الراضي لـ«الشرق الأوسط»: تعيين تكنوقراطي وزيرا أول وانتخاب اشتراكي رئيسا لمجلس النواب توازن سياسي جديد في المغرب

TT

يكشف عبد الواحد الراضي رئيس مجلس النواب المغربي، وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في حوار خص به «الشرق الأوسط» أبعاد وخلفيات المحطات السياسية التي شهدها المغرب في الفترة الأخيرة من السنة الحالية، وضمنها تفاعلات تشكيل حكومة ادريس جطو في اعقاب الانتخابات التشريعية الأخيرة، حزبيا وسياسيا.

ويرى الراضي أن عملية الانتقال من تجربة حكومة التناوب التي كان يقودها الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي إلى حكومة جديدة برئاسة تكنوقراطي، كانت بمثابة امتحان للطبقة السياسية ومؤسسات البلاد، وأظهرت أن التحولات التي يشهدها المغرب تسير بسلاسة وتفعيل للمؤسسات الديمقراطية، وأنها أفرزت توازنات سياسية جديدة من خلال اختيار تكنوقراطي رئيسا للحكومة مقابل انتخاب «اشتراكي» رئيسا لمجلس النواب.

* هل تمت بالفعل مشاورات من أجل الاتفاق بشأن ترشيحك لرئاسة مجلس النواب؟

ـ عندما تبينت تشكيلة الأحزاب التي تعتزم المشاركة في الحكومة، بدأت تظهر ملامح الغالبية النيابية، ومعلوم أن لكل غالبية في مجلس النواب مرشحها لرئاسة المجلس، كما كان من المنتظر أن تقدم المعارضة مرشحها.

وعقد لقاء واحد بين مسؤولي أحزاب الغالبية، وتم خلاله الاتفاق على اسناد رئاسة المجلس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقام هذا الأخير بترشيح الرئيس السابق لمجلس النواب (عبد الواحد الراضي)، الذي حصل حوله توافق بين أحزاب الغالبية.

* ما هي نوعية التنسيق الذي تم بين الوزير الأول المعين والأحزاب المشكلة للغالبية التي انتخبتك رئيسا لمجلس النواب؟

ـ ان منصب الوزير الأول ورئاسة مجلس النواب، مسؤوليتات مفروض أن يكون هناك تشاور مع من يتولاهما، كي تسير الأمور في أحسن الظروف وفي اطار الانسجام ودون خلل. وقد كان الوزير الأول على علم بترشيح أحزاب الغالبية لرئيس مجلس النواب، باعتباره رئيس الغالبية، ولا يمكن أن يكون بعيدا عن الصورة.

في هذا الشأن يحبذ اقامة مقارنة مع التجارب الأخرى، فمثلا في فرنسا التي جرت فيها اخيرا انتخابات، تشكلت غالبية وداخلها ترشحت عدة شخصيات لرئاسة البرلمان، وكان دوبريه الذي يشغل حاليا رئاسة الجمعية الوطنية، في منافسة مع ادوارد بلادير من نفس الحزب، فحصل تشاور مع الغالبية التي يعتبر الوزير الأول جزءا منها، وبهذه الكيفية تسير الديمقراطية. إذن فتدبير المؤسسات الديمقراطية يقتضي التشاور والتنسيق وإلا توقفت الأمور.

* هل يعني انتخابك رئيسا لمجلس النواب اقامة نوع من التوازن بعد اختيار وزير اول تكنوقراطي؟

ـ اعتقد أنه حدث توازن، يقوم على احداث تغيير في اطار استمرارية الاصلاحات التي بدأتها حكومة التناوب. ومن المهم التأكيد على ان بلادنا اجتازت في السنوات القليلة الأخيرة، عمليات انتقال ديمقراطي بسلاسة وفي اطار استمرارية المؤسسات وتفعيل دورها، وأعني عمليات الانتقال المتعددة وكان أولها الانتقال الى تجربة حكومة التناوب ثم انتقال الحكم من الملك الراحل الحسن الثاني الى الملك محمد السادس، ثم الانتقال الذي تم عبر الانتخابات التشريعية الأخيرة والذي أفرز وضعا جديدا يقوم على توازن جديد.

