مطلع 2003: أوروبا تتجه يمينا.. وأميركا اللاتينية يسارا

TT

باريس ـ مونتفيديو ـ أ.ف.ب: مع تعاقب الانتخابات خلال عام 2002 فى اوروبا اكد اليمين صعوده فيها، حيث تتولى الحكم فى غالبية دولها الآن احزاب ليبرالية بعضها يتسم بنزعة شعبوية. فبعد ان كان اليسار مهيمنا عام 1999 على اوروبا، حيث كانت حكومات يسارية تدير11 من دول الاتحاد الاوروبي الخمس عشرة، سجل المحافظون عام 2002 انتصارا في فرنسا والبرتغال وهولندا والنمسا وسلوفاكيا ولاتفيا. وشهد العام الجاري زلزالين سياسيين عنيفين في كل من فرنسا وهولندا، هزا المشهد السياسي الاوروبي.

ففي مساء 21 ابريل (نيسان) الماضي، صعقت فرنسا بنتائج الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية، حيث احتل زعيم الجبهة الوطنية (يمين متطرف) جان ماري لوبن المرتبة الثانية بعد الرئيس جاك شيراك المنتهية ولايته، متقدما على رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان. وبعد ان استبعد جوسبان من الدورة الثانية، فاز شيراك على اثر تعبئة لم يسبق لها مثيل في صفوف اليمين واليسار على حد سواء، تجنبا لفوز لوبن.

وفي 15 مايو (ايار) فى هولندا، سجل حزب اليمين الشعبوي، بعد اغتيال زعيمه بيم فورتون، انتصارا لافتا في الانتخابات التشريعية اذ احتل دفعة واحدة 26 مقعدا في البرلمان، في حين لم يكن ممثلا فيه من قبل. وبات اليمين المتطرف بذلك القوة السياسية الثانية في هولندا بعد الحزب المسيحي الديموقراطي الذي حل محل الحزب العمالي.

غير ان تقدم اليمين المتطرف في اوروبا بدأ منذ عام 1999. ففي اكتوبر تلك السنة، فوجئت اوروبا بنتائج الانتخابات التشريعية النمساوية، حيث احتل حزب العمال الاحرار بزعامة يورغ هايدر المرتبة الثانية بين التشكيلات السياسية في النمسا.

وبعد ذلك، امتدت الظاهرة الى ايطاليا مع انتصار المحافظ سيلفيو برلسكوني في مايو 2001 مع حليفيه رابطة الشمال بزعامة اومبرتو بوسي (شعبوي) والتحالف الوطني (يمين). ثم حقق حزب الشعب الدانماركي (يمين متطرف) تقدما ملحوظا في الانتخابات الدانماركية، وهو يدعم الائتلاف الحاكم في كوبنهاغن.

وفي اسبانيا ايضا، بدأ هذا التحول الى اليمين التقليدي المحافظ مع انتصار زعيم الحزب الشعبي خوسيه ماريا اثنار في الانتخابات العامة في مارس (آذار) عام 2000. وكانت اسبانيا في تلك الفترة الدولة الاوروبية الكبرى الوحيدة التي لا يحكمها الاشتراكيون الديمقراطيون. وبعدها انتقلت ايطاليا والنروج الى اليمين.

وشكلت السويد والمانيا الاستثناءين الوحيدين اذ منحتا مجددا ثقتهما الى الاشتراكيين الديمقراطيين، مما بعث الامل في اليسار الاوروبي بعد الهزائم الكبيرة التي مني بها. كما انه اعيد انتخاب الاشتراكيين الديمقراطيين بفارق بسيط في الجمهورية التشيكية، مما ارغمهم على تشكيل ائتلاف من وسط اليمين. وكان رئيس الوزراء السويدي الاشتراكي الديمقراطي غوران بيرسون اول من اوقف سلسلة انتصارات المحافظين، حيث فاز في الانتخابات. وتلاه بعد اسبوع في 22 سبتمبر (ايلول)، فوز غيرهارد شرودر في المانيا. غير ان هذين الاستثناءين لم ترسخهما نتائج الانتخابات التالية. ففي سلوفاكيا، سجل اليمين المؤيد لاوروبا غالبية كبيرة في الانتخابات التشريعية. وفي النمسا حقق المحافظون انتصارا ساحقا في 24 نوفمبر (تشرين الثاني).

* .. وأميركا اللاتينية يسارا

* حقق اليسار في اميركا اللاتينية عام 2002 في البرازيل احد اهم انتصاراته الانتخابية تاريخيا، تحت ضغط ازمة اقتصادية قوضت التقدم الطفيف الذي حققته الليبرالية الجديدة خلال العقد الفائت.

وتمكن العامل السابق في صناعة التعدين لويز ايناسيو لولا دا سيلفا، خلال معركته الانتخابية الرابعة للرئاسة في 27 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، من الحصول على 52 مليون صوت، وهو مستوى لم يسبق لليسار ان سجله في بلد غربي.

وبعد شهر من ذلك، اضيف الى ذلك الانتصار الذي حققه في الاكوادور الكولونيل السابق لوسيو غوتيريس، الذي ايد قبل عامين عصيان السكان الاصليين الذي قاد الى قلب نظام الرئيس السوري الاصل جميل معوض.

وفي المقابل، فان الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، الذي حصل على دعم اليسار الاميركي اللاتيني، واجه طيلة العام معارضة نجحت في اقصائه عن السلطة 47 ساعة في انقلاب في ابريل (نيسان) الماضي، ثم عادت في مطلع ديسمبر (كانون الاول) وبدأت اضرابا عاما مفتوحا لدفعه الى الاستقالة. ورغم ان الرؤساء الثلاثة من اليسار، فانهم يختلفون في مقارباتهم السياسية.

ويقول المرشح اليساري السابق الى الانتخابات الكولومبية لويس ادواردو غارسون لوكالة الصحافة الفرنسية ان «شافيز يتمتع بصفات الزعيم السياسي. وان لولا يعبر عن حزب قوي ومستقر، في حين يشكل غوتيريس رد فعل على غياب المرجعيات السياسية».

وفي الجانب الآخر، وجد زعيم القارة المخضرم، الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، الذي يتمتع بصداقة شافيز وبتقدير لولا، نفسه خارج اللعبة قليلا مع هبوب رياح ديمقراطية على اوساط اليسار منذ نهاية الحرب الباردة. كما حقق اليسار ايضا تقدما في الانتخابات في بوليفيا وكولومبيا. وعلى العكس من ذلك، يبدو اليسار عاجزا في الارجنتين عن استقطاب غضب السكان لتجميع اصواتهم اذ تبدو فرصه قليلة في تشكيل قوة بديلة خلال الانتخابات الرئاسية المقررة في ابريل عام 2003.