القضاء المغربي يواصل اليوم محاكمة أعضاء الخلية النائمة لتنظيم «القاعدة»

الثبيتي توجه الى المغرب لأول مرة بحثا عن زوجة بمشورة من الحارس الشخصي لابن لادن في قندهار

TT

تتواصل اليوم في الدار البيضاء محاكمة أعضاء الخلية النائمة لتنظيم «القاعدة» في المغرب، حيث كان القاضي في الجلسة السابقة قد استجاب لملتمس الدفاع بقبول الاستماع إلى شهود اللائحة التي أدلوا بها، وتضمنت نحو 30 شاهدا من ضمنهم السفير السعودي لدى المغرب، بالإضافة إلى الشهود الأربعة لغرفة الاتهام.

ويحاكم في هذه القضية ثلاثة سعوديين هم زهير محمد هلال الثبيتي، وهلال جابر عوض العسيري، وعبد الله بن مسفر الغامدي، بالإضافة إلى سبعة مغاربة، بينهم نعيمة هارون زوجة العسيري وبهيجة هيدور زوجة الثبيتي (الثانية) وأختها حورية هيدور، فضلا عن ثلاثة متهمين كانت لهم معاملات مالية مع المتهمين السعوديين، وشرطي حدود مغربي. وحسب الاعترافات المنسوبة إلى الثبيتي في محاضر التحقيق، فإنه حتى شتاء عام 1999 لم يكن الثبيتي يفكر في «الجهاد». فبعد أن انقطع، وهو من مواليد عام 1976 في مكة المكرمة، عن الدراسة في المستوى الاعدادي التحق بمعهد الدراسات الفنية التابع للقوات الجوية السعودية حيث فشل بعد سنة ونصف السنة من التدريب في ولوج المهن العسكرية بسبب رسوبه في مادة اللغة الانجليزية. وبعد حصوله على دبلوم ميكانيك عام من شركة «كانو» لبيع وصيانة الآلات الرافعة الثقيلة في جدة، ثم شهادة للتدريب على مكافحة الحرائق والإسعافات الأولية بمعهد «أرسيسيك»، خرج للحياة العملية حيث اشتغل مدة ثلاثة أعوام لدى مكتب للدراسات وتصاميم البناء ثم عاملا في شركة صناعية للعلب الكرتونية لمدة سنتين. وخلال عام 1997 غادر السعودية لأول مرة في رحلة سياحية إلى دبي، قبل أن يفوز في مسابقة لشركة التبغ «فيليب موريس» برحلة إلى الولايات المتحدة لمدة 14 يوما قضاها بين نيويورك وواشنطن. وعاد الثبيتي من رحلته منبهرا بأميركا، فقام ببيع سيارته واثاث منزله وعاد إلى أميركا عبر بروكسل ليقضي فيها ستة أشهر.

وفي سنة 1999، خلال شهر رمضان، تغيرت أولويات الثبيتي الذي بدأ يبحث عن طريقة للالتحاق بالشيشان أو بأفغانستان من أجل «الجهاد». وبعد عدة اتصالات أعطاه بعض معارفه أرقام هواتف أشخاص في باكستان لتسهيل دخوله إلى أفغانستان حيث شد الرحال رفقة صديقه ابو القاسم الزهراني من أجل الالتحاق بمعسكرات تنظيم «القاعدة».

وفي مدينة بيشاور اتصل المسافران بمولانا فضل الرحمن الذي سهل لهما الدخول إلى أفغانستان، وهناك تم توجيههما من طرف شخص يدعى الدكتور أمين أو حطاب الليبي إلى مضافة «غلام باتشا» ومنها إلى معسكر الفاروق حيث خضع الثبيتي لدورة تدريبات شبه عسكرية لمدة 50 يوما قبل أن ينتقل إلى قندهار ويتعرف فيها على الحارس الشخصي لأسامة بن لادن، المغربي عبد الله تبارك (المرجح أن يكون حاليا من معتقلي غوانتانامو) والذي رتب له لقاء مع أسامة بن لادن في قندهار.

واتباعا لمشورة تبارك، الذي يتحدر من الدار البيضاء، قرر الثبيتي التوجه إلى المغرب للبحث عن زوجة. وحسب التصريحات المنسوبة إليه في محاضر التحقيق فإن الثبيتي وصل إلى الدار البيضاء في 25 مارس (اذار) 2001، واتصل بأحمد رفيقي المدعو أبو حذيفة، والذي كان قد حصل على رقم هاتفه من تبارك في أفغانستان. وبعد أيام من إقامته في الدار البيضاء تم استقبال الثبيتي من قبل عبد الوهاب رفيقي الملقب بأبو حفص، وهو ابن أحمد رفيقي وأحد نشطاء السلفية الجهادية في مدينة فاس، ومن خلاله تعرف الثبيتي على عدد من المغاربة من ضمنهم عائلة بنموجان التي تزوج من احدى بناتها قبل عودته إلى أفغانستان رفقة زوجته رجاء بنموجان (توفيت لاحقا في أفغانستان)، ليلتحق بهما في غضون شهر اغسطس (اب) من نفس السنة كل من سعيد بوجعدية الذي تعرف عليه خلال زيارته للمغرب والذي يرجح أن يكون حاليا من نزلاء غوانتانامو، وزوجته بشرى بنموجان وأبنائه وأخته فوزية بوجعدية وأخت زوجته فاطمة الزهراء بنموجان وأخيها محمد بنموجان بالإضافة إلى سيدة تدعى مريم. ونزلوا جميعا عند عبد الله تبارك، ليتم تزويج الفتيات الثلاث المرافقات لأسرة بوجعدية لأعضاء في تنظيم «القاعدة».