* أجريتم تعديلات على النظام الداخلي لمجلس النواب، باتجاه رفع نصاب تشكيل الفرق النيابية، فهل تهدف هذه الخطوة الى اعادة هيكلة الخارطة السياسية داخل البرلمان؟

ـ كان في المجلس السابق 11 فريقا نيابيا و15 حزبا، وفي المجلس الحالي هنالك 22 حزبا، ولو تركنا نفس النصاب (12 نائبا) لتشكيل الفرق النيابية لارتفع عدد الفرق بشكل كبير، ولفتح المجال لكل ستة نواب كي يجمعوا ستة نواب آخرين ويشكلوا فريقا نيابيا، وهو ما كان يشجع عملية تقسيم الفرق النيابية الكبيرة.

وقد أدى ذلك في السابق الى ظاهرة تشتيت الخارطة السياسية داخل البرلمان. فقرر النواب والأحزاب أن يقدموا على خطوة لاعادة تنظيم الأمور وتم رفع نصاب تشكيل الفرق النيابية، وحصل نقاش حول اقتراحات تراوحت بين نصاب 33 نائبا والنصاب السابق، ووقع الاتفاق في نهاية المطاف على عدد 20 نائبا كنصاب لتشكيل الفريق النيابي، وبذلك أصبح لدينا الآن ثمانية كتل نيابية، وحتى عدد الأحزاب تراجع عمليا لأن أعضاء أربعة أحزاب على الأقل انضموا الى أحزاب أخرى وانخرطوا سياسيا في صفوفها.

* ولماذا لم تتخذ تدابير للحد من ظاهرة النواب الرحل التي تسيء للتجربة البرلمانية المغربية، وترافقها ظواهر سلبية مثل استخدام المال لكسب ولاء بعض النواب، كما يزعم البعض؟

ـ هذه مسؤولية النواب، ومكونات المجلس ككل، واعتقد أن رفع نصاب تشكيل الكتل النيابية كان يهدف ضمن إجراءات أخرى الى الحد من ظاهرة النواب الرحل، كما اتخذنا إجراء آخر يتمثل في اعتماد نتائج الانتخابات وترتيب الأحزاب كما أعلن عنه رسميا في الانتخابات التشريعية، وهذا الإجراء ينعكس على طريقة تنظيم عمل المجلس وحصص الفرق وتشكيل اللجان النيابية وسيصل الأمر الى الحد الذي يجد فيه كل من يحاول كسب نواب جدد، بأنه لا جدوى من محاولاته مادامت الامتيازات السياسية التي كان يصبو لها لن تتحقق.

وهكذا ستعالج المسألة بشكل تلقائي مادام كسب نواب إضافيين لا يدر على صاحبه أي كسب سياسي أو تنظيمي، باستثناء بعض المكاسب المادية التي ربما يحاول البعض الحصول عليها لكنها غير مجدية سياسيا.

وقد لاحظنا تحسنا في الولاية التشريعية الجديدة إذ أن عدد النواب الذين شملتهم ظاهرة الترحال لم يتجاوز 15 نائبا، وهو عدد ضئيل قياسا مع التجربة النيابية السابقة التي بلغ فيها عدد النواب الرحل حوالي نصف عدد أعضاء المجلس.

* اعترض حزبكم على منهجية اختيار الوزير الأول ادريس جطو، لكنه شارك في حكومته، ألا يوجد تناقض بين الموقفين؟

ـ لا يوجد تناقض في الحالتين، بل هناك مرحلتان، الأولى عبر من خلالها المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنه كان ينتظر تعيين الوزير الأول من أحد الأحزاب المتصدرة لترتيب الفائزين في الانتخابات، وذلك تمشيا مع مسلسل اختيار الوزير الأول من الأحزاب وطبقا لنتائج الانتخابات، وهذا موقف مبدئي. وقد عبر الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي الكاتب الأول (الامين العام) للحزب صراحة عن هذا الموقف. ولكن هنالك وضعاً آخر، يكمن في أن اختيار وتعيين الوزير الأول هو من اختصاص الملك، حسب مقتضيات الدستور الذي لا يقيده بأي شرط. وقد أخذ حزبنا مصلحة البلاد بعين الاعتبار عندما قرر المشاركة في الحكومة، واعتبر أن في هذه المرحلة التي فتح فيها الحزب خلال توليه رئاسة حكومة التناوب أوراشا كبيرة، لن تؤتي الاوراق أكلها الا بعد فترة إضافية، فتم ترجيح هذا الاتجاه.

