عائلة غزية تعيش بين القبور منذ 40 عاما ألفت الأموات وتصارع الثعابين والعقارب

TT

منذ اكثر من اربعين عاما استقر الحال بام احمد واسرتها في مقبرة في مدينة غزة، وكأن هجرتها من بلدتها في فلسطين بعد النكبة عام 1948 نتيجة الاحتلال الاسرائيلي، كغيرها من مئات الالاف من ابناء الشعب الفلسطيني، لم تكن كافية لتعيش حياة تشرد جديدة استمرت لعشرات السنين ولا تزال، في البلد الذي اتخذته موطنا ثانيا. الفت امواتها لكنها لا تزال تصارع الثعابين والعقارب على الحياة.

لم يكن أمام «ام احمد»، 65عاما التي شردت من المجدل بلدتها التي ولدت وترعرت فيها وعاشت فيها احلى سنين طفولتها، وبعد اكثر من 10 سنوات من التنقل من منطقة الى اخرى في مدينة غزة، واسرتها المكونة من 17 فردا، إلا ان تعيش وسط القبور في مقبرة غزة التي تقع قرب ميدان فلسطين في وسط المدينة.

«الشرق الأوسط» زارت عائلة ام احمد في مسكنها في مقبرة. وقالت ام احمد: «هُجّرت بقوة السلاح من بيتي وارضي الى مدينة غزة بعد ان احتلت اسرائيل بلدتنا وضاع فيها حقنا ولم نجد مكانا نسكن فيه غير هذه المقبرة. اخذنا في حينها نتنقل في السكن في مدينة غزة لمدة عشر سنوات قبل ان يستقر بنا الحال في هذه المقبرة التي لم نجد مكان سواها».

وأوضحت ام احمد ان الأرض التي تقيم عليها مع عائلتها هي ارض للأوقاف الاسلامية. وقالت «صحيح انها مخصصة لدفن الموتى لكننا لم نجد بديلا آخر عنها».

واضافت ام احمد «مضى على إقامتنا بين القبور اكثر من أربعين عاما واعتدت على جوار الموتى. نحن نقيم في غرفتين فقط وهذه المساحة الضيقة يعيش عليها سبعة عشر فردا وجميعهم يعانون من هذا المكان معاناة كبيرة». واستطردت ان زوجها اصيب بمرض نفسي خطير منذ 15 عاما بسبب هذا الحال ولم تجد له دواء. وقالت «ان مرضه يشكل لنا عبئا كبيرا، اذ لا أستطيع ان أوفر له العلاج المناسب او البيت المناسب لكي يعيش فيه وتتغير نفسيته وذلك لفقر حالنا».

وأوضحت ام احمد ان أبناءها جميعا يعانون من حالات نفسية صعبة وانهم محرومون من ابسط حقوقهم وهي الاستمتاع بطفولتهم، فمنذ نعومة اظافرهم وهم يتحملون معي المسؤولية وتذوقوا معاناة العمل والبحث عن لقمة العيش، مشيرة الى انهم لم يدخلوا مدارس ولم يتعلموا ولو شيئا بسيطا. وهذه الحالات حسب قولها تؤثر على تصرفاتهم في الحياة الاجتماعية وكأنهم تعودوا على الحياة مع الموتى لا مع الأحياء فهم في حالهم هذا يعتبرون موتى حيث انهم لا يملكون بيتا ولا علما ولا حياة كريمة وحرموا من ابسط حقوقهم وهي الحياة الكريمة بين هؤلاء الاحياء.

وتابعت القول «ان أولادي اصطدموا بواقع لا يتحمله إنسان وأصيبوا بأمراض جسدية ونفسية ويعالجون يوميا وأسبوعيا بسببها. ينظرون لهذه الدنيا نظرة سوداوية بعدها لم يجدوا يدا تمتد اليهم للمساعدة طيلة حياتهم».

وتساءلت «كيف تتخيل نفسك ان تغفو عيناك وتصحو بجانب ميت في قبر وكيف ستكون الحالة النفسية في مثل ذلك المكان. وليس هذا فحسب بل نفاجأ كل يوم بحشرات خطيرة والثعابين والعقارب التي تشاطرنا العيش بين القبور ومن الطبيعي ان تزحف الى مكان سكننا وتهاجمنا بفراشنا». وأشارت الى ان ابنها قبل أيام نجا بمعجزة إلهية من لدغة ثعبان كانت ستضمه الى الأموات لولا عناية الله به».

وحينما كانت «الشرق الأوسط» تجري الحوار مع «ام احمد» انقض أحد أبنائها وهو في العشرينات من العمر على جهاز التسجيل الذي كانت «الشرق الأوسط» تسجل فيه حديثها وهم بتكسيره، فتدخلت والدته وانقذته من بين يديه وقالت معلقة على الموقف «ماذا تتوقعون من شخص لم يتعلم ولم يعاشر الأحياء وينام بجانب الموتى ويشاهدهم بأكفانهم حينما يدفنون.. هل تتوقعون منه ان يكون إنسانا جيدا؟ طبعا لا».

وذكرت ام احمد انه لا يوجد لها أقارب في غزة بل انهم يقيمون في الخارج وقد ناشدتهم اكثر من مرة مساعدتها لكنهم طلبوا منها ان تترك زوجها وأولادها وتلحق بهم ذلك الأمر الذي رفضته.

وأكدت ام احمد أنها تسعى دائما لدى الجمعيات الخيرية طلبا للمساعدة من اجل ان تغير مكان إقامتها واخراج اولادها من هذه الحالة النفسية. لكن كل الجهود التي تبذلها تذهب هدرا حسب قولها.

وعن مستقبلها واطفالها تقول ام احمد «سكنت أربعين عاما واكثر بين القبور وانا أتحمل واصبر على كل هذه الظروف والسنين تمر. لكن مأساتي حاليا تكمن في حالة أبنائي كيف يمكن ان يواصلوا طريقهم نحو المستقبل في ظل هذا الوضع».

وأعربت ام احمد عن أملها في أن يتغير هذا الوضع وان تصبح قادرة في المستقبل على تغيير هذا المكان وان تمد لها يد المساعدة حتى تعيش حياة طبيعية بين الأحياء هي وابناؤها.