مفتشو الأسلحة الدوليون يستجوبون أول خبير نووي في بغداد ومصادر عراقية تكشف عن إغراءات أميركية لـ3 خبراء بينهم مستشار لصدام

TT

اكد خبير عراقي كان يعمل في اطار البرنامج النووي العراقي السابق ويدعى صباح عبد النور للصحافيين ان المفتشين التابعين للأمم المتحدة استجوبوه امس في كلية التكنولوجيا في بغداد.

وقال عبد النور للصحافيين «طلب مني المفتشون عقد لقاء شخصي واقترحوا ان يكون خاصا»، مضيفا «اعتذرت لهم وطلبت وجود عضو من دائرة الرقابة الوطنية فحضر. واستغرق اللقاء اكثر من ساعة».

ودائرة الرقابة الوطنية مكلفة تنسيق وتسهيل عمل مفتشي الأمم المتحدة في العراق.

واوضح عبد النور ان «اللقاء كان وديا وتعاونيا والشخص الذي استجوبني كان مقتدرا علميا ودارت النقاشات في جو متحضر جدا ولم تطرح علي أي اسئلة استفزازية».

وردا على سؤال عن سبب اختياره تحديدا اجاب عبد النور «لدي علاقة بالبرنامج النووي ومسجل في قوائمهم وسبق ان استجوبتني الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الماضي».

وحول ما اذا كان المفتشون طلبوا منه اجراء مقابلة خارج العراق قال عبد النور «لم يطرح علي اجراء استجواب خارج العراق» مؤكدا «ليس لدي شيء اقوله خارج العراق اكثر من الذي قلته هنا» في الجامعة.

وحول طبيعة الاسئلة التي وجهها اليه المفتشون الدوليون، اكد الأستاذ العراقي المتخرج في احدى جامعات بريطانيا عام 1973 ان «الاسئلة جاءت بشكل عام حول ما اذا كان قد جرى تقدم في التسلح النووي من عام 1998 حتى الآن».

ويعد هذا الاستجواب بداية مرحلة جديدة في جهود الأمم المتحدة للتحقق من ادعاءات بغداد بأنها دمرت اكثر اسلحة الدمار الشامل خطورة، طبقا لما ذكره متحدث باسم الوكالة.

ويسعى المسؤولون في الوكالة، اعتمادا على قائمة تضم مئات من المسؤولين العراقيين المرتبطين ببرنامج الاسلحة النووية، الى تحديد ما اذا كانت بغداد قد بدأت، سرا، في اعادة العمل ببرنامجها للتسلح النووي السابق منذ غادرت فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة البلاد في ديسمبر (كانون الأول) 1998، عشية حملة القصف الأميركية والبريطانية.

وفي الوقت الذي كان مفتشو وكالة الطاقة الذرية قد استجوبوا العلماء العراقيين في مواقع الاسلحة النووية السابقة بصورة روتينية منذ استئناف عمليات التفتيش في الشهر الماضي، فهذه هي المرة الاولى التي استخدموا فيها حقهم في اجراء مقابلات وجها لوجه مع الافراد بدون وجود مسؤولين من الحكومة العراقية. وهو ما يضع خبراء الطاقة النووية في الأمم المتحدة في وضع متقدم على وضع نظرائهم في هيئة الرقابة والتدقيق والتفتيش التابعة للامم المتحدة (انسكوم)، التي لم تجر أية مقابلات سرية مع خبراء الصواريخ والاسلحة الكيماوية والبيولوجية العراقيين.

وقال المتحدث باسم وكالة الطاقة الذرية مارك غوجتشكي في اتصال هاتفي بمقر الوكالة في فيينا «نحن ننتقل من مرحلة جمع المعلومات الى مرحلة تركز على التحقق. ولا يمكننا التحدث عمن او كيف او عدد الأفراد الذين تحدث معهم المفتشون.

وكانت ادارة الرئيس جورج بوش قد كثفت الجهود مع محمد البرادعي المدير العام لوكالة الطاقة الذرية المصري الجنسية وهانز بليكس المدير التنفيذي لانموفيك لزيادة معدلات التفتيش وممارسة سلطاتهم في استجواب بعض المتخصصين العراقيين خارج البلاد، حيث يمكنهم التحدث بحرية بدون الخوف من الانتقام.