وعندما ناقش حزبنا مسألة المشاركة في الحكومة، طرح الموضوع من زاوية تقدير المصلحة بين مواصلة الإصلاحات السياسية والديمقراطية وتشييد دولة الحق والقانون وحقوق الانسان التي بدأها الحزب في السنوات الخمس الماضية، من خلال مشاركته في الحكومة الجديدة أو من موقعه في المعارضة، وتم ترجيح اختيار الاستمرارية.

* وما هي مسوغات هذا الاختيار؟

ـ لقد أثبتت التجربة من خلال مشاركتنا في حكومة التناوب، أنه عندما كنا في المعارضة كنا نطالب بنزاهة الانتخابات وتغيير القانون الانتخابي وتفعيل مشاركة المرأة في الانتخابات، وتم ذلك منذ مشاركتنا الأولى في البرلمان سنة 1977، وتلقينا وعودا كثيرة في هذا الصدد، ولكننا لاحظنا أن قدرتنا على التأثير على الأمور كانت أنجع وبشكل جلي عندما كنا داخل الحكومة. وهكذا استطعنا تغيير قوانين الحريات والانتخابات وحقوق الإنسان وطريقة الاقتراع، وساهمنا في فتح المجال لمشاركة مهمة للمرأة في البرلمان.

وهي أمور لم يكن بالإمكان تحقيقها لو لم نكن في الحكومة، ولذلك تولدت لدينا قناعة مفادها ان الأوراش المفتوحة والقضايا التي نريد تحقيقها في المستقبل تقتضي مشاركتنا في الحكومة، وأن وجودنا في المعارضة يمكن أن يؤخر تنفيذها.

* فهل كان تعبير الحزب عما وصفتموه بالموقف المبدئي من منهجية اختيار الوزيرالأول، مجرد «تسجيل لموقف»، وكيف تفسرون ما حصل من الناحية الدستورية، ألا يحمل هذا الموقف في طياته اتجاها للمطالبة بتعديل دستوري مستقبلا؟

ـ لا اعتقد أن موضوع تعديل الدستور يأتي كرد فعل إزاء ظروف معينة، بل يقتضي تعديل الدستور عندما يراد له أن يطرح أن يكون مبنيا على إنضاج الأمور. وبالنسبة لحزبنا فان مصلحة البلاد تقتضي تحمل الأحزاب مسؤولياتها السياسية في تشكيل الحكومة ورئاستها، وهذه قناعة ونحن نأمل العودة لهذا المسار. فتعيين ادريس جطو وزيرا أول لا يعني أن الأمور لا رجعة فيها.

* هل تتوقعون عودة الأحزاب لرئاسة الحكومة قريبا؟

ـ تشكيل اي حكومة يرتبط بمعطيات ظرفية.

* ألا ترون أن التنافس القوي بين حزبي «الاتحاد الاشتراكي» و«الاستقلال»، ساهم في تسهيل مهمة اختيار الوزير الأول من التكنوقراط؟

ـ هذا تأويل، ومن الصعب البرهنة على صحته. ومن جانبنا سمعنا منهم كلاما آخر.

* هل تقصد حزب الاستقلال؟

ـ أجل، وكانوا يقولون لنا أنه ليس لديهم طموح في رئاسة الحكومة ولا في رئاسة مجلس النواب.

* لكن ما صدر عن حزب الاستقلال في صحافته الحزبية أمر آخر، وقد أعرب عباس الفاسي أمين عام الحزب صراحة عن رغبة حزبه في تولي رئاسة الحكومة، كما دعت صحيفة «العلم» الى تحقيق تناوب داخل التناوب، فكيف تردون على ما صدر من تصريحات ومن مقالات في هذا الاتجاه؟

ـ نحن نعتمد ما يقولونه لنا في اللقاءات الرسمية التي نعقدها معهم، أما ما يقال في الصحافة فهو أمر آخر بالنسبة لنا.

* ألم يكن انعقاد اجتماع بين عباس الفاسي، والمحجوبي أحرضان أمين عام حزب الحركة الوطنية الشعبية، ومحند العنصر أمين عام الحركة الشعبية، وسعد الدين العثماني نائب أمين عام حزب العدالة والتنمية، رد فعل مباشر على اللقاء الذي عقده اليوسفي مع احمد عصمان رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وبمثابة قطع الطريق على حزب الاتحاد الاشتراكي؟

ـ لقد عقد اليوسفي لقاءات مع أحزاب الغالبية السابقة التي نجحت في الانتخابات التشريعية الأخيرة. فحملة حزبنا الانتخابية كانت قائمة على دعوة الناخبين للتصويت لصالح أحزاب الغالبية. وقد عززت نتائج الانتخابات صفوف الغالبية، ورأى فيها اليوسفي اشارة من الناخبين الى الاستمرار في التجربة التي قادها حزبنا. وبدأ اليوسفي في هذا السياق سلسلة لقاءات مع أحزاب الغالبية.

* لكن كيف تفسرون عدم عقده لقاء مع حزب الاستقلال حليفكم الرئيسي داخل حكومة التناوب؟

ـ اللقاءات التي عقدت كانت بمثابة تبادل للتهاني، وتبادل للرأي والمشورة حول الوضعية السياسية في البلاد بعد الانتخابات.

وكان اليوسفي حريصا على استمرار التحالف مع تلك الأحزاب، وكانت الاتصالات تكتسي طابع المجاملات، ولم يكن واردا خلالها مناقشة المسائل المتعلقة برئاسة الحكومة أو تشكيلتها المقبلة. أما بالنسبة لمسألة تأخير اللقاء بين حزبي الاتحاد الاشتراكي و«الاستقلال»، فهو أمر هيمنت عليه التأويلات، وفي الواقع فان الأمور لم تكن آنذاك تساعد على اللقاء بين الحزبين.

* هل تقصدون بالظروف عدم سريان التيار بين اليوسفي والفاسي؟

ـ أتحدث عن ظروف متعددة، لم تساعد على عقد اللقاء. ولكن عندما توفرت الظروف التأم اللقاء بين الحزبين وعادت الأمور الى مجراها الطبيعي.

* وما ردكم على ما تردد بشأن وجود انتقادات للطريقة التي أدار بها اليوسفي مشاورات تشكيل الحكومة؟

ـ لقد فوضت اللجنة المركزية للمكتب السياسي مسألة تدبير المرحلة، وكان المكتب السياسي يحرص على توفير بعض الظروف والشروط، وفي مقدمتها برنامج الحكومة وكيفية المحافظة على مكتسبات السنوات الخمس الماضية، واستمرار الأوراش العديدة التي فتحت. وثانيا، الحرص على تولي حقائب وزارية مناسبة كي تمكن الحزب من الاستمرار في انجاز الاصلاحات.

بطبيعة الحال، لم يكن من الممكن أن تجري المفاوضات بطريقة جماعية، بما أنها كانت تقتضي أن تجري بين الوزير الأول المعين والمسؤول الأول في الحزب كما هو الشأن مع باقي أمناء الأحزاب.

واليوسفي الذي سبق له أن اجتاز هذا التمرين، يرى أنه من الصعب تكوين حكومة بشكل مفتوح يسمح للجميع بالتدخل في الموضوع، لأن الأمر يخضع للأخذ والرد والتفاوض حول تفاصيل وحقائب وزارية وأشخاص وتغييرات محتملة في كل لحظة نتيجة المفاوضات مع اطراف آخرى مشارك في الحكومة.

وهي أمور إذا وقع تداولها بشكل موسع وعلني ستؤدي إلى ارتباكات، وبالتالي فضل أن لا تكون الأمور بكيفية جماعية ولاعلانية وهذا اختيار تحمل فيه اليوسفي مسؤوليته، وارتأى توخي التكتم كأسلوب مناسب له وللوزير الأول المعين لمساعدته على تشكيل الحكومة. ومعلوم أن بعض الاخوة في هيئات الحزب لم يكونوا متفقين مع هذا الأسلوب، وكانوا يحبذون أسلوبا آخر وهذا رأيهم.

* ما هو عدد الشخصيات التي رشحها الحزب لتولي حقائب وزارية؟

ـ حسب المعلومات التي توفرت لدي فان اليوسفي قدم لائحة تضم أسماء شخصيات عددهم ثلاثة أضعاف عدد الحقائب الوزارية التي أسندت للحزب.

* ألم يحدث اعتراض من قبل القصر على بعض الوجوه القيادية في الحزب، مما اقتضى منكم عقد اجتماع طارئ للمكتب السياسي قبيل تعيين الحكومة؟

ـ لم يعقد حزبنا أي اجتماع طارئ لمكتبه السياسي في تلك الفترة، بل كانت الاجتماعات تتم بشكل اعتيادي، وضمنها اجتماع عقد قبيل تنصيب الحكومة وهو موعد الاجتماع الاسبوعي للمكتب السياسي. أما الحديث عن اعتراض على بعض الوجوه من الحزب فهي مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة، وهي مجرد محاولات لاثارة البلبلة.

* ومتى سيعقد حزبكم مؤتمره المقبل؟

ـ لقد قرر حزبنا خلال مؤتمره السادس، أن تلتئم مؤتمراته مستقبلا بشكل اعتيادي ودون أن تحاط بأوضاع خاصة أو أن تتأخر عن مواعيدها التي يحددها القانون الأساسي للحزب في ثلاث سنوات.

* وكيف تلقى حزبكم عدم إشارة جطو خلال تقديمه لبرنامج حكومته أمام البرلمان، الى حصيلة حكومة اليوسفي؟

ـ لا أعتقد أن ذلك حصل عن طريق القصد، لأن الخطاب ليس مطلوبا فيه أن تشمل كل شادة وفادة. وليست الاشارة لحصيلة حكومة اليوسفي وحدها هي التي لم يشملها خطاب الوزير الأول الذي قدمه أمام مجلس النواب، فمثلا لم تقع الاشارة للتصميم الخماسي الذي صدر في شكل قانون، ولا يزال ساري المفعول وهو ملزم للحكومة الحالية.

واعتقد أن عدم اشارة جطو في برنامجه لحصيلة حكومة اليوسفي، لا يمكن تأويله سياسيا، لأنه يدخل في باب «الصواب» (عبارة تعني بالعامية المغربية اللياقة)، أي أنه كان من اللياقة التنويه أو الاشادة بالفريق الحكومي الذي سبقه، والذي كان الوزير الأول الحالي ضمنه وزيرا للداخلية.

* ألا يدفع ذلك للتساؤل حول دور وزراء حزب الاتحاد الاشتراكي في صياغة البرنامج الحكومي، وإلا فكيف تفسر تجاهل مثل هذه الأمور في حضورهم؟

ـ هم لم يتجاهلوا التجربة، بل إن مضمون البرنامج الحكومي الجديد يعتبر استمرارا للتجربة السابقة، ومن الواضح أن هنالك استمرارية في طرح الملفات. أما مسألة الإشارة الى حكومة اليوسفي بطريقة مباشرة، تدخل، كما قلت، في باب اللياقة، وهي مسألة ترتبط بـ«لمسات» الوزير الأول نفسه وليست مهمة أعضاء الفريق الحكومي، بمن فيهم الذي ساهموا في تحرير البرنامج.

* هناك من يرى أن حزب الاتحاد الاشتراكي بدأ مشاوراته مع القصر في منتصف التسعينات بالمطالبة باصلاحات دستورية وسياسية من ضمنها تولي وزارات السيادة، لكنه الآن وبعد انقضاء تجربته في حكومة التناوب، تقلص سقف مطالبه حتى أضحت عادية، فكيف تفسرون هذا الأمر؟

ـ اعتقد أن المغرب دخل مسلسل اصلاحات سياسية منذ منتصف التسعينات بعد أن حصل تجاوب بين الملك الراحل الحسن الثاني ومطالب أحزاب المعارضة آنذاك، وجاءت حكومة التناوب في سياق تلك الإصلاحات وقد تغيرت الأمور وأفرزت وضعا جديدا. وتحققت مطالب ورغبات عديدة في كل الميادين وخصوصا ميادين الحريات وحقوق الإنسان وتفعيل دولة الحق والقانون وطبيعة العلاقة بين المواطن والإدارة وبين الحاكمين والمحكومين وتبلور المفهوم الجديد للسلطة.

إن جو الحريات الذي يعيشه المغرب ومناخ الاطمئنان الذي يشعر به المغاربة على حياتهم وممتلكاتهم، والثقة التي تحققت، كلها أشياء كنا نهدف إلى تحقيقها سياسيا، ولذلك لم نعد نرفعها كمطالب سياسية مادامت قد تحققت، رغم أنه لم تسند إلى حزبنا وزارات الداخلية والعدل، وهي وزارات ساهمت في إعداد قوانين الحريات والانتخابات والقانون الجنائي، بفضل روح الانسجام التي كانت سائدة بين الوزير الأول وهؤلاء الوزراء. لقد جرى أيضا التحضير للانتخابات من قبل وزير الداخلية، وكان ينفذ سياسة الحكومة التي يرأسها اليوسفي. لذلك يمكننا التأكيد بأن ما يطلق عليهم بوزراء السيادة، كانوا منسجمين مع الوزير الأول ويشتغلون بتفاهم معه وينفذون بوفاء واخلاص برنامج حكومة التناوب.

وبالنسبة للسياسة الخارجية، هنالك توافق حولها وفي مقدمتها قضية الصحراء ودعم الشعب الفلسطيني والوقوف الى جانب العراق وقضايا الوحدة العربية وبناء المغرب العربي والشراكة مع أوروبا.

ولذلك لا أجد مبررا للأهمية التي يعطيها البعض لما يسمى بوزارات السيادة، لأنه في العمق لا وجود لفرق بين الوزارات وهنالك سياسة حكومية واحدة وموحدة.

والآن، يظهر جليا أن الأمور تغيرت، وأسندت مثلا وزارة العدل لحزب الاتحاد الاشتراكي، وعين في منصب وزير الأوقاف، شخصية أكاديمية مؤهلة لتولي هذه المهمة. وفي المستقبل ستتبلور أكثر الانجازات وسيظهر جليا أن المشكلة ليست في مثل هذه الأمور، لأنه عندما يلتزم وزير الداخلية ببرنامج الحكومة وبمقررات مجالسها ومجلس الوزراء فذلك ما هو مطلوب منه. بطبيعة الحال فإننا ننتظر ان نصل إلى مرحلة تسند فيها كل الوزارات للأحزاب، وهي مسألة تأتي تدريجيا.

* الانجازات التي أشرت إليها ألا تعني أن حكومة التناوب استنفدت مهامها، وان تعيين وزير أول تكنوقراطي يدخل في هذا السياق؟

ـ ان منطق التاريخ يقتضي التأكيد أن تجربة معينة لا يمكن أن تستنفذ كل أهدافها، لأن طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لا تأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية المحددة لولاية الحكومة. وعندما تتولى حكومة معينة تجد ملفات يتعين أن تستمر فيها، ثم تفتح ملفات وأوراشاً أخرى دون أن تكملها، ونفس الأمر يحدث في تسيير البلديات والمؤسسات. ولهذا يتمنى رجال السياسة ومسؤولو الحكومات أن يكون لديهم أطول مدة زمنية كي يحققوا أكبر عدد من الأهداف، لكن هذه هي سنة الحياة، ومهما كانت مدة الحكم طويلة، فان الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تطرح قضايا مستجدة، والمهم أن يخرج الإنسان مرتاح الضمير. وبالنسبة لليوسفي فهو يعتبر نفسه قد قام بدوره وأن الفريق الذي عمل معه قام بدوره كذلك، رغم أن عددا من الاصلاحات والاوراش لا تزال مفتوحة، ولهذا شدد حزبنا خلال مشاوراته من أجل تشكيل الحكومة على توفير ضمانات لاستمرارية الإصلاحات، لأننا واعون بأن خمس سنوات غير كافية لإنجازها.