وبعد أحداث 11 سبتمبر، أصيبت زوجة الثبيتي (رجاء بنموجان) خلال القصف الأميركي وتم دفنها في قرية بنجويل قرب مدينة قندهار، ثم توجه إلى باكستان في اطار عملية ترحيل المقاتلين العرب من أفغانستان، وذلك رفقة هلال جابر عوض العسيري، السعودي الجنسية، والذي كان الثبيتي قد تعرف عليه وعلى زوجته المغربية نعيمة هارون خلال مقامهما في ضيافة عبد الله تبارك.

وفي كراتشي أقام العسيري في بيوت خاصة للمتزوجين بينما نزل الثبيتي في مضافة تابعة لتنظيم «القاعدة» رفقة الملا أحمد بلال منسق العمليات الانتحارية لـ«القاعدة» وخلاد بن عتش الملقب بـ«سيلفر» المكلف التنسيق بين عناصر «القاعدة» في الخارج والملا أحمد بلال عن طريق الإنترنت والهاتف. وتحدث الثبيتي للملا بلال عن رغبته في تنفيذ عملية ضد أهداف أميركية بالمغرب، واقترح تفجير نفسه في حافلات ركاب تابعة لشركة «ستيام» المغربية معتقدا أن الشركة ملك ليهود وأنها متخصصة في نقل السياح الأجانب، إلا أن الملا بلال قرر تكليفه القيام بمهمة استطلاعية في مدينتي سبتة ومليلية، اللتين تحتلهما إسبانيا شمال المغرب، حول حركة البواخر البريطانية والأميركية في مضيق جبل طارق في إطار التخطيط لضرب أهداف أميركية في المنطقة. وأخبره الملا بلال الذي زوده بالمال لمساعدته على العودة للمغرب وتنفيذ تلك المهمة أن جابر العسيري سيلتحق به في المغرب لمساعدته. وعاد الثبيتي للمغرب ومعه رقم هاتف أصهار هلال عوض العسيري في الرباط.

وعندما وصل الثبيتي إلى المغرب، يوم 31 يناير (كانون الثاني) 2002، قرر عدم البقاء في الدار البيضاء لتحاشي الالتقاء بأفراد عائلة زوجته رجاء بنموجان التي ماتت في أفغانستان، فقرر الانتقال إلى مدينة مراكش، التي وصل إليها يوم 4 فبراير (شباط) الماضي. وحاول ربط الاتصال مع الملا بلال عبر خلاد بن عتش عن طريق الإنترنت حول المهمة التي كلفه بها بعد تعذر الاتصال به عبر الهاتف. فبدأ يفكر في القيام بعمليات انفرادية ضد منشآت سياحية يرتادها الأجانب بمراكش، ومن أجل ذلك شرع في شراء مواد ليستعملها في صناعة المتفجرات وفق تركيبة تعلمها من أحد عناصر «القاعدة» التقاه خلال عملية خروج المقاتلين العرب من أفغانستان، ولم يسبق له أن جربها فقرر أن يجري التجربة في مدينة طنجة لتحويل انتباه السلطات المغربية. وفي 24 فبراير التحق العسيري وزوجته وابناه بالثبيتي في مراكش بعد اتصال الأخير بأصهار العسيري عبر الهاتف للسؤال عنه. طلب الثبيتي من العسيري أن يتوسط له في الزواج من مغربية، وعرض عليه العسيري القدوم إلى الرباط حيث تعرف على بهيجة هيدور وتزوجها خلال شهر أبريل (نيسان).

وفي الرباط التحق بهما عبد الله مسفر الغامدي، السعودي الجنسية، الذي سبق للعسيري أن تعرف عليه في معسكر الفاروق بأفغانستان، وعرض عليه الزواج من أخت زوجته أم كلثوم، التي فسخت خطوبتها معه لاحقا لكون الغامدي يتعاطى شرب الخمر والسهر في الملاهي الليلية.

وخلال تلك الفترة أجرى الثبيتي والعسيري عدة اتصالات مع خلاد بن عتش مسؤول «القاعدة» عبر الإنترنت من أجل إرسال المال لتنفيذ المهمة، غير أن هذا الأخير طلب منهم العودة إلى السعودية خلسة وارسل لهما مبلغا من المال مع شخص سعودي يدعى نواف لتمويل عودتهما إلى السعودية. وفي 12 مايو (ايار) الماضي تم توقيف العسيري في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء من قبل المخابرات المغربية وهو يهم بالمغادرة رفقة زوجته وابنيهما، لتنطلق عملية «تفكيك» ما أطلق عليه لاحقا اسم الخلية النائمة لـ«القاعدة» بالمغرب.