وكان البرادعي قد اشار في مقابلة صحافية اخيرا الى انه سيستجوب العلماء العراقيين في الخارج، اذا تلقى ضمانات من واشنطن بامكانية حصولهم على حق اللجوء السياسي او العودة للعراق والعيش الآمن فيه. وقال في مقابلة أول من امس مع شبكة تلفزيون «سي ان ان»: «لقد دخلنا الان في عملية استجواب العلماء داخل العراق بطريقة غير علنية. كما اننا نعمل في الترتيبات العملية لاخراجهم من العراق». وفي الوقت الذي رفضت فيه وكالة الطاقة الذرية تسمية الخبراء العراقيين الذين استجوبوا، فان المسؤولين ذكروا ان عددا منهم سيصبح هدفا واضحا. فشخصية مثل جعفر ضياء جعفر الذي ذكر المتخصصون في الامم المتحدة انه يرأس برنامج الاسلحة النووي العراقي، ومهدي العبيدي المتخصص في تخصيب اليورانيوم، من الشخصيات الرئيسية في برنامج الاسلحة النووية العراقي السري.

وكان جعفر ضمن وفد عراقي رفيع المستوى التقي عدة مرات مع البرادعي وبليكس في نيويورك وفيينا في اوائل هذا العام. وفي اعقاب واحدة من هذه الزيارات اشتكى مندوب العراق في الأمم المتحدة محمد الدوري من ان الولايات المتحدة اتصلت بثلاثة من اعضاء الوفد العراقي وعرضت عليهم اللجوء السياسي. وقال ان العرض رفض. ولكن يبقى من غير الواضح ما اذا كان جعفر من بين هؤلاء الذين اتصلت بهم الولايات المتحدة. وقد سجلت الحكومة العراقية في رسائل وجهتها الى الأمانة العامة للأمم المتحدة والى مجلس الأمن مضايقات تعرض لها بعض أعضاء الوفد العراقي الذي شارك في محادثات الجولة الثانية مع وفد الأمانة العامة بنيويورك قبل انتقال المحادثات الى فيينا.

وكانت الجولة الثانية من المحادثات في بداية شهر يونيو (حزيران) الماضي والتي شارك فيها عدد من الخبراء العراقيين كان على رأسهم مستشار الرئيس صدام حسين الفريق عامر السعدي والدكتور جعفر ضياء جعفر.

وسبق لبعثة العراق لدى الأمم المتحدة ان اطلعت الأمين العام كوفي انان ومجلس الأمن على تلك المضايقات. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مقربة من الوفد العراقي ان الفريق السعدي تعرض إلى اغراءات من قبل مسؤولي وكالة المخابرات المركزية ال«سي آي ايه».

وذكر نفس المصدر الذي رفض ذكر اسمه أن مسؤولي الوكالة لم يكفوا عن الاتصال بالفريق السعدي وبالدكتور جعفر في الفندق الذي أقام به الوفد وكانت فحوى المحادثات تصب في تشجيعهما على الهروب . وكان السفير العراقي محمد الدوري قد ذكر في رسالته أن الوفد تعرض إلى مضايقات والى عروض مالية لارشاء بعض أعضاء الوفد الذي رافق وزير الخارجية ناجي صبري في الجولة الثانية من المحادثات . وتفيد المصادر بأن اغراءات مالية قدمت الى ثلاثة من أعضاء الوفد. وحسب مصدر موثوق فان أحد أعضاء الوفد عرضت عليه حقيبة مليئة بالدولارات من أجل حثه على الانشقاق عن الحكومة العراقية.

وكانت تلك المضايقات السبب الذي دفع بغداد الى نقل المحادثات مع الأمانة العامة الى العاصمة النمساوية فيينا، اضافة إلى صعوبات واجهها الوفد في الحصول على تأشيرات دخول أراضي الولايات المتحدة.

وقد أكد القائم بأعمال البعثة العراقية لدى الأمم المتحدة محمد سلمان ان بغداد سوف تقدم قائمة باسماء العلماء والخبراء العراقيين العاملين في البرامج العسكرية في موعد أقصاه نهاية الشهر الجاري. ولم يخف مفتشو الأمم المتحدة الصعوبات التي تواجههم في تنفيذ اقتراح استجواب العلماء والخبراء خارج العراق وتسعى لجنة انموفيك والوكالة الدولية الى تنفيذ ولايتها من خلال الموازنة بين الضغوط الأميركية والقوانين العراقية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»