* وما هي أبرز مشاريع القوانين التي سيناقشها مجلس النواب خلال ولايته الحالية؟

ـ تنتظر مجلس النواب أجندة من الأعمال التشريعية، وفي مقدمتها المصادقة على القانون المنظم للانتخابات المحلية، وقانون الشغل (العمل) الذي ارتأت الحكومة السابقة إحالته في البداية على مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، إضافة للقانون المنظم للأحزاب السياسية. ومن المنتظر من الحكومة سعيها لتحقيق الاستمرارية في ميدان مشاريع القوانين، لا سيما أن البرنامج الحكومي أولى أهمية خاصة للبعد الاقتصادي وهي جانب يتطلب تدابير تشريعية، وضمنها قانون تخصيص بعض المنشآت العامة. واعتقد أن فترة حكومة التناوب تميزت بسن قوانين لها طابع تأسيسي في ميادين الحريات العامة والصحافة والتأمينات والجمارك والضرائب والمنافسة الاقتصادية والملكية الصناعية والتعليم. ولذلك سيكون من الطبيعي أن يتسم عمل الحكومة الجديدة بوضع الاجراءات التنفيذية والتنظيمية لتفعيل نصوص القوانين التي صودق عليها في المرحلة السابقة.

* ألا تتوقعون أن يكتسح الإسلاميون خاصة حزب العدالة والتنمية، الانتخابات البلدية المقبلة، وان يستفيدوا من المكاسب التي حققوها في الانتخابات التشريعية وبقائهم في المعارضة؟

ـ التوقعات من اختصاصكم أنتم الصحافيون، فأنتم مثل مصالح الأرصاد الجوية، تتولون رسم السيناريوهات والتوقعات.

* وكسياسي ألست معنيا برسم تصورات عن مستقبل الحالة السياسية بعد الانتخابات المقبلة؟

ـ أنا سياسي واقعي، ولست سياسيا يضع التخمينات.اعتمد على الميدان والواقع. واعتقد أن على الانسان أن يعمل ويقوم بالجهود اللازمة عليه القيام بها. وأن يخوض المعارك التي يطرح عليه خوضها، أما الحساب فيأتي فيما بعد. والمهم أن نقوم بتعبئة من أجل خوض الانتخابات البلدية المقبلة، لربح الرهان. هنالك منافسون كثيرون لحزبنا وليس منافسا واحدا، والمطروح علينا كسب المعركة الانتخابية المقبلة.

* ألا ينتظر أن تتم مراجعة طريقة الاقتراع في الانتخابات البلدية المقبلة؟

ـ هذه مسألة تحظى باهتمام كبير في أوساط حزبنا، ولا يقتصر الأمر على طريقة الاقتراع بل أيضا التقطيع الجماعي الذي أظهر عدم صلاحيته. وكذلك تطرح إصلاحات عديدة في قانون انتخاب الجماعات المحلية (البلديات) كما تم الأمر بالنسبة لقانون انتخاب مجلس النواب. وبالنسبة لطريقة الاقتراع فان النقاش يدور حول عدة اقتراحات وضمنها أفكار متعددة مثل اعتماد اللائحة في المدن والفردي في البوادي، أو اعتماد اللائحة للمدن والبوادي أو الاحتفاظ بطريقة الاقتراع الأحادي الاسمي في المدن والبوادي.

* هل تشكل نتائج الانتخابات التشريعية برأيك مؤشرا على توجهات الناخبين في الانتخابات البلدية المقبلة؟

ـ من الصعب مطابقة معطيات الانتخابات التشريعية مع الانتخابات المحلية، لأن الأمور مختلفة وتصرفات الناخبين تحكمها اعتبارات الظروف التي تجري فيها الانتخابات ونوعية المرشحين، ولذلك فالمعطيات مختلفة والسلوك الانتخابي مختلف والرهان مختلف ويرتكز على اعتبارات محلية،ولا مجال للمقارنة بينهما.