روسيا وفرنسا والصين غير مقتنعة تماما بأن التقرير العراقي يخرق القرار 1441 لكنها قد تخضع في النهاية لضغط واشنطن بإصدار قرار جديد يجيز العمل العسكري

TT

قال ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي هم روسيا وفرنسا والصين، إنهم ليسوا مقتنعين بأن تقرير العراق عن اسلحته المحظورة وبرامجها، الذي قُدِّم هذا الشهر الى المجلس، فشل في الكشف بشكل كامل عن أسلحة الدمار الشامل، وهذا مؤشر على أن الولايات المتحدة قد تواجه معركة عسيرة لإقناع هذه الدول بضرورة الحرب ضد بغداد.

وتأتي هذه المواقف التي تفضل انتظار النتائج التي ستتوصل إليها فرق التفتيش الدولية معاكسة بشكل حاد لتأكيد الرئيس الاميركي جورج بوش الأسبوع الماضي أن الإعلان العراقي بصفحاته الاثنتي عشرة ألف صفحة «ما زال بعيدا» عن المستلزمات المفروضة على العراق تجاه الأمم المتحدة. واعتبر المندوب الاميركي لدى الامم المتحدة جون نيغروبونتي أن الإغفالات العراقية هي «خرق مادي آخر» لقرارات الأمم المتحدة، لكنه لم يصل إلى نقطة اعتبارها سببا لإعلان الحرب ضد العراق.

كذلك كانت بريطانيا شديدة النقد للأداء العراقي، لكنها لم تعلن أنه خرق لقرار المجلس .1441 لكن في الوقت الذي لم تصادق الدول الثلاث دائمة العضوية في مجلس الأمن على صحة تقرير العراق فإنها اتخذت موقفا متحفظا، وشددت على موقف العراق المتعاون مع مفتشي الأسلحة الدوليين، الذين بدأوا عملهم في العراق منذ شهر واحد.

وفي مؤتمر صحافي عقد اول من امس في موسكو بدا وزير الخارجية الروسي ايفان ايفانوف كأنه يقصي إمكانية وقوع أي هجوم على العراق استنادا إلى تصرف النظام العراقي لحد الآن. وقال ايفانوف إن «أي إجراء يُتخذ خارج إطار القرار 1441 لن يفعل أي شيء غير تعقيد الوضع الأمني للمنطقة». وقال ايفانوف إجابة على سؤال طرحه صحافي وصف ردود الفعل الأميركية بأنها «هستيرية»: «الهستيريا هي ليست أفضل طريقة لحل المشكلة لذلك سنستمر بالعمل بهدوء» من خلال العملية التي طرحتها الأمم المتحدة.

سيقدَّم التقرير الأخير لمفتشي الأسلحة يوم 27 الشهر المقبل ويبدو أن التاريخ مهم بالنسبة للولايات المتحدة إذ أنها ستقرر في ما إذا كانت ستشرع بهجومها العسكري ضد نظام صدام حسين سعيا لإجبار العراق على الرضوخ لقرار نزع أسلحة الدمار الشامل عنه. ومن المتوقع أن يسعى مسؤولو الولايات المتحدة خلال الأيام الثلاثة والثلاثين المقبلة إلى كسب الحجة لصالح فكرة أن التدخل العسكري الدولي ضروري لنزع السلاح العراقي.

لكن كل الدلالات تشير إلى أن إدارة بوش تواجه مهمة عسيرة جدا لإقناع الأعضاء الدائمين الثلاثة في مجلس الأمن الدولي الذين كانوا غالبا مختلفين مع الولايات المتحدة حول العراق.

وفي باريس يستمر الخبراء في دراسة الإعلان العراقي بينما يظل الدبلوماسيون ملتزمين بسياسة محددة بعناية تجاه العراق. فهم من جانب يعترفون بأن الإعلان العراقي يتضمن الكثير من الإغفالات لكنهم من جانب آخر يريدون الولايات المتحدة وحلفاءها أن يدفعوا باتجاه فرض تفتيش صارم على أسلحة الدمار الشامل في العراق بدلا من الإعداد لغزو عسكري. كذلك نفى الدبلوماسيون الفرنسيون أن تكون الحكومة الفرنسية قد قررت أن العمل العسكري هو الحل. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي في مقابلة معه: «نحن قلنا إن هناك مناطق معتمة في الإعلان العراقي. ليس هناك أي خلاف حول ذلك. لكننا قلنا أيضا إن عمل المفتشين يجب أن تكون له الأسبقية. نحن لم ندخل بعد إلى منطق استخدام العمل العسكري». وقالت وزارة الدفاع الفرنسية من جانبها إنه لن يكون هناك أي مشاركة عسكرية فرنسية في أي عملية بدون الأمم المتحدة.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية يوم الجمعة الماضي «إنه في حال اكتشاف أن العراق لم يكشف كليا عن برامج أسلحته فإن المفتشين يجب أن يكونوا قادرين على إجبار العراق على نزع أسلحته المحظورة دوليا». وظلت فرنسا خلال هذه السنة تضغط على الولايات المتحدة كي تعمل من خلال مجلس الأمن الدولي وإعطاء عمليات التفتيش فرصة أخرى لإجبار العراق على نزع سلاحه. وتصر فرنسا على أن من الضروري أن تتم استشارة مجلس الأمن الدولي ثانية قبل أي هجوم عسكري. لكن فرنسا لم تبعد احتمال مشاركتها في العمل العسكري، والكثير من المحللين يعتقدون أن حكومة الرئيس جاك شيراك ستشترك في العمل العسكري إذا اتخذ قرار بذلك من خلال الأمم المتحدة.

أما روسيا فلم تظهر أي دلائل على أنها ستوافق على أي هجوم عسكري تقوده الولايات المتحدة ضد العراق منذ أن قدمت بغداد إعلانها في بداية هذا الشهر. وفي هذا الصدد قال نائب وزير الخارجية الروسي جيورجي ماميدوف: «هناك أسئلة تتطلب إجابات عليها لكن ليس هناك أي شخص يتوقع أن تقدَّم كل الإجابات في وثيقة واحدة. ووجود المفتشين هو لهذا الغرض. وإذا كانت لديهم تساؤلات وتعرضت مساعيهم للحصول على إجابات إلى العرقلة... فآنذاك يكون هناك خرق للقرار ويجب في هذه الحالة منعه».

وأضاف ماميدوف أن مفتشي الأسلحة الدوليين لم يشتكوا من عرقلة العراق لأي من أعمالهم حتى الآن. وتصريحاتهم «تدلل على مدى فعالية عملهم وعلى توفر الفرصة لحل المشكلة... بطرق سلمية».

في الوقت نفسه، حذر وزير الخارجية الصيني تانغ جياكسون من القفز إلى استنتاجات حول الإعلان العراقي، قائلا إن الصين تحتاج إلى وقت أطول لدراسته وإنه يجب عدم الوصول إلى أحكام قبل أن يكون المفتشون قد عملوا داخل العراق لفترة أطول.

لكن المحلل السياسي الروسي الكسندر بيكاييف من معهد كارنيجي في موسكو قال، إن واحدة من الدول الثلاث المتقاعسة قد تغير موقفها وتقبل بالعمل العسكري ضد العراق تحت تأثير الضغط الأميركي أو من مصالحها الخاصة، ثم ستشعر بقية الدول أنها مجبرة لجعل القرار متخذا بالإجماع.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»