي «آباتشي» و«بلاك هوك» للوصول إلى موقع تلك العربات والتجهيزات واستخدامها. ومن المتوقع أن تستمر العملية عدة أيام.